الأردن أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف

في الخامس والعشرين من شهر يناير الحالي يمثل الأردن أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل “UPR” في مجلس حقوق الإنسان بجنيف لمراجعة سجله الحقوقي، بعد أن كانت آخر مراجعة له في شهر نوفمبر من عام 2018.

اضافة اعلان


آلية الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان تحظى باهتمام دولي، وهي سياق حقوقي لتحسين واقع حقوق الإنسان في العالم لا يخلو من أبعاد سياسية، ومع أن الآليات التعاقدية أكثر تأثيرا، فإن أنظار العالم، والدول تصب اهتمامها على النقاشات، والتوصيات في الاستعراض الدوري، وتحشد الحكومات، والمجتمع المدني جهودها للتحضير، والتعامل مع هذه التظاهرة الدولية.


قبل أشهر قليلة قدمت الحكومة الأردنية تقريرها الوطني لمجلس حقوق الإنسان، ورغم مطالبات التحالفات المدنية التشاور الحقيقي معها في إعداد التقرير، إلا أن الحكومة لم تفعل ذلك، واكتفت باجتماعات تشاورية، لم تأخد طابعا مؤسسيا، أو إلزاميا.


التقرير الوطني الذي قدمته الحكومة طويل جدا، ولم يختلف كثيرا عن تقرير عام 2018، فهو يعتمد على سرد الإنجازات، وأحيانا يتجاهل تقديم تفاصيل عن قضايا وضعها في العناوين الرئيسية، وكان الأجدى، كما أبلغنا مرجعيات مختلفة في الدولة، أن يُركز على التحديات التي واجهت الأردن في هذا الملف، وقصص النجاح، وما يحتاجه الأردن من مساعدة من دول العالم لتطوير واقعه الحقوقي.


لم يفت الأوان، ففي الخطاب الرسمي للأردن في جنيف خلال الجلسة الرسمية يمكن عرض الأمور بسياق مختلف، ونُعيد التأكيد على أهمية مشاركة المجتمع المدني في الفريق الوطني الذي يمثل البلاد، وأن يتم إعطاؤهم دورا في المداخلات، وحضورهم يكون أساسيا، وليس لتجميل الصورة.


بعد السابع من أكتوبر تواجه شعارات حقوق الإنسان اختبارا جديا، فقد سقطت الكثير من المفاهيم على أرض الواقع، وسقطت معها صدقية الكثير من الدول الغربية التي تبجحت بحقوق الإنسان لعقود ماضية، ثم أشاحت وجهها عن الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة.


الحقائق التي برزت بعد العدوان الإسرائيلي طرحت أسئلة على المجتمع المدني، وأولها؛ هل نتمسك بالآليات الدولية لحقوق الإنسان؟، هل يُعقل أن نطالب الأردن مثلا بتوفير كل متطلبات الحياة اللائقة للاجئين، والكيان الإسرائيلي يقوم بتهجير قسري للغزيين، والعالم صامت؟، هل يُعقل أن ندعو دول غربية خانت حقوق الإنسان، وطعنتها بمقتل أن تضغط على حكومتنا لتحسين سجلها الحقوقي؟


بكل صراحة أسئلة مُحرجة، وصعبة، ولكن التحالفات المدنية في أغلبها توافقت على قضايا جوهرية في مقدمتها، أن تقدم حالة حقوق الإنسان في بلادنا مصلحة وطنية، لا علاقة لها بمطالب غربية، ولهذا ستستمر مؤسسات المجتمع المدني في العمل من أجل تحسينها، والتعديل الأساسي في تحركها ربط ما يحدث في غزة بحالة حقوق الإنسان عالميا، فازدواجية المعايير، والانتقائية مرفوضة، وبالتالي توجيه البوصلة نحو العدوان، ومخاطر ما يجري على الأردن، والإقليم، وكذلك فإن خطة كسب التأييد لإفادات المجتمع المدني،  وتوصياته المقدمة من أشهر قبل الحرب، ستتجنب دول فقدت صدقيتها، وستركز على دول احترمت حقوق الإنسان في التطبيق كدولة جنوب أفريقيا، والأهم أن المجتمع المدني لن يدخل مكاسرة سياسية، أو حقوقية في جنيف مع الحكومة، فهذا ليس وقت الاشتباك، وإنما وقت توحيد الجهود لملاحقة الكيان الصهيوني على جرائم الإبادة، والحرب، والتهجير القسري.


يستعد وفد من التحالفات المدنية الأردنية للسفر إلى جنيف لحضور الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان، وبالتأكيد عليه أن يتشاور مع الوفد الوطني لتقديم أفضل صورة عن الأردن، وبناء تفاهمات لقبول أكبر عدد من التوصيات، وفي لقاءاته، وفي نشاطه الجانبي “Side Event” الذي سيعقده سيُضيء على التحديات، والتوصيات التي لا يمكن تجاهلها، مع التذكير أن العدوان على غزة سيكون مطروحا على الطاولة.


تخطط تحالفات أردنية بالتنسيق مع تحالفات عربية، ومؤسسات دولية لعقد ملتقى متخصص على هامش دورة الاستعراض الدوري يناقش التحديات التي تواجهها المنظومة الأممية، وحقوق الإنسان بعد العدوان الإسرائيلي، وما هو المطلوب لإنقاذها من الفشل، وحالة حقوق الإنسان واقعيا، وممارسة على مفترق طرق. 


في نهاية المطاف نتمنى أن تنجح الدولة الأردنية في هذا الاختبار، وأن تغتنم الفرصة للتنسيق مع المجتمع المدني، فالهدف هو تعزيز حالة حقوق الإنسان، وليس صداما، أو تصيدا للأخطاء.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا