توظيف خزانات الأفكار الأردنية

مالك العثامنة سبقني الدكتور محمد المومني هنا على منبر مقالات الغد، بطرح فكرة مهمة حول مراكز الدراسات والأبحاث التي بدأت تنشط في الأردن. ويمكن القول إن ثلاثة منها “غير مركز دراسات الجامعة الأردنية وهو الأكثر عراقة” يعمل بنشاط ملحوظ في ميدان جلسات الحوار “المفتوحة منها والمغلقة”. وللتوضيح فالجلسة المفتوحة هي التي يمكن النشر عنها ومنها، أما المغلقة فيلتزم الحاضرون بقواعد صارمة في عدم النشر عنها أو توظيف ما يقوله المتحدثون فيها كتصريحات معلنة ومسؤولة. مراكز الدراسات “النشطة منها طبعا” لها وظائف وأعمال غير تلك الجلسات وطبعا ليست محصورة بالدراسات والأبحاث، فهي فعلا يمكن أن تكون “خزانات أفكار” كما تمت تسميتها بالإنجليزية ( Think Tanks). أن تكون مؤسسة ما “خزانا للأفكار” فهذا يعني حركة ديناميكية مستمرة في تلقي الدفق المعلوماتي كخطوة أولى، وإخراجه كملفات معرفية جاهزة للهضم الفكري وربما الاستخدام الإداري او السياسي كخطوة ثالثة. الخطوة الثانية بين الخطوتين هي أساس عمل المركز وتتعلق بكيفية ومنهجية معالجة المدخلات بشكلها الخام، لتنتهي توصيات او دراسات وأبحاث أو تقارير أو أي صيغة مستحدثة في عالم ثورة معرفية ما يزال ينتج صيغا جديدة هدفها المتلقي ( والمتلقي هنا أفراد أو مؤسسات وأيضا حكومات وصناع قرار). مراكز الدراسات هي التجلي المؤسسي لخزانات الأفكار، فهناك تجليات مؤقتة تأتي على شكل لجان أو اجتماعات شبه منظمة لمجموعة تفكير تحاول الخروج بحلول، ومثال ذلك ( لا حصرا لكن توضيحا)، اللجنة الملكية للإصلاح السياسي التي كانت خزان أفكار تم توقيته على مهمة واحدة وضمن جدول زمني محدد، المهمة انتهت بوضع الأفكار واللجنة انحلت بالضرورة بعد انتهاء مدتها الزمنية. شاركت مؤخرا في اجتماعات وجلسات لعدة مراكز دراسات في الأردن، ( مع خبرة متواضعة في مشاركات سابقة في مراكز دراسات في أوروبا) ولا أخفي أني تعلمت الكثير وأدهشني هذا الكم “النوعي” من الذوات القادرين على الاجتهاد الفكري المؤسس على قراءة وافية للموضوع قيد البحث أو النقاش، وبتنوع مذهل ومتعدد الرؤى والتوجهات، والتي لا يمكن أن يدعي أحد احتكار “الحقائق” فيها، وهنا تظهر بعض المحبطات في مشاركين ربما ما يزالوا في طور التعلم ” وأتمنى ذلك” يحضرون الجلسات لفرض رؤيتهم المسبقة والراسخة لديهم كيقين لا يحتمل الجدل ولا الاعتراض. لا يكفي أن يحمل المرء لقبا علميا عالي المستوى في عالم الأكاديميا ليكون “بحر علوم زمانه وفريد عصره” مثلما هي القاعدة الدستويفسكية “لا يكفي ان يكون المرء ذكيا ليتصرف بذكاء”، وفي جلسات كثيرة كنت أتعلم فيها ومنها مما أسمع من ذوات قادرة على تفكيك الحالات وإعادة بنائها من جديد بهندسة فكرية رشيقة كنت أشعر بالضيق من مشاركين جاءوا للاستعراض البلاغي وعرض العضلات الذهنية كأننا في مسابقة تحديات تنتهي بكأس الإشادات. لكن في المحصلة، هي تجربة مهمة تكاد تكتمل ” إن صح لي الاعتقاد بذلك” في الأردن، وخزانات الأفكار هذه هي مخزون استراتيجي حيوي لصانع القرار ومؤسسات الدولة المختلفة المعنية بمواضيع النقاش. وكفكرة يمكن طرحها على صيغة تساؤل: لماذا لا يتم إضافة الجلسات التي تهم صانع القرار الأردني بعد خروج توصياتها ومخرجاتها إليه، إلى قائمة جلسات لقاءات الملك بالنخب الفكرية ضمن آلية موضوعية تناسب تلك الجلسات مع الملك؟ آخر جلسة حوار مع الملك كانت مع نخبة محترمة من أساتذة العلوم السياسية، وكما سمعنا من بعضهم فإن الملك كان مرتاحا بالحديث ومنفتحا في سرد المعلومات ولديه رغبة في أفكار جديدة. ربما تكون خزانات الأفكار تمرينا مهما وأكثر فاعلية للدولة بكاملها كنموذج لتقديم الجديد دوما. المقال السابق للكاتب نفخ الروح في القوانيناضافة اعلان