سياحة الحرامية

الظاهرة غريبة بالفعل؛ أشخاص يأتون من آخر الدنيا إلى الأردن لارتكاب سرقات متنوعة. أحدث هذه السرقات كشفها بيان صحفي للأمن العام أول من أمس، أعلن فيه القبض على خمسة أشخاص يحملون جنسية دولة في أميركا اللاتينية، ترصدوا سيارة محاسب خرج للتو من أحد البنوك في منطقة الشميساني، وفي جعبته 100 ألف دينار. وحال نزوله من السيارة لأداء الصلاة، كسروا زجاجها وسرقوا المبلغ. وبعد متابعة أمنية، تم القبض عليهم في العقبة.اضافة اعلان
هذا النوع من السرقات عادة ما يرتكبه لصوص من أبناء البلد، وليس أشخاص غرباء قدموا من بلد بعيد إلى مدينة مجهولة بالنسبة لهم، لا يعرفون عناوينها ولا أهلها.
من أين لخمسة لاتينيين أن يعرفوا أن هذا الشخص محاسب؛ يتردد على البنوك، وينقل الأموال؟ وكيف لهم في الأصل أن يحددوا مواقع البنوك في عمان، ويكسروا في وضح النهار زجاج سيارة في منطقة مكتظة، ويولوا هاربين إلى العقبة؟
هذه العملية ليست هي المثال الوحيد على ظاهرة السرقات الغريبة التي بدأنا نشهدها في السنوات الأخيرة؛ فقد انتشرت منذ سنوات ظاهرة الأفارقة الذين يروجون دولارات مزيفة في الأردن، ويبادلونها بنصف قيمتها وأقل أحيانا. ورغم تكرار عمليات النصب من هذا الطراز، إلا أن قدوم حملة جنسية أفريقية بعينها إلى الأردن لم يتوقف. وقبل أسابيع قليلة فقط، تم القبض على أفراد عصابة تورطت في قضية عملات مزيفة.
وقبل أشهر قليلة، تمكن بضعة أشخاص من إحدى دول أوروبا الشرقية، من السطو على أجهزة الصراف الآلي لثلاثة بنوك أردنية، وسلب محتوياتها قبل أن يغادروا البلاد.
إننا في الحقيقة أمام نوع جديد من السياحة؛ سياحة الحرامية. ويبدو من المعطيات المتوفرة أن الأردن بات مقصدا رئيسا لهذا النوع من السياحة، على تنوع مصادرها وجنسياتها.
حسب معلوماتنا الأولية، يدخل هؤلاء الأشخاص إلى الأردن بتأشيرات سياحية، وبشكل فردي. ولا تستطيع السلطات منعهم، ما داموا غير مدرجين على قوائم الممنوعين من السفر. والمرجح أن لا تعاون على المستوى الأمني بين السلطات الأردنية وأجهزة الأمن في تلك البلدان، وإلا لتم رصدهم في المعابر الأردنية؛ الجوية والبرية.
والاحتمال الثاني أن يكونوا بلا تاريخ جرمي، وقرروا أن يشقوا طريقهم في عالم الجريمة والسرقة عبر البوابة الأردنية. وهنا السؤال: هل ثمة شيء يغريهم باختيار الأردن دون سواه من الدول؟ حرية السفر والتنقل، أو ما شابه من تسهيلات تمكنهم من إنجاز المهمة بأقل قدر من المخاطر؟
لا ندري، لأن الأردن من الناحية الأمنية معروف على مستوى العالم بأنه دولة "ممسوكة"؛ تتمتع أجهزتها الأمنية بكفاءة عالية. أم أن السبب هو أن الأردنيين بسطاء إلى درجة استدراجهم لشراء دولارات "مضروبة"، وخرائط كنوز وهمية؟
هذا الانطباع له ما يبرره؛ فقد تكررت عمليات نصب من هذا النوع مرات ومرات، ولم يتعلم الكثيرون الدرس.
أيا كانت الأسباب، المؤكد أن لدى الأجهزة الأمنية تفسيرا لهذه الظاهرة التي حذّرت منها مرارا، لكن رغم ذلك سياحة الحرامية في ازدهار، وضحاياها في ازدياد.