حابس حسين.. ثقافة وإلمام معرفي تتوج مسيرته الفنية بالإبداع (فيديو)

الفنان حابس حسين - (تصوير: ساهر قداره)
الفنان حابس حسين - (تصوير: ساهر قداره)

تغريد السعايدة

عمان- هالة من الوقار والحديث المشوق الذي يحمل في طياته عصارة سنوات من النجاح والتألق والإبداع، رسمها الفنان الأردني القدير حابس حسين، والذي قدم أدوارا لافتة وعميقة عبر مسيرة مضيئة تقمص خلالها شخصيات عديدة قدمها ببراعة وشغف.اضافة اعلان
شخصيات بدوية وقروية تميز بأدائها الفنان حسين، وما تزال عالقة في أذهان المشاهد الأردني، فشخصية ابو سالم في مسلسل ام الكروم، تعتبر صورة لأحد "قرامي" البلدة، التي يحاكي فيه ابو سالم التشبث بالأرض والوطن والأصالة.
حسين يجد نفسه في كل شخصية يؤديها، كونها تحمل ما بين طياتها وأحاديثها رسالة وفكرة، وثقافة شعب للمجتمعات الأخرى.
الثقافة "العلمية والنفسية والدرامية" التي يتمتع بها حسين الذي ولد العام 1947، جعلت منه فنانا قادرا على أن يتقمص الأدوار بكل حرفية، فهو ما أن يبدأ بقراءة النصوص التي تُقدم له، حتى يخوض بتفاصيل الشخصية والأحداث المحيطة بها، عدا عن قراءة باقي الأدوار التي تتحدث عن الشخصية، ليرى نفسه في عيون الآخرين، ومن هنا، تظهر قوة الإتقان في أداء العمل أيا كان شكله.
وعلى الرغم من عشرات الأعمال البدوية التي جسدها حسين، إلا أنه أبدع في الأدوار الأخرى كالمسلسلات الحديثة أو ذات الطابع التاريخي "باللغة الفصيحة" لكونه يتمتع بصوت جهوري يتحكم بطبقاته بحسب الدور، بالإضافة إلى الأدوار المسرحية التي يعتبرها علامة فارقة بمشواره الفني منذ ما يزيد على أربعة عقود، مع تحيزه لبعض الأدوار الفنية التي لامست شغاف قلبه وجعلته يتذكرها بالكثير من المواقف.
شخصية الشريف الحسين بن علي، التي يتشرف انه قام بأدائها في الفيلم التوثيقي الدرامي "الثورة العربية الكبرى"، في العام 2016، بالإضافة إلى دور "مطلق أفندي" في مسليل وجه الزمان، الذي أدّى فيه دور القائد العسكري الأردني، الذي يحمل في يده السلاح مدافعا عن ثرى الوطن، ويخدم بذات الوقت الثوار الفلسطينيين في مقاومتهم، ليحظى هذا الدور بحب الجمهور والحديث عنه وتداول بعض مقاطعه عبر مواقع التوصل الاجتماعي.
وخلال حواره مع "الغد" تحدث عن حياته الفنية ومسيرته الدرامية، والبعد النفسي الذي كان يعتمد عليه في أداء الشخصية، ليظهر حجم الجهد الذي يقدمه خلال التمثيل. ويعطي مثالا على المشهد الذي قام به باحتضان الفنان الراحل ياسر المصري ورثائه في دور (عقاب) بمسلسل "توم الغرة" ، والذي بكى فيه حسين "حقيقة"، وقال فيه شعر رثاء قام بتأليفه بنفسه قُبيل أداء المشهد بساعات.
الحنكة والارتجال اللذان يتميز بهما حسين، ساعداه على أن يكون فنانا ومبدعا في كل دور يجسده، فله ما يزيد على 300 عمل ما بين المسرح والتلفزيون والإذاعة، عدا عن كونه مؤلفا للشعر الذي يعشقه منذ صغره، وهو من أوائل الذين أسسوا نادي القلم في مدنية الزرقاء في سبعينيات القرن الماضي.
حسين هو ابن "عسكري" ترعرع في بيت يعشق العلم والثقافة، انتقل والده إلى الزرقاء، لينهي فيها دراسته الثانوية، واستمر في نهل العلم ليحصل على بكالوريوس فيزياء، ويعمل مدرسا، إلا أن ينبوع الثقافة المتدفق في وجدانه حول مساره مرة أخرى إلى الأدب، ليعاود دراسة البكالوريوس مرة أخرى في الأدب الإنجليزي، ومن ثم ماجستير الأدب الفرنسي، ليكون هذا الرجل الذي يحمل عباءته على يده في أدواره البدوية متحصنا بالثقاقة والأدب من مختلف العلوم، يؤدي أدواره بكل واقعية.
ويعتقد حسين أن الدقة في تمثيل الواقع في الشخصية التي يؤديها الممثل، هي التي تساعد على نجاح العمل مهما كانت أحداثه، فالناس تبحث عن الدراما القريبة منها "تشبهنا"، على حد تعبيره، في التعابير وردود الأفعال ورفض صفات السوء، وتصوير المجتمع على أنه متجانس ما بين الخير والشر، وهذا ما مكنه أن يكون حاضرا بقوة في أغلب المسلسلات الأردنية لكونه خير من يُقنع الجمهور بواقعية الحدث والمتابعة فيما بعد.
يستند كذلك حسين حين يتقمص أدوار الشخصيات البدوية الأردنية، على صفات بعض من رجالات البادية في الأردن، الذين امتازوا عبر التاريخ الأردني برجولتهم وشهامتهم، ليكون هو البدوي الذي يرسخ الصورة الإيجابية للمجتمع، حتى ارتبطت هذه الصورة بالفعل في أذهان الشعوب الأخرى عن "البدوي الأردني".
لذلك، تجد المسلسلات الأردنية رواجا كبيرا في مختلف الدول العربية، التي تحاكي المجتمعات وتُظهر الجوانب المختلفة فيها. ويتمنى حسين أن يجد الفنان الأردني فرصته دائما في مختلف الأدوار التمثيلية داخل الأردن وخارجه، فهو يشعر بالسعادة عندما يرى فنانين أردنيين شبابا أبطالاً في أدوار عربية بطولية، يمثلون الفن الأردني أينما حلوا بقوة أدائهم.
ويرى حسين ان الفنان إذا لم يستمتع بالتمثيل اثناء الأداء، فلن يكون قادراً على اقناع الآخرين، فهذه رسالة يوجهها لكل فنان، فالتمثيل فن يحوي مبادئ أخلاقية وتعليمية ممتعة للخيال ويعكس ايضا واقع المجتمع، لافتا إلى أن أي دور يرتقي بالخيال ويغذيه العقل بالمتعة والثقافة؛ يجذب المتفرج بقوة.
وفي خضم الحديث عن مسلسل "أم الكروم" الذي يُعاد بثه خلال هذه الفترة على التلفزيون الأردني وحظي بنجاح فريد، يتمنى حسين أن تلتفت الجهات المعنية بالدراما في الأردن و"تصطاد" هذا النجاح لتطبقه على أعمال فنية أخرى جديدة، تكون قريبة من الناس وتخلد الأعمال الدرامية الأردنية في القلوب قبل رفوف الأرشفة، بوجود نخبة كبيرة من الكُتاب والمخرجين الأردنيين المميزين.
بيد أن حسين يشعر بالكثير من العتب على الجهات الرسمية بسبب تغييب الفنان الأردني في أعمال فنية وقلة دعم الانتاجات الأردنية، ليبقى الفنان بانتظار مؤسسات إنتاج أهليه أو عربية بعد أن كان الأردن أكبر مصدر للمسلسلات الدرامية الاجتماعية للدول العربية أجمع.
غير أنه لا ينكر في ذات الوقت الدور الكبير الذي تحاول وزارة الثقافة ان تقوم به تجاه الفنانين الأردنيين على اختلاف إهتماماتهم، من خلال العديد من المهرجانات المسرحية الدورية والتي تتيح للفنان الأردني الحضور في الكثير من الفعاليات الفنية التي تستنهض الإبداع.
بيد أن حسين لا "يبرئ" باقي الجهات الرسمية ذات العلاقة من تهميش الفنان الأردني "لأسباب لا يعلمها"، خاصة وأن الفنان الأردني يقف دائماً إلى جانب مؤسساته السياسية والاجتماعية والثقافية في مختلف التطورات الداخلية والخارجية، وهذا بدا واضحا في تسعينيات القرن الماضي، وما طالها من سلبيات اقتصادية.
وما بين حديثه بالفصيحة، واحيانا أخرى بلهجة بدوية مُتمكنة، يلفت حسين إلى الفنون العالمية التي نهل من علومها وتفاصيلها، لتصنع منه فنانا أردنيا بامتياز. ويعول دائما وأبدا على الفنان الأردني في إعادة الهيبة للأعمال الأردنية بكل وقت وحين.

;feature=youtu.be