مفترق الطرقات

تستمر الحرب على غزة على النسق نفسه من الخراب والدمار والقتل والتشريد، والتي تجاوزت المائة يوم وزيادة، في غياب تأثير حاسم وفاعل لوقف تلك الحرب بالرغم من الضغوط بمستوياتها المختلفة على حكومة الحرب الإسرائيلية، مع تزايد وتيرة الاشتباك على الحدود الجنوبية للبنان، وفي البحر الأحمر، وغيرها من مناطق الاشتباك في سورية والعراق، وفي كل يوم نجد أنفسنا أمام الكثير من التطورات غير المفهومة، لا على مستوى التفاعلات الإقليمية والدولية، ولا على مستوى النتائج المحتملة لهذا الصراع المتعدد الأطراف.

اضافة اعلان


يبدو أن هذا الصراع على وشك أن يخلق عناوين جديدة ومختلفة عن تلك العناوين التي ألفناها حول خلفيات وطبيعة وجود الكيان الصهيوني في فلسطين، منذ العام 1948، وعلاقته بالمعسكر الغربي، وبالتوازنات الإقليمية، خاصة بعد ما رأيناه من إسناد سياسي وعسكري فوري ومباشر لرد فعله على هجوم السابع من أكتوبر، والإعلان الصريح عن الخلفيات الصهيونية واليهودية باعتبارها دافعا قويا لنصرة إسرائيل - مثلما ورد على لسان الرئيس الأميركي جو بايدن، ووزير خارجيته انتوني بلينكن- وإطلاق يدها لارتكاب أبشع الجرائم التي شهدها عالمنا المعاصر!


لو كانت حربا دينية، فكيف نفهم ونفسر هذا الطوفان من ردود الأفعال والمظاهرات المنددة بالجرائم الإسرائيلية في أنحاء العالم من مسيحيين ويهود وبوذيين وهندوس، ومن شتى الأمم والشعوب، والطوائف والمذاهب، إن هؤلاء جميعا يرفضون الظلم والعدوان، وينتصرون للضحايا من المدنيين العزل، ويطالبون بوقف حرب الإبادة، ومعاقبة مجرمي الحرب، إنهم في الحقيقة يقفون إلى جانب الخير في مواجهة الشر، وإلى جانب الحق في مواجهة الباطل فهل نعيد نحن تعريفنا للمجتمع الدولي بمعزل عن تلك الخلفيات التقليدية التي حاصرتنا فترة طويلة من الزمن؟!


اليوم نشهد انشقاقات حقيقية في المجتمعين السياسي والعسكري، وحتى الشعبي في إسرائيل وخلافات ظاهرة وباطنة بين إسرائيل وحلفائها التقليديين، ونرصد في المقابل تحولات على مستوى الشرعية الدولية في الأمم المتحدة، ومنظماتها المختلفة، ونتابع مجريات محكمة العدل الدولية، والدعاوي المعدة لعرضها على المحكمة الجنائية الدولية، فإن لم تكن تلك صحوة ضمير، أو استعادة لهيبة القوانين الدولية فماذا تكون؟!


يصعب في هذه المرحلة أن نستطلع المستقبل القريب لنرى نهاية واضحة لهذا الصراع الذي جعل من غزة مفترقا للطرقات القريبة والبعيدة، ولكن بإمكاننا أن نفهم ونثق بالموقف الذي اتخذه بلدنا الأردن من أول الطريق، حين فند كل العناوين التي حاول اليمين الإسرائيلي بزعامة نتنياهو فرضه على الجميع، وحين أصر جلالة الملك على حل الدولتين لإنهاء الاحتلال العنصري الاستيطاني، ووضع حد لمعاناة الشعب الفلسطيني، وإحلال السلام والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، ذلك العنوان الذي يتصدرالآن كل العناوين بعد أن كان ضربا من الخيال، ذلك أنه بالنسبة لقادة إسرائيل نهاية أكيدة لمشروعها التوسعي، وأحلامها المريضة.


نجحت السياسية الأردنية، في إحباط العنوان الذي حاول نتنياهو فرضه بأنه يخوض حرب (الدفاع عن النفس) مثلما أحبط عنوان (الفسلطينيون إرهابيون) وغيرها من العناوين التي تؤجج الصراعات الدينية، ونجحت كذلك في تحميل المسؤولية القانونية والأخلاقية للنظام العالمي كله، ووضعه أمام خيارات محددة، إما أن يفرض وجوده أو تحل الكارثة على الجميع!


الكل يقف عند مفترق الطرقات، لكننا في الأردن نعرف طريقنا ونواصله بتعزيز مسيرتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتطوير مؤسساتنا الوطنية، وتعميق عناصر وقواعد أمننا واستقرارنا، وقوة موقفنا من القضايا الإقليمية والدولية، ونحن من هذه الناحية الأكثر قربا وتأثيرا في التعبير عن عدالة القضية الفلسطينية باعتبارها مظلمة القرن التي تختبر في هذه الأيام العدالة الإنسانية كلها. 

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا