العدالة في الميزان!

في مقالي السابق قلت إن السياسة الأردنية نجحت في تحميل المسؤولية القانونية والأخلاقية للنظام العالمي كله، ووضعه أمام خيارات محددة، فإما أن يفرض وجوده او تحل الكارثة على الجميع، والآن أسأل ماذا لو لم تتخذ محكمة العدل الدولية القرار المناسب بشأن حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الكيان الإسرائيلي على غزة، أو قبلت بضغوط معينة فقررت أنها ليست جهة اختصاص، أو غير ذلك مما طمحت إليه إسرائيل برد الدعوى التي تقدمت بها جمهورية جنوب إفريقيا، لو وقع شيء من ذلك لكانت نهاية لكل ما يرتبط بالشرعية الدولية والعدالة الإنسانية!

اضافة اعلان

 

عدم صدور قرار حاسم من قبل المحكمة بوقف الحرب لا ينقص أبدا من قيمة القرارات التي تلزم إسرائيل باتخاذ الإجراءات التي تحمي المدنيين وإدخال المساعدات من دون قيد أو شرط وغيرها من التدابير الواجبة التي لا يمكن أن تتحقق من دون وقف العمليات العسكرية، ولا بد هنا أن نأخذ في الاعتبار أمرين مهمين: أولهما أن المحكمة أصدرت قراراتها في مدة زمنية قصيرة في قضية بهذا الحجم من التعقيد، وثانيهما التوافق بين القضاة على اختلاف مشاربهم لتحقيق مبدأ الإجماع الكامل، ناقص القاضي الإسرائيلي بالطبع.


لقد كانت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين على حق حين وصفت في بيانها الترحيبي بقرار المحكمة الدولية بأنه قرار تاريخي، ليس للتعبير عن أهميته وحسب بل لأنه يضع إسرائيل لأول مرة أمام العدالة الدولية بعد أن مارست جرائم الإبادة الجماعية على مدى خمسة وسبعين عاما، دون حساب أو عقاب، فقد تصرفت وما تزال كما لو أنها استثناء في النظام العالي، ولا أدل على ذلك مما صدر عن رئيس وزرائها نتنياهو من تحقير للمحكمة، وهو يلصق بها العار، ويستنكر قراراتها، شأنه في ذلك شأن أعضاء مجلس حربه وحكومته.


ثم إن بيان الخارجية وفقا لتلك السياسة التي تقوم أساسا على التمسك بالشرعية الدولية المتمثلة بالأمم المتحدة ومجالسها وهيئاتها ومنظماتها واتفاقياتها قد بنى حجته على وجوب الالتزام باتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، مؤكدا على ضرورة تنفيذ تلك الإجراءات التدبيرية بشكل فوري لوقف قتل الأبرياء في غزة وتدمير كل مقومات الحياة فيها.


لقد ساند الأردن الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا على إسرائيل لدى محكمة العدل الدولية، ومن المؤكد أنه يساند كل الجهود المبذولة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وأهمها الآن دعوة الجزائر لانعقاده يوم الأربعاء المقبل، استنادا على قرار المحكمة، لأنه في الأصل يحمل المسؤولية للشرعية الدولية في الحفاظ على الأمن والسلام العالمي، ويراهن كذلك على أنها تواجه اختبارا حقيقيا في موضع الحالة الإسرائيلية، وفي وضع حد لشريعة الغاب، وعنجهية القوة أيا كان مصدرها.


يقف العالم اليوم عند منعطف خطير للغاية على إثر ما يجري في غزة والضفة الغربية من قتل ودمار وتشريد، وانتهاك صارخ لأبسط الحقوق الإنسانية، وهنا تكمن أهمية تبني الأردن مبدأ دفاع الشرعية الدولية عن نفسها، وفرض كلمته على الجميع، فهناك مصلحة للدول كلها، بما فيها الدول العظمى المسؤولة أكثر من غيرها على حفظ السلام العالمي، وقد تكون العدالة المتمثلة في أحد أركانها بالمحكمة الدولية، وقراراتها النافذة والملزمة هي المدخل الصحيح لتغيير مجرى الأحداث في هذه المنطقة وفي كل مكان!

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا