إنهاء دعم المياه يتطلب مراجعة سياسات التقشف

قرار الحكومة الأخير بالوقف التدريجي لدعم أسعار المياه، يأتي في سياق السياسات الاقتصادية التقشفية المستمرة منذ ما يقارب ثلاثة عقود ونصف العقد، التي تهدف في جانب منها إلى إنهاء دعم أسعار السلع الأساسية، وتوجيه الدعم إلى المستحقين.

اضافة اعلان


هذا القرار، يلقي الضوء على جدوى وفاعلية سياسة وقف الدعم عن أسعار السلع الأساسية والاستراتيجية مرة أخرى. حيث يمثل هذا النهج، الذي بدأ تطبيقه بشكل جدي في العام 1989، في إطار أول اتفاق بين الحكومة وصندوق النقد الدولي لإعادة الهيكلة الاقتصادية. وباعتباره أحد الركائز الأساسية التي تقوم عليها تدابير التقشف المالي بوصفها المدخل الأساسي لما يطلق عليه الصندوق "الإصلاح الاقتصادي".


وهنا لا بد من الإشارة، إلى أنه لا يوجد إجماع بين فلاسفة ومفكري الاقتصاد على المستوى العالمي حول جدوى وصحة وفاعلية سياسات التقشف المالي. إذ تستمر غالبية المدارس والأيديولوجيات الاقتصادية المختلفة في تأكيد التزام الدولة بدعم أسعار السلع الأساسية والاستراتيجية، باعتباره إجراء مهما لضمان الاستقرار الاقتصادي، وضمان مستويات المعيشة الكريمة للمواطنين، وتأمين حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.


ومن المفيد الإشارة، إلى أن هذه السياسات فرضت نفسها في عقد الثمانينيات تحت تأثير "الريغانية والتاتشرية" التي كانت تطالب بانسحاب الدولة من مسؤولياتها نحو المجتمع، وقد قام صندوق النقد الدولي، وهو من أبرز المؤيدين لهذا النهج، باتباع هذه السياسات على دول مختلفة، منها الأردن، ما أدى إلى تفاقم التحديات الاقتصادية والاجتماعية لمواطنيها، وأصبح يطلق عليها سياسات "اجماع واشنطن".


إلا أنه سرعان ما تم التراجع عن هذه التوجهات في غالبية دول العالم، فالعديد من البلدان، بما في ذلك القوة الاقتصادية الأولى في العالم، الولايات المتحدة، وهي أحد مراكز الدفاع عن النموذج الاقتصادي الرأسمالي القائم على اقتصاد السوق الحر، وإلى جانبها دول أوروبا الغربية، حيث تواصل الحكومات دعم السلع الأساسية، مع التركيز على أهمية تدخل الدولة في تأمين الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وهذا ملاحظ في الدعم الذي تقدمه هذه الحكومات للقطاع الزراعي النباتي والحيواني، وكذلك دعم أسعار النقل العام، وسلع الأطفال وغيرها.


وفي حالة الأردن، كان لإصرار صندوق النقد الدولي على وقف الدعم تأثيرا طويل الأمد على مدى أكثر من ثلاثة عقود، حيث أثر على السلع الأساسية للمواطنين العاديين والمقيمين معا. وكان الهدف المقصود هو الحفاظ على موارد الدولة، بهدف خفض عجز الموازنة العامة وضمان قدرة الدولة على سداد ديونها. وعلى النقيض من هذه الأهداف، كانت النتائج أقل من مُرضية، مع الارتفاع المستمر في عجز الموازنة والدين العام، أكان من حيث القيمة المطلقة أو كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.


وعلى أرض الواقع، أثبتت التجربة أن نتائج تطبيق هذه السياسة كانت ضارة وغير فعالة، على الرغم من رواية الحكومة عن النجاح الاقتصادي والاستقرار المفترضين، إذ إن المؤشرات الملموسة تحكي قصة مختلفة، حيث زيادة الفقر والبطالة والدين العام، ونمط مستمر من عجز الموازنة العامة، وتراجع المستويات المعيشية لغالبية المواطنين أدلة دامغة على عدم فاعلية هذه السياسات.


تبرير الحكومات المتعاقبة وخبراء صندوق النقد الدولي كان يقوم على أن الدعم يجب أن يوجه لمستحقيه وليس للسلعة ذاتها، لأن الأغنياء يستفيدون منه أكثر من دعم أسعار السلع. والواقع أثبت أن هذه المبررات كانت حججا مؤقتة لتمرير قرارات رفع الدعم فقط، إذ لم تستمر عمليات تقديم التعويضات للمتضررين كما تم الادعاء لأكثر من سنة، وهذا ما حدث لتعويضات دعم المشتقات النفطية والخبز والكهرباء.


وفي الختام، من المتوقع أن يؤدي القرار الأخير بإنهاء دعم المياه إلى زيادة الضغط على مستويات المعيشة للأغلبية الكبيرة من المواطنين، ومن شأنها أن تعمق التفاوت الاجتماعي أكثر فأكثر، خصوصا وأنه ليس لدى الحكومة أي خطط لزيادة دخل العاملين، حيث ما تزال سياسات الأجور المنخفضة قائمة. 

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا