جلسات مغلقة بابها مفتوح

مالك العثامنة .. وفي الحديث عن جلسات الحوار، فقد حظيت أثناء زيارة عمان الأخيرة بحضور جلسات حوار دعيت إليها "ممتنا وشاكرا" نظمتها مراكز دراسات محترمة وعلى رأسها مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية، والذي أعتبره عقل الدولة "والدولة هنا ليست الحكومات ولا مؤسسات رسمية، بل الكيان الذي يجمع الأردنيين جميعا". تلك الجلسات كانت بين نوعين: مفتوحة أو مغلقة. المفتوحة كان فيها ما تعلمت منه الكثير، أما المغلقة فكان في معظمها ما أدهشني من سقوف حوار مرتفعة جدا وصريحة إلى حد المكاشفة، لكنها "وبحكم طبيعتها" مغلقة وخاضعة لقواعد عدم النشر. لست بصدد الحديث عن جلسات الحوار "المفتوح منها والمغلق" ويكفي أن أقول إنها مفيدة ومهمة وتلك الفائدة والأهمية تعتمد دوما على المتحدث الرئيس في الجلسة ونوعية المدعوين إليها. لكن، سأتحدث عن جلستين "متتابعتين" تم دعوتي إليهما كان المتحدث فيهما السيد أيمن الصفدي، وزير الخارجية، وطبعا كان التنويه المسبق بأن الجلسات مع الوزير الذي يحمل ملف سياسة الأردن الخارجية ستكون مغلقة طبعا. والحال كذلك، فإن المرء يتوقع مكاشفة مختلفة عما تورده الصحافة بل وأبعد مما يمكن أن يحصل عليه الصحفيون من مصادرهم المتعددة "والمطلعة" طبعا. لبّيت الدعوة الأولى متوقعا تلك المكاشفات من رجل هو في الأصل صحفي معتق ومحترف، وصار وزيرا للخارجية فاعلا ونشيطا ومكوكيا لا يهدأ، وفي مرحلة تحمل الكثير من التغيرات والمتغيرات اليومية في سياق تحولات دولية وإقليمية يجد الأردن نفسه في عين عواصفها أحيانا. للأسف.. خاب ظني كثيرا بتلك الجلسة مع الوزير المحترم، فكل مكاشفاته لم تتجاوز المعلومات فيها أبعد مما هو متاح ومنشور في مواقع عربية وأجنبية.(وكان هذا سببا كافيا عندي لأعتذر "ممتنا" عن حضور دعوة ثانية مع الوزير). أدرك محاذير "المكاشفات" التي يمكن أن يغامر بها شخص بحجم وزير خارجية، لكن المتوقع في جلسة مغلقة هو تلك المكاشفات تحديدا، وليس طرح رسائل "ملغزة" على الطاولة والهروب من أسئلة مباشرة من بعض الحضور بأجوبة دبلوماسية تصلح لمؤتمر صحفي عام وعلني. ويمكن تفهم "القلق" عند من يحمل مسؤولية المعلومة أمام جمع لا يعرف عنه الكثير، مما يضع مسؤولية على مراكز الدراسات التي تدعو للجلسات في اختيار موثوقي الاحترافية والمهنية في عملهم. عموما، ملف السياسة الخارجية الأردنية دوما يلفه الغموض، وهو غموض يخلق الالتباسات في زمن يمكن الحصول فيه على المعلومة كما أنه أيضا زمن يمكن فيه تلقف التضليل الإعلامي على شكل إشاعات وأخبار مزيفة تخلق بلبلة أكثر مما توضح الملتبس. ما هي الحاجة إلى ناطق رسمي باسم الوزارة لا يقدم معلومة؟ وهل من حق الصحفي الأردني أن يعرف أكثر في ملفات السياسة الخارجية ليعالج المعلومات بحرفية ومهنية يقدمها للقارئ "الأردني تحديدا"؟ هل نوضح أكثر؟ ما هو موقفنا الحقيقي والصريح والواضح من التغيرات الإقليمية؟ هل لدينا تواصل "ما" مع إيران؟ هل لدينا خطة بديلة في الأخطار القادمة من غرب النهر مع حكومة فاشية تستهدف الأردن بلا مواربة، وسلطة منتهية الصلاحية نعلن رهاننا عليها ولا نعرف كم يمكن أن تستمر برموزها السياسية؟ ليس المطلوب تصريحات "مقلقة" أو تثير القلق، لكن بعض المكاشفات ضرورة، والضرورة الأكبر إعادة تأهيل الإعلام الأردني للدولة "بمعناها الواسع لا الضيق" ليكون رديفا للسياسة، بدلا من حاله البائس الراهن المحشور بين تكهنات "التحليل الأعمى" والاختراق المعلوماتي المقلق. المقال السابق للكاتب اضافة اعلان

إنتاج جديد لا إعادة تدوير من جديد