مبادرة غامضة وشروط محقة

المبادرة المصرية لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، مفتوحة على غموض مقلق بالنسبة لفصائل المقاومة في القطاع؛ بعد وقف إطلاق النار من الجانبين، يتعين الجلوس إلى طاولة المفاوضات في القاهرة عبر الوسيط المصري طبعا "لاستكمال مباحثات وقف إطلاق النار"، كما جاء في نص المبادرة.اضافة اعلان
الفصائل الفلسطينية تخشى من أن يكون هدف المباحثات هو تجريد المقاومة من سلاحها. وما يعزز من هذه المخاوف تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس، والتي أكد فيها أن وقف إطلاق النار مقدمة لنزع سلاح المقاومة بالوسائل الدبلوماسية.
يبدو أن حركة حماس لم تكن على علم بتفاصيل المبادرة المصرية قبل إطلاقها، ولهذا انقسمت ردود فعل الحركة حيالها؛ كتائب القسام ونائب رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل أبو هنية، رفضا مناقشة مبدأ نزع سلاح المقاومة من أساسه، ووضعا شرطين لقبول المبادرة: رفع الحصار الإسرائيلي والمصري عن قطاع غزة، وإطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين. في المقابل، اكتفى القيادي في الحركة موسى أبو مرزوق، بالقول إن قيادة "حماس" ما تزال تدرس المبادرة، ولم تتخذ موقفا نهائيا منها.
بين تشدد الداخل الحمساوي في غزة، والمرونة المتوقعة من طرف القيادة السياسية للحركة في الخارج، تحاول "حماس" اجتراح مقاربة متوازنة للتهدئة تحقق من خلالها بعض المكاسب السياسية.
كتائب القسام التي تخوض المواجهة الميدانية مع قوات الاحتلال، محقة في مطالبها؛ إذ لا يعقل أن يبقى قطاع غزة تحت الحصار، رغم تعهدات سابقة برفعه مقابل التهدئة، فأي تهدئة هذه التي تضع أكثر من مليون فلسطيني تحت التهديد والحصار كل يوم؟ وكان جديرا بمصر قبل إطلاق المبادرة، أن تعلن من جانبها عن فتح المعابر مع غزة بشكل دائم.
وفيما يخص ملف الأسرى، فإن تنصّل إسرائيل من التزامها السابق بالإفراج عن الدفعة الرابعة، يطرح سؤالا حول جدوى المبادرات والاتفاقات إذا لم يتم تطبيقها.
كان على وزراء الخارجية العرب، وقبل الموافقة على المبادرة المصرية، إدخال تعديلات عليها تراعي مصالح الجانب الفلسطيني، عوضا عن تقديم عرض متسرع كما لو أنهم مجرد وسيط دولي غير معني بمصالح طرف على حساب الآخر.
لكن "حماس" إذا لم تستطع أن تفرض شرطيها على المبادرة، فستبدو مع مرور الوقت في موقف محرج؛ فالمبادرة مصرية وعربية، وافق عليها الجانب الإسرائيلي، وأيدتها الإدارة الأميركية، وسيدعمها الاتحاد الأوروبي، بينما ترفضها "حماس".
سيكون من الصعب على فصائل المقاومة في غزة احتمال هذا الوضع، خاصة إذا ما استغلت إسرائيل هذا الرفض لتوسيع عدوانها على غزة، وسقط المزيد من الضحايا المدنيين.
المؤكد أن ماكينة الضغوط العربية والإقليمية ستعمل بكامل طاقتها خلال الساعات المقبلة، لحمل حركة حماس على قبول المبادرة من دون شروط. سيتوجه الوسطاء إلى حلفاء "حماس" في قطر وتركيا لحثهم على إقناع الحركة بالمبادرة.
ربما تفلح هذه الجهود في نهاية المطاف، وقد يؤدي ذلك إلى تفجر خلافات داخل فصائل المقاومة وفي أوساط "حماس" نفسها. لكن أيا كانت النتيجة، فإن المبادرة غير منصفة وظالمة للفلسطينيين، والتهدئة المرجوة منها لن تصمد طويلا.