"قطوف من أفلام العالم".. العروض السينمائية تتوج في صفحات

Untitled-1
Untitled-1

عزيزة علي

عمان- بمناسبة مرور خمس وعشرين سنة سينما في مؤسسة عبدالحميد شومان صدرت الطبعة الثانية من كتاب "قطوف من أفلام العالم"، الذي يشتمل على رحلة مع عروض السينما في شومان من خلال أفلام قدمت من دول العالم وهي: "اميركا، اسبانيا، استراليا، الارجنتين، الاتحاد السوفييتي، البرازيل، البوسنة، السويد، الصين، المكسيك، اليابان، اليونان، الهند، المانيا، اوروغواي، ايران، ايطاليا، بريطانيا، بوتان-تبيت، بيرو، تايلاند، تركيا، تشاد، جنوب افريقيا، جورجيا، روسيا، رومانيا، سلوفينيا، سنغافورة، صربيا، فرنسا، فنلندا، فيتنام، كازاخستان، كندا، كوبا، كوريا، منغوليا، يوغوسلافيا، افلام عربية، الأردن، المغرب، فلسطين، تونس، سوريا، لبنان، مصر، مخرجون عرب في المهجر".اضافة اعلان
وعن هذه الرحلة من عروض السينما في شومان كتب الناقد أحمد طمليه مقدمة يقول فيها ، إن الكتاب يضم نشرات مختارة من عروض لجنة السينما في مؤسسة عبدالحميد شومان، الذي يأتي إصداره بمناسبة مرور ربع قرن من العروض السينمائية الأسبوعية والأسابيع السينمائية، لافتا الى انه قبل اكتساح اجهزة الفيديو والأفلام السينمائية الأسواق على الأقراص المدمجة، ظن بعضهم أن هذه المستجدات ستؤثر على متابعة المشاهدين للأفلام في دور العرض، إذ قد يستعيض المشاهد عن ذلك بمشاهدة الفيلم في البيت، اي في الغرف المغلقة، وليتبين بعد ذلك انه لا يمكن حشو الفيلم في جهاز فيديو، أو في قرص، ذلك أن الفيلم، وقبل ذلك المشاهد، يحتاجان إلى فضاءات أرحب، حتى يأخذ حقه عند العرض، وحتى يأخذ المشاهد حقه عند مشاهدة العرض.
ويوضح طمليه أن ثمة فرقا بين مجرد المشاهدة السينمائية واكتساب الثقافة السينمائية من خلال المشاهدة، فاذا كانت دور العرض السينمائية التجارية قد تأثرت بشكل بالغ بالثورة التكنولوجية التي اضعفت الإقبال على ارتياد صالات العرض لمشاهدة الأفلام، فان تجربة لجنة السينما في مؤسسة عبدالحميد شومان واصلت عروضها بانتظام على امتداد ربع قرن بزخم وعطاء متجدد، مما يدل على أن مشاهدة الأفلام معروضة على الشاشة الكبيرة تبقى حالة مطلوبة من قبل عشاق السينما، خاصة إذا كان عرض الفيلم يترافق مع توزيع نشرة على المشاهدين تتضمن مادة تحليلية ومعلوماتية مركزة تضفي على المشاهدة بعدا ثقافيا يزيد منه الحوار الذي يجري تنظيمه بعد العرض بإدارة اعضاء لجنة السينما، وهم من النقاد الذين اكتسبوا خبرة واسعة في هذا المجال على امتداد الأعوام.
ويشير الى أن ما يستوقف من يرتاد قاعة السينما في مؤسسة عبدالحميد شومان كل يوم ثلاثاء لمتابعة أحد العروض السينمائية، ما يتصل بالنشرة التحليلية المتاحة للرواد عند الدخول، فمنهم من يقبل على قراءاتها لتتوفر له مفاتيح التعرف الى تفاصيل الفيلم وبواطنه، ومنهم من يختار أن يشاهد الفيلم دون أن تكون لديه أية معرفة مسبقة عنه، حتى لا يؤثر ذلك على متعته بالمشاهدة، ولكي يضع نفسه وجها لوجه مع الفيلم في عملية تخاطب ذهني يريد المشاهد أن يخرج بخلاصته الخاصة دون التأثر بما هو مكتبة بالنشرة.
ويقول طمليه إن لجنة السينما عندما تعرض أي فيلم ضمن عروضها وتقدم له ملخصا، فإنها لا تقصد بذلك إفساد عنصر التشويق، فلعل هذا آخر ما يهمها، إنما هي تعتمد على حقيقة أن القراءة مهما بلغت واستفاضت فإنها لا تغني عن المشاهدة، ويبدو أن تقدير لجنة السينما في محله بدليل الحضور الذي تشهده الأفلام التي تعرضها لجنة السينما رغم الإعلام والنشرات التي تسبقها وتحللها وتشرحها قبل العرض، وهذا ما يفسر أن السينماء فن وثقافة قبل أن تكون تسلية وترفيه.
ويقول طميله إن عملية المشاهدة هي ثقافة بحد ذاتها، تدخل في مخاضات، تبدأ بما يمكن الاصطلاح على تسميته بمفهوم الإبهار، وما يتمخض عن هذا المفهوم من طقوس للمشاهدة، وصولا الى ما يمكن اصطلاح على بتسميته مفهوم الإقناع، ومفهوم طقوس، وبين الإبهار والاقناع تتلخص معادلة مفادها أن ثمة فرقا بين أن تعيش الفيلم وأن تشاهده مشيرا الى ان الطقوس المشاهدة نمطان دارجان، نمط يعتمد على متابعة الحدوثة، وبهذه الحالة يمكنك أن تشاهد الفيلم وانت مضطجع، أو وانت تحتسي الشاي، وربما وأنت تتحدث إلى شخص، وقد ترد على هاتفك الموبايل وتحيي صديقا دون أن يؤثر على ذلك أبدا على متابعتك للفيلم طالما أن مقصدك من المتابعة هو معرفة مصائر الشخوص، وهذا أمر مقدور عليه بنظرة من طرف العين على شاشة العرض دون تركيز يذكر.
أما النمط الآخر من المشاهدة بحسب طميله، فهو التركيز والإبحار في عوالم الفيلم، وعدم الاكتفاء بالحدوثة، بل التركيز على اكتشاف كنوز الفيلم الفكرية والفنية، والأهم من ذلك التقاط الإحساس المراد ايصاله، وهذا النوع عصي على الاختراق، ولا يمت لأي مؤثر خارجي أن يؤثر على تفاعل المشاهد مع مجريات الفيلم، اذ يشعر انه يرتقي تماما فوق كل تلك المؤثرات ليبقى مشدودا إلى تفاصيل الفيلم بحيث انه، في النهاية، ينفرد بالانطباع الذي يخرج به، ما يميزه عن ملايين المشاهدين الآخرين الذين شاهدوا الفيلم قبله.
ويتحدث طميله عن النجاح الذي حققته لجنة السينما من خلال عروضها لأفلام من مختلفة دول العالم ومن مختلف حقبات تاريخ السينما، فإن هذا لا يحصل بالعلاقة مع دور السينما التجارية، التي ليس أمامها سوى عرض الأفلام الأحدث، وغالبا من النمط التجاري الترفيهي ذاته، في حين أن لجنة السينما في "شومان"، ليست معنية بعرض الفيلم الأحدث، بقدر ما هي معنية بعرض الفيلم الأفضل، وليست معنية بالكشف عن الحكاية التي يتضمنها الفيلم بقدر ما هي معنية بدعوة المشاهد لمعايشة الفيلم.
ويتحدث طميلة عن أن ما يكتب أو يقال عن مشهد في الفيلم الكوري الجنوبي الذي يشير إليه هذا الكتاب والذي نرى فيه فتى متوحدا "مريض نفسيا"، يوجد مع أمه في سوق مكتظة بالناس: تذهب الأم لشراء شيء ما، فيلمح الفتى بين الزحام ألوانا تشبه ألوان الزرافة التي يحبها فيقترب منها بحذر وسط المجاميع، ويمد يده إليها فيكون بذلك قد مد يده على عجز امرأة ترتدي تنورة بألوان الزرافة، فتصرح المرأة، وينظر الجميع نحو الفتى بدهشة، ولكن الفتى بريء يواصل النظر إلى تنورة المرأة حيث ألوان الزرافة، ويحاول أن يمد يده من جديد، فيباغته زوج السيدة بلكمة قوية على وجهه، تطرحه ارضا، تحضر الأم ويصعقها المشهد، فتهجم على الرجل مثل النمر المفترس ليرفع يديه عن ابنها المسكين وهي تكرر بصوت عال: مريض، أنه من ذوي الحالات الخاصة، وهنا تقشعر الأبدان حيث يصرخ الفتى وهو يجهش بالبكاء: أنا حالة خاصة.. أنا حالة خاصة؟
ويخلص طمليه الى أن الكتاب يتضمن الكثير من عنصر التشويق، حيث يعتمد على التقاط ومعايشة الأحاسيس المراد ايصالها والتفاعل معها على النحو الذي يدعوك في لحظات، لأن تحلق وليس أن تتفاعل فقط مع ما تشاهده، ومثل هذه المسألة لا يستطيع الراوي ولا حتى الناقد أن يوفيها حقها، حيث إنها تحتاج لجميع عناصر نجاحها، فالأمر لا يقتصر على براعة الإخراج أو حسن الأداء أو عذوبة الموسيقى أو ملاءمة الديكور أو حنكة الناقد، بل إن المشاهد نفسه طرف اساسي في عملية التفاعل وعليه أن يجمع حواسه، ويفتح مداركه، ويعتمد على خياله، ويستفيد من ثقافته ويجتهد ليعيش المشهد.
ويؤكد أن أعضاء لجنة السينما في مؤسسة عبدالحيمد شومان على مدار "25" عاما بقوا مواظبين على عرض فيلم متميز كل أسبوع، غير متنازلين عن حقهم بعرض ما لا يعرف الجمهور أنه بحاجة لرؤيته، ومتمسكين بحقيقة أن السينما ثقافة، قبل أن تكون فنا ترفيهيا تتداخل فيه أصوات الممثلين مع قهقهات الجمهور في القاعة.