آفاق العام 2019

العام 2019 مدعاة للتفاؤل، اقتصادياً بشكل أساس، ولعله كذلك على جميع الجبهات والاتجاهات، بالرغم مما تشهده الأسواق المالية العالمية اليوم، وما توحي به التطورات على أسعار الفائدة، وما ينفر منه دعاة الأزمة المالية العالمية المقبلة. لست هنا بصدد التبصير بما هو آتٍ، كما أنني لست من المنجمين، ولا أدعي أنني أمتلك الكرة السحرية للتنبؤ من خلالها، بيد أن المعطيات العامة تشير إلى إمكانية أن نجعل من العام المقبل عاماً أفضل. وقد بادر جلالة الملك، في لقائه الأخير بعض أقطاب الصحافة بالتفاؤل، مشيراً إلى أنه مطمئن بأن القادم أفضل، وأننا نسير في الطريق الصحيح. وعليه فإن المطلوب أن تصوغ الحكومة السياسة الاقتصادية في ذلك الاتجاه، وأن لا يعيقها التشويش الصادر من المنطقة، وخاصة دول الجوار، أو حتى التشويش القادم من الداخل، وعليها اليوم أن تعلن أن 2019 هو عام التنافسية وتحفيز الاقتصاد، أو عام المشروع النهضوي الوطني الأردني. فذلك سيشير إلى تركيز أكبر الجهود على تحسين البيئة الاستثمارية في البلاد، وعلى الإصرار على التوجه نحو اقتصاد تنافسي. أدوات التنفيذ سهلة، ومباشرة، وعملية وممكنة. أقترح في هذه العجالة أداتين؛ أولاهما ضرورة تشكيل لجنة تنافسية عليا من هيئة الاستثمار، والإحصاءات العامة، وغرفتي الصناعة والتجارة، وخبراء اقتصاد، وخبير تميز حكومي واستشراف مستقبل. دور اللجنة محدد وواضح وهو وضع تقرير خلال شهر حول: ما هي نقاط ضعفنا التي يشير إليها تقرير التنافسية العالمية وتقرير سهولة البدء في الأعمال، ومن ثم وضع خطة للتغلب على تلك العقبات، وقد يعجب الجميع أن الأمر لا يحتاج إلى أكثر من أشهر معدودة لغايات البدء في تغيير المناخ الاستثماري، والتنافسية المحلية، وإن كان هناك بعض الإجراءات التي ستحتاج إلى أكثر من ذلك، ولكن معظم نقاط ضعفنا التنافسي، هي محلية وطنية داخلية، ولا تتعلق بالوضع الإقليمي أو المحلي أو الدولي. إن أردنا أن نكون جادين فعلينا أن نكون جريئين في اتخاذ مثل ذلك القرار، وأن نقرر أننا نريد أن نتحول إلى اقتصاد تنافسي فعلي، وليس اقتصادا مغلقا، يعيق حتى توسع صناعاته الوطنية التي نشأت فيه، وبدأت به، وتأسست على ترابه، ثم تراها تتوسع وتنشط في دول الجوار، وإن شئت هناك مصانع أردنية وصناعات أردنية بدأت بالأردن في الخمسينيات من القرن المنصرم، وبقيت على حالها، إلا أنها عادت وفتحت في دول الجوار وتوسعت هناك، بل وتضاعف إنتاجها بشكل لا مثيل له، وهي اليوم موجودة في مصر، والسعودية والإمارات، بل إن بعضها بدأ يتوسع في القارة الإفريقية. أما أداة التنفيذ التالية لتحفيز الاقتصاد للعام 2019، فهي ببساطة تتمثل في إعادة هيكلة ضريبة المبيعات؛ أي ضريبة القيمة المضافة بشكل كامل، وهي قضية تحتاج إلى إجراءات توسعية تبدأ خلال فترة لا تزيد على ثلاثة أشهر، وستؤدي إلى تحريك السوق بشكل آني، كما ستؤدي إلى مضاعفة حركة النقود في الدولة. المطلوب أن نكون جادين في تحريك عجلة الاقتصاد، وغير متخوفين من القرار، وأن نقرر أننا نعم نريد، ونعم نستطيع، ونعم سنعمل. ضريبة المبيعات هيكلها معيب منذ إنشائها، وقد كتبت الكثير حول الموضوع، ولكن بدون جدوى. ضريبة المبيعات تطبيقاتها العالمية تصاعدية، لا تساوي بين السلع أو الخدمات الخاضعة، ضريبة المبيعات ليست من المسلمات الأردنية، وليست اختراعاً أردنياً. يعجز الإنسان عن فهم التقاعس عن إعادة النظر فيها بشكل هيكلي، بدلاً من الاستمرار في اتخاذ قرارات آنية غير مدروسة، تتخذها حكومة وتغيرها أو تلغيها حكومة تالية. إن أردنا تحفيز الاقتصاد العام 2019 على الحكومة أن تكون جادة وأن تتخذ القرار الجريء بإعادة النظر بضريبة المبيعات، وأن تعيد النظر مرة أخرى بمعطيات هيكل الضريبة كافة في البلاد. وقد طالب بذلك جلالة الملك في كتاب تكليف الحكومة، وقناعتي بأن الحكومة قادرة على القيام بذلك بدون تأخير، وكل ما هو مطلوب أن نعطي الموضوع أولوية حقيقية، وأن نطلب، على الأقل، قيام فريق اقتصادي متمرس بتحقيق ذلك عبر دراسة وتوصيات عملية خلال أقل من ثلاثة أشهر، ثم اتخاذ القرار الجريء بذلك. وقناعتي الشخصية بأن ذلك سيريح الاقتصاد، وسيخفف العبء على الطبقة الوسطى والفقيرة، بل وسيؤدي إلى زيادة إيرادات الحكومة من الضريبة، وأخيراً والأهم سيحفز الاستثمار المحلي إلى التوسع، والاستثمار الخارجي على التفكير في الولوج إلى البلاد. كل عام وأنتم بخير، ولعل هذه الاجتهادات تفتح الباب لمزيد من التوقعات الإيجابية والاجتهادات الوطنية الداعمة لاقتصاد وطني أفضل العام 2019.اضافة اعلان