أما وقد أقر

الدستور يكرس الحق والقانون ويفصّل طريقة ممارسة ذلك الحق، العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بموجب المادة (19) منه أعطى الدول حق وضع ضوابط على حرية التعبير، ولكنها ضوابط في فلسفتها التشريعية تهدف لضمان ممارسة الحق ولا تهدف إلى مصادرته، وهذا التوجه التشريعي الدولي يتواءم مع المادة (128) من الدستور الأردني الذي نص صراحة على عدم جواز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب الدستور الأردني  لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها.

اضافة اعلان


بحلول تاريخ 12-9-2023 يدخل قانون الجرائم الالكترونية رقم 17 لسنة 2023 حيّز النفاذ، والفضاء العام متخم بالأسئلة حول نطاق التطبيق، وهذا المقال اجتهاد في الإجابة على  بعض القضايا الأكثر انتشارا بهذا الخصوص.


بنفاذ القانون الجديد أُلغيت المادة (11) من القانون السابق، وبالتالي أُلغي في اجتهادي الشخصي قرار الديوان الخاص بتفسير القوانين رقم 8 لسنة 2015 بانسحاب قانون الجرائم الكترونية على الصحافة والصحفيين في مجالات عملهم التي تتم من خلال المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، وإن صح هذا الاجتهاد - وأرجو أن يؤخذ به - فلا توقيف للصحفيين في نطاق قانون الجرائم الالكترونية، أما غير الصحفيين فندعو إلى التمسك بالأصل العام الذي أقرته المادة (114) من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة باعتبار التوقيف تدبيرا استثنائيا، واللجوء إلى بدائل التوقيف والعقوبات المجتمعيّة.


تحريك النيابة العامة للجرائم دون تقديم شكوى بموجب المادة (15) من القانون الجديد يكون للحالات المتعلقة بذم أو قدح مؤسسة عامة فقط وليس الموظف العام، ومفهوم هذه المادة موجود في قانون أصول المحاكمات الجزائية منذ عام 1961.


نقد مؤسسة رسمية أو غير رسمية والحديث عن تقصير أو فساد أو خطأ إداري أو مالي أو طبي أو سياسي أو اقتصادي والذي يخلو من ذم أو قدح، والموجه نحو إبداء الرأي في أمر أو عمل، والالتزام بعدم اختلاق الأخبار تجاه المؤسسات العامة يجعل النقد مباحا وغير مجرّم، وللتأكيد يُقبل الخطأ في الأخبار الصحفية، فالمجرّم هو الأخبار الكاذبة أي اختلاق الأخبار.


فن الكاريكاتير والأدب الساخر والناقد والمسرح الناقد الذي يتناول شؤون الحياة الاجتماعية والسياسية وحتى بمعرض السخرية التي لا تشكل ذما ولا قدحا شخصيا للمسؤول أو عائلته مباح.


الحديث في الرياضة وانتقاد أداء اللاعبين أو المدربين أو الإداريين على وسائل التواصل الاجتماعي مباح، أما إثارة النعرات في القانونين القديم والجديد مجرّم.
تصوير حفلة عرس أو جاهة دون موافقة - ولو ضمنية - كأن يشاهد المعني التصوير ولا يعترض عليه - فهو مجرم وخاصة إذا وقع في نطاق انتهاك لخصوصية أو قضايا شخصية.


الطلب من الحكومة أن تتحقق من قضية ما أو شبهة فساد أو ظلم أو قهر أو اضطهاد، يعتبر ممارسة لحق دستوري بموجب المادة (17) من الدستور، وهو فعل مباح، بل واجب قانوني بموجب قانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، وهنالك نظام لحماية الشهود.


الإعلام الاستقصائي الذي يتمتع بخصائص الحياد والموضوعية وينشر المعلومات بصورة دقيقة وموثقة مباح، وكما أشرنا سابقا فإنه لا يُشترط بموجب الاجتهادات القضائية أن تكون الوقائع المنشورة مطابقة للواقع بل يكفي تحري الدقة والموضوعية.


ومن ذاك أيضا الرأي في الشؤون الدينية ونقد أداء معين مباح ما لم يشكل جرماً مثل ازدراء الأديان.


التعليقات على الصفحة الشخصية أو الموقع الالكتروني من مسؤولية مالك الحساب أو المسؤول عن الإدارة الفعلية للحساب أو الموقع، وأنصح بوضع عبارة عامة تقول: آراء المعلقين لا تمثل بالضرورة صاحب هذه الصفحة! ورفع التعليق إذا طلبت الجهة المتضررة ذلك، وأعتقد أن القضاء سيتجه إلى تحميل المسؤولية للمالك أو المسؤول عن الصفحة (أو الحساب) إن تمسك هو بتعليق بشكل ضمني أو صريح، وهذا رهن بالتطبيق الذي تتابعه أكثر من جهة منها المركز الوطني لحقوق الإنسان.


باختصار كل نقد سياسي مباح ما لم يشكل ذما أو قدحا شخصيا، والضمان الأكبر في نظري هو أن القضاء هو من يطبق القانون والقضاء الأردني منحاز عموما لحرية التعبير، وكما أشار جلالة الملك مؤخراً أنه لن يقبل أن يوثر هذا القانون على حرية الأردنيين بالتعبير، والقانون غير محصن وأعتقد أنه سوف يعدل قريبا جنابك.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا