التوجيهي الصناعي: إليكم هذه الملاحظات

لم أبالغ في مقالي السابق حين وصفت طلبة فروع الثانوية العامة من غير الفرعين الذهبيين (العلمي والأدبي) بأنهم "منسيون". فمنذ بدء امتحانات التوجيهي إلى اليوم الذي شارفت فيه على الانتهاء، لم نشهد أي حديث حول التحديات التي واجهت هؤلاء الطلبة في امتحاناتهم، رغم وجود شكاوى عديدة منهم إلا أن أحدا لم يلتفت إليها. وكي لا أكون متجنية على أي جهة، أو ممن يطلقون الأحكام جزافا دون التدقيق في حقائق الأمور، قمت بالتواصل مع عدد من طلبة هذه الفروع وأولياء أمورهم وأساتذتهم أيضا، للوقوف على ماهية المشكلات التي اعترت امتحاناتهم، والتي اتضح انها لا تقل أهمية ولا كما ولا نوعا عن تلك التي تضمنتها امتحانات الفرعين العلمي والأدبي والتي تحدثنا عنها مرارا. يجمع طلبة من الفرع الصناعي على أن امتحان الرياضيات الذي كان اول امتحاناتهم، تضمن سؤالين عن مواضيع من خارج المنهاج المحدد من قبل الوزارة للفرع الصناعي، حيث يدرس طلبة الفرعين العلمي والصناعي كتاب الرياضيات ذاته، لكن هناك مواضيع محددة من الكتاب لا يكون طلبة الصناعي مطالبين بدراستها ولا يتم اختبارهم بها. إضافة لذلك، يؤكد أساتذة رياضيات أن مستوى الأسئلة للصناعي كان في معظمه مرتفعا ولا يراعي المستويات المتفاوتة بين الطلبة، ولا يتناسب مع كون أسئلة الامتحان جميعها موضوعية، خصوصا أن هذا النمط يتم اعتماده للمرة الأولى لاسيما في ظل ظروف استثنائية أخضعت الطلبة لتعليم عن بعد رأوا فيه أنه غير مكافئ للتعليم المباشر، بالإضافة إلى أن الامتحان تضمن 25 سؤالا فقط، أي بمعدل 8 علامات للسؤال الواحد. يحيلنا ذلك للحديث مرة أخرى عن المعضلة الحقيقية التي تسببت بها الوزارة حين قررت فجأة اعتماد الأسئلة الموضوعية، في توقيت لا يحتمل أي تغييرات إضافية، مع علمنا جيدا بأن طلبتنا غير معتادين على هذا النمط، وبأن هذا النمط لا يتيح للطالب تحصيل أي جزء من العلامة مهما كان الجهد المبذول منه في محاولة التوصل للإجابة، ما لم يضع دائرة حول الإجابة الصحيحة. ويتيح لنا توزيع الأسئلة وعددها ومقدار علامة الامتحان الكلية التي تبلغ 200 درجة، أن نسأل عن سبب تحديد مدة امتحان الفرع الصناعي بساعة ونصف الساعة، بينما كانت مدة امتحان الرياضيات للفرعين العلمي والأدبي ساعتين رغم أن علامة هذا الامتحان للفروع الثلاثة نفسها. ومن واجبنا أيضا أن ننقل شكوى عدد من طلبة الفرع الصناعي حول عدم منحهم مدة إضافية على مدة الامتحان الأصلية أسوة بزملاء لهم تحصلوا على هذه الأفضلية، بسبب ورود التعميم قرب أو بعد انتهاء الوقت الأصلي للامتحان. هذا الخلل أدى إلى عدم تساوي الفرص بين جميع الطلبة، فمنهم من استفاد من هذا الوقت الإضافي ومنهم من لم يستفد. فما هو رد الوزارة على هذا الأمر بالذات؟ شكاوى الطلبة حول امتحان الرياضيات لم تكن الوحيدة، إذ يؤكد طلبة واساتذة أن امتحانات أخرى متعلقة بمواد التخصص تضمنت بعض الأخطاء أو الاشكاليات. امتحان علم الكهرباء مثلا تضمن خطأ في خيارات الإجابة عن أحد الأسئلة، وبينما قال بعض الطلبة إن المراقبين صححوا لهم الخطأ أثناء الامتحان، قال آخرون إنهم خرجوا منه دون أن يصححه لهم أحد. أما فيما يتعلق بامتحانات الرسم، وأتحدث تحديدا عن امتحان رسم الميكانيك، فقد أكد لي أحد أساتذة المادة المشاركين في لجان تصحيح الامتحانات أن معظم دفاتر إجابات الطلبة كانت شبه فارغة، أو تضمنت محاولات لإجابات لا علاقة لها بالأسئلة، خصوصا تلك المتعلقة بمادة الفصل الثاني والتي درسها الطلبة عن بعد. ويوضح المعلم أن دراسة مثل هذه المادة عن بعد غير ممكنة لحاجتها إلى إيصال مهارات معينة تستلزم التواصل المباشر بين الطالب والمعلم، وهو ما لم يكن متوفرا في ظل الأدوات التي كانت متاحة خلال فترة التعليم عن بعد. هذا جزء لا بأس به من ملاحظات عديدة تلقيتها على مدار اليومين الماضيين، وهي بلا شك ملاحظات تعبر عن اختلالات حقيقية تنتقص من كمال الامتحان أولا، ومن مفهومي المساواة والعدالة، وأيضا من مفهوم آخر يمكن أن نطلق عليه «كفاية الجهد المبذول». مثلما دائما سأختم مقالي بالتأكيد على أنني لا أهدف إلى كشف قصور وزارة التربية والتعليم وإنما أسعى إلى التأشير على الاختلالات التي تواجه امتحاننا الوطني الأهم الذي نفخر به. وكل ما أرجوه أن يتم وضع الملاحظات التي أوردها في نصابها، لكي لا نقع في الخلل وفي المحظور مرة أخرى.اضافة اعلان