نحو بيئة صديقة لعمل المرأة تضمن حقوقها للنهوض بالاقتصاد الوطني

رندة نفاع*

في الوقت الذي نتباهى فيه بارتفاع نسبة التحاق المرأة وإنجازاتها المهمة بالتعليم، لم نستطع في الأردن أن نحقق مشاركة اقتصادية فعالة لها،  فنرى الأغلبية من النساء لا يدخلن سوق العمل بعد التخرج من الجامعة مباشرة أو يدخلنه لفترة وجيزة قبل أن ينسحبن منه لأسباب عديدة لم ننجح حتى الآن بتخطيها.اضافة اعلان
ونسمع قصصا مريرة عن تجارب للمرأة في سوق العمل، فأحيانا وبمجرد معرفة صاحب العمل بحمل الموظفة، تبدأ المضايقات لها
وتدفعها لتقديم استقالتها قبل الانجاب. وإن لم تستجب يتم التخلي عن خدماتها تعسفيا.
وأحيانا أخرى تطلب الشركات النساء قبل توظيفهن بتقرير طبي لإثبات عدم الحمل.
وأخرى تعطي المرأة ثلث راتب الرجل مع أنهن يقمن بنفس العمل.
ناهيكم عن النظرة السلبية السائدة في المجتمع بأن المرأة أقل إنتاجية من الرجل وأن عمل المرأة ثانوي وغير ضروري، الأمر الذي يؤدي إلى منح الرجل الأولوية في التوظيف أو عدم إعطاء المرأة العاملة الفرصة للتقدم والتطور الوظيفي الطبيعي.
وإذا نظرنا الى الأرقام فهي تروي القصة ذاتها، فترتيب الأردن عالميا يعد من أدنى النسب، حيث صنف تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي حول النوع الاجتماعي الأردن بالمرتبة 133 من أصل 136 بسبب تدني نسبة المشاركة الاقتصادية، فقد صنف الأردن بالمرتبة 140 من أصل 142 بالمشاركة الاقتصادية.
ولسنا بأفضل حال عربيا حيث أن مشاركة المرأة الاقتصادية في الأردن تعد أقل من متوسط المشاركة الاقتصادية عند المرأة العربية بالرغم من أن نسب التحاق المرأة الأردنية بالتعليم من أعلى النسب في العالم العربي.
من المؤسف أنه منذ العام 1995 وحتى اليوم لم تتجاوز معدلات المشاركة في سوق العمل للمرأة الأردنية حاجز 15 % وبحسب إحصائيات 2014 الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة فإن نسبة المشاركة الاقتصادية انخفضت الى حوالي 12.4 % بنسبة 1.9 % أقل من العام 2013 وبالنظر إلى معدل البطالة فنرى بأنه مرتفع عند المرأة بمعدل 21.2 % وأن حوالي 78 % من النساء اللواتي يعانين من البطالة هن من المتعلمات.
أهمية المشكلة تبرز عند مقارنة نسبة مشاركتها بالعمر عند المرأة وانخفاضها تحديدا عند سن 27 سنة، حيث تشير الإحصاءات بأن هذا السن هو قريب من سن متوسط عمر الزواج عند المرأة الأردنية، لذلك فإن اقتراب المرأة من عمر الزواج والإنجاب هو متلازم مع خروجها من العمل وابتعادها عن النشاط الاقتصادي مع ملاحظة أن معظم العاملات في القطاع الخاص هن تحت سن 29 سنة، ونسبة قليلة جدا قد لا تتجاوز 1 % من النساء يبلغن 50 سنة فما فوق ما يفسر قلة تواجد السيدات في المناصب القيادية.
وتعزو الدراسات أسباب عزوف المرأة عن الدخول أو البقاء  في سوق العمل لأسباب عديدة من أهمها، عدم وجود مكان لرعاية الأطفال، صعوبة المواصلات وعدم توفرها وارتفاع كلفتها، انخفاض الأجر بالنسبة لتكاليف المعيشة، أو للمضايقات التي تتعرض لها داخل العمل فقط لكونها امرأة، أو بسبب المسؤوليات الإجتماعية والعادات السائدة وارتباط دور المرأة بالبيت وتربية الأطفال وعدم تحمل الرجل لمسؤولياته والمشاركة بتحمل أعمال داخل المنزل.
وفي أغلب الأحيان تكون كل هذه الأسباب مجتمعة معا مما يزيد من معاناة المرأة ويجبرها على الانسحاب من سوق العمل.
تؤكد آخر دراسة تتعلق  بالأمر أصدرها المجلس الأعلى للسكان تحت عنوان انسحاب النساء من سوق العمل الأردني لبحث الأسباب التي تسهم في دفع المرأة الأردنية للخروج من سوق العمل في سن مبكرة، أن أكثر من
50 % من النساء المنسحبات من سوق العمل تقع أعمارهم ضمن الفئة العمرية ما بين
(25-34 سنة) وأن 44 % من النساء المنسحبات من سوق العمل لم يمض على وجودهن سوى ثلاث سنوات أو أقل و أن 88 % من النساء المنسحبات كن يعملن في القطاع الخاص.
وأكدت نفس الدراسة أن 34 % من النساء المنسحبات تركن العمل بسبب ظروف عائلية لم يرغبن الإفصاح عنها و 11 % بسبب عبء تربية الأولاد و9 % بسبب الزواج و7 % بسبب إستغناء الشركة عن خدماتهن، و6 % بسبب سوء معاملة صاحب العمل و6 % بسبب تدني الأجر
و5 % بسبب السفر للخارج.
في ظل هذه الظروف تصبح مطالبتنا للمرأة بالبقاء في سوق العمل غير كافية دون إزالة الأسباب التي تدفعها للخروج منه، ودون خلق بيئة داعمة وصديقة للمرأة تفتح المجال أمامها للتقدم في العمل ولتحسين انتاجيتها وتطورها في المراكز الوظيفية، وتشجع النساء خارج سوق العمل بدخوله.
فلا بد من تحسين شروط العمل في القطاعين العام والخاص وتعزيز بيئة صديقة داعمة للمرأة لتتحول من بيئة طاردة إلى جاذبة تعطي المرأة العاملة كامل حقوقها.
ولهذه الأسباب، تداعت قوى شعبية تؤمن بأهمية تعزيز عمل المرأة كركيزة أساسية للنهوض بالاقتصاد الوطني، بإطلاق مبادرات تهدف لتأمين بيئة صديقة للعمل وضمان حقوقها بالعمل، من أهمها "مبادرة الانصاف في الأجور" التي تطمح  إلى زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل من خلال تعزيز مبدأ الأجر المتساوي عن العمل ذات الأهمية والقيمة المتساوية حسب إتفاقية المساواة في الأجور التي صادق عليها الأردن العام 1996، يتم تنفيذها من خلال اللجنة التوجيهية الوطنية للانصاف في الأجور.
وتلت جهود الحملة الوطنية للمساواة بالأجور حملة ثانية انبثقت عنها لا تقل بأهميتها وهي حملة قم مع المعلم المطالبة بحقوق المعلمات في المدارس الخاصة يقوم عليها معلمون ومعلمات يعانون من الظلم في هذا القطاع.
 وهناك أيضا حملة معا نصل المطالبة بنقل عام آمن ومنظم التي أطلقتها منصة تقدم للمساهمة في معالجة عزوف النساء عن قبول الوظيفة بسبب عدم توفر وسيلة نقل، حيث تبين الاحصائيات أن 40 % من النساء في الأردن يعزفن عن العمل بسبب مشاكل النقل والمواصلات. وقد قامت الحملة برصد نقاط الضعف في منظومة المواصلات العامة داخل العاصمة والتحديات التي تواجه السيدات العاملات أثناء رحلتهن للوصول من وإلى العمل من خلال أول دراسة تجريبية لواقع النقل العام في عمان وتعمل الحملة حاليا على إبراز صوت المستخدمة والمستخدم من خلال المطالبة بقانون عصري يضمن حقوقهم ومن خلال المطالبة بتحسين المواصلات العامة لطلاب وطالبات الجامعات على وجه الخصوص اللواتي يواجهن تحديات في تنقلهن إلى أماكن دراستهن تعرقل تحصيلهن العلمي ومسيرتهن الدراسية وتؤخر بالنتيجة دخولهن إلى سوق العمل.
وبالرجوع الى دراسة المجلس الأعلى للسكان لأهم اسباب انسحاب المرأة من العمل، يأتي موضوع الظروف العائلية والأطفال بالمرتبة الأولى، وهنا تكمن أهمية تفعيل المادة 72 من قانون العمل التي تلزم صاحب العمل بتهيئة مكان آمن لرعاية الأطفال في مكان العمل، بحال وجود عشرين امرأة عاملة لديهن عشرة أطفال تقل أعمارهم عن أربع سنوات
وكان من أول المنادين بتطبيق المادة 72 حملة صداقة التي أطلقها عدد من الناشطين والناشطات المؤمنين بأهمية توفير حضانات في أماكن العمل. وقد قامت الحملة بالعمل مع الشركات الكبيرة التي توظف أكثر من مائة عاملة على توفير الحضانات وتقديم الدعم الفني والقانوني لهم والتواصل مع الأمهات والعاملات في الشركات الموجودة في قطاعات العمل التي توظف النساء بشكل كبير مثل قطاع التعليم والصحة والبنوك ومصانع الأنسجة وقطاع الاتصالات من أجل توعيتهم بالقانون وأهمية تفعيله. وعملت الحملة مع وزارة العمل التي باشرت في إطلاق حملات تفتيش وتوجيه الشركات نحو توفير الحضانات. وهنالك اليوم على الأقل ما يقارب الخمسين شركة ومؤسسة والتي قامت بتأسيس الحضانات ولمست التغيير الإيجابي عليها وعلى المرأة العاملة.
وقد قامت حملة صداقة بعمل بحث نوعي لدراسة أثر وجود حضانة على الأم العاملة وأصحاب العمل والتي تبين أنها تساعد في تقليص مدة الوقت المهدور في الاتصالات والمغادرات أو التأخيرات الذي يسببه وجود حضانة بعيدة، توفر مبالغ مادية قد تصرف لوسائل النقل بسبب كثرة زيارة الأطفال، تساهم في تجنب كثرة الإجازات بدون راتب وحسم الرواتب، وتكون الأم مطمئنة نفسيا الى الاوضاع التي يكون فيها الطفل من الناحية الصحية والتربويه، وبالتالي يزيد تركيزها وانضباطها في العمل والذي يساهم بالترقية وزيادة الأجور واستلام مواقع متقدمة. ومن ناحية أخرى وعند عدم توفر مكان لرعاية الأطفال فإن المرأة العاملة تواجه مشاكل بفعل السلوكيات الاجتماعية المحرجة التي قد تتم مع الأسرة أو الأصدقاء وأحياناً بتكليف الجيران وبالتالي عدم شعورهم بالأمان. أما بالنسبة لصاحب العمل فالامتيازات عديدة ومن أهمها: جذب كوادر نسائية ذات الكفاءة، سمعة العمل تدل على ثقافة معينة مبنية على حرص أصحاب العمل على توفير بيئة داعمة، زيادة فعالية وإنتاجية العامل/العاملة مما يساهم من التقليص من معدل الدوران الوظيفي والذي يساعد على الاحتفاظ برأس المال البشري وعلى المدى البعيد يساهم في الزيادة في الربح أو التوفير، ولعل أهم الامتيازات هي تعزيز الولاء والانتماء للعمل وتحسين نفسية العاملين وخلق صداقات جديدة وتحسين عام في بيئة العمل.
وما يميز هذه المبادرات جميعها أنها ليست مشاريع بالمعنى الدارج بين مؤسسات المجتمع المدني بل هي حملات ومبادرات شعبية قائمة على مجموعة من الناشطين والناشطات ممن خاضوا تجربة المعاناة التي تلازم المرأة والأم العاملة نتيجة الضغوطات الأسرية أو التمييز داخل مكان العمل أو صعوبات التنقل أو صعوبات في إيجاد الحضانات لأطفالهن، وتعمل هذه المبادرات بجهد مجتمعي منظم وبقيادة من أطراف عدة نقابية، حكومية، برلمانية ومجتمعية بالإضافة الى أهل القضية وتسعى جميعها ليس فقط لتمكين المرأة بل لتغيير الثقافة السائدة ولحث الحكومة في اتجاه تطبيق القوانين. إن هذا النوع من المبادرات الملتزم بقضيته المحددة وبإعلاء صوت أهل القضية منتظر منه التغيير الجذري على أرض الواقع.
ولا نغفل في هذا المقام ذكر جهود سنوات عديدة  للمؤسسات النسائية في توعية المرأة بالتشريعات التي تحميها وتحفظ حقها من إجازة الأمومة المنصوص عليها في قانون العمل، وساعة الرضاعة والإجازات السنوية، وعدم التمييز في الأجر بينها وبين الرجل، ولكن وبشكل عام القوانين الناظمة للعمل ما تزال بحاجة الى متابعة سواء لتفعيلها لدعم تشغيل المرأة أو لإلزام أصحاب العمل بالتقيد بقانون العمل أو لادراج مواد جديدة تضمن للمرأة الأردنية حقوقها بدون تمييز سنقوم بتناولها بمقال لاحق.
وأخيرا، بقي أن نقول بأن رفع مستوى مشاركة المرأة في سوق العمل سيؤدي إلى رفع الناتج المحلي الإجمالي وهذا مثبت عمليا وعلميا وهو أمر نحن في أمس الحاجة إليه في دولة مثل الأردن تعاني من البطالة والفقر وشح الموارد.
أما أن نقول بأن هذا الموضوع لا يستحق منا العمل لأن الأوضاع السياسية الداخلية والخارجية دائما تأخذ أولوية على حساب حقوق المرأة فهو دليل على عدم توفر النية بالتغيير والإصلاح بشكل عام.
فعلينا جميعا واجب تحمل مسؤولياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في موضوع رفع مشاركة المرأة الاقتصادية وأن نعطيه الأولوية القصوى التي يستحقها. فعلى الرجل في البيت أن يتحمل مسؤولياته في تربية الأطفال والقيام بالواجبات المنزلية مثله مثل المرأة من تدريس الأطفال الى الأعمال المنزلية كافة. وعلى الإعلام أن يتحمل مسؤوليته في تغيير الصورة النمطية المجتمعية التي تدفع بالنساء إلى مهن محددة أو الذي يحصر دور المرأة في البيت، وعلى الأم والأب في البيت أن يتحملوا مسؤوليتهم فيحثوا بناتهن على العمل وعدم الاكتفاء بالاستثمار بتعليم البنات فقط للخروج بشهادة تعلق على الجدران.
وعلى المسؤولين من كتّاب المناهج تحمل مسؤولياتهم في تعديل المناهج المدرسية التي ترسخ الصورة النمطية للمرأة ولا تكترث لأهمية عملها. وعلى القائمين على منظومة النقل العام تحسين خدماته خصوصا للمرأة العاملة. وعلى المشرعين تحمل مسؤولياتهم الأخلاقية والوطنية في تعديل القوانين والأنظمة باتجاه تحقيق المساواة للمرأة في العمل وفي المجالات كافة. وعلى صاحب العمل أن يقوم بتحمل مسؤولياته بالإلتزام بتطبيق القوانين وبتوفير بيئة داعمة للمرأة العاملة من مواصلات وحضانات وأجر متساو مع الرجل.
وأخيرا، سنبدأ بأنفسنا وبمسؤوليتنا كناشطون وناشطات ومؤسسات المجتمع المدني بأن نستمر في عملنا بالمطالبة والتوعية بأهمية عمل المرأة وبأن عمل المرأة هو حق أصيل من حقوق المواطنة لا يقبل المساومة أو التأجيل.

*عضو مؤسس بحملة "صداقة" وحملة "معا نصل"