ضحايا استبداد "حق النقض- (2)..!

يُفترض، قانونًا، أن تكون قرارات مجلس الأمن ملزمة لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

 

وهذا يعني أن الدول الأعضاء مطالبة بالامتثال للقرارات والالتزامات المنصوص عليها في القرارات. وإذا لم تمتثل، هناك آليات لتنفيذ هذه القرارات تبعًا لطبيعة القرار والظروف المحيطة بالقضية المطروحة. وبالنسبة للقضية الفلسطينية، هناك عدد من القرارات المهمة التي اتخذها مجلس الأمن لصالح الفلسطينيين ومرت من دون "فيتو" من الولايات المتحدة. ولكن، لم يتم يتم تفعيل أي آليات لفرض تنفيذها. ومن هذه الآليات:

اضافة اعلان


أولاً: الضغط الدبلوماسي، حيث يتخذ مجلس الأمن في كثير من الأحيان إجراءات للضغط على الدولة المعنية، والتي قد تشمل إصدار البيانات أو الإدانات أو الدعوات لتنشيط الحوار بهدف حل النزاعات سلميًا. لكن عشرات مشاريع قرارات الإدانة بحق الكيان الصهيوني لم تصدر بسبب "فيتو" أميركا وحلفائها. كما لم يضطلع "المجلس" بأي أدوار تتعلق بإدارة حوارات أو مفاوضات بإشرافه لحل القضية الفلسطينية.


ثانيًا: العقوبات الاقتصادية: عندما تفشل الجهود الدبلوماسية –التي لم تُبذل حقًا في حالة فلسطين- في تحقيق نتائج، يمكن أن يفرض مجلس الأمن عقوبات اقتصادية على الدولة المخالفة. ويمكن أن تستهدف هذه العقوبات أفرادًا أو كيانات أو قطاعات من اقتصاد هذه الدولة، تكون مصممة للضغط على حكومتها لتغيير سلوكها.


ثالثًا: عمليات حفظ السلام، حيث يجوز لمجلس الأمن في الحالات التي تهدد السلم والأمن الدوليين أن يأذن بنشر قوات حفظ سلام لفرض السلام أو استعادته. وتعمل هذه القوات بموجب تفويض من مجلس الأمن وتكون مكلفة بتنفيذ قراراته على الأرض. ويندر أن تكون هناك حالات تهدد الأمن والسلم العالميين أكثر من الاضطرابات والحروب المستمرة بسبب وجود الكيان الصهيوني في الإقليم. وليس هناك شعب أكثر حاجة للحماية من جرائم الحرب والإبادة والقمع الوحشي أكثر من الفلسطينيين. لكن أي اقتراح لإرسال قوات حفظ سلام لحماية الفلسطينيين، بالرغم من مطالباتهم المتكررة بذلك، لا يُطرح من الأساس ومن المؤكد أن تستخدم أميركا وحلفاؤها "الفيتو" ضده.


رابعًا: في الحالات القصوى، لدى مجلس الأمن سلطة التفويض باستخدام القوة لمواجهة التهديدات التي يتعرض لها السلام والأمن الدوليان. ويتضمن الإجراء عادةً نشر قوات عسكرية لفرض قرارات المجلس واستعادة الاستقرار في مناطق النزاع.

 

ولكن، مع أن المجلس أصدر قرارات تصنف الكيان الصهيوني كقوة احتلال غير مشروع، ومع أن وجود الكيان يتسبب منذ عقود في صراعات إقليمية تضمنت إشراك دول وكيانات من الإقليم وخارجه بطريقة تهدد الأمن والسلم بوضوح، لم يصدر قرار بإجازة استخدام القوة لإخراج الاحتلال من الأراضي الفلسطينية أو العربية المحتلة. والآن، بينما تطالب كل دول العالم تقريبًا بوقف إطلاق النار في غزة، الذي يهدد باتساع رقعة الحرب بطريقة غير منضبطة، يقف مجلس الأمن عاجزا عن تفعيل أي آليات للضغط من أجل وقف الحرب.


باختصار، لم يتم تنفيذ أي قرارات من مجلس الأمن تتعلق بالقضية الفلسطينية لعدة أسباب:


أولًا، تم تسييس الصراع في فلسطين إلى حد كبير، مع دعم قوي للمشروع الاستعماري الصهيوني من الأعضاء ذوي النفوذ في "المجتمع الدولي"، وخاصة الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، دائمًا ما تواجَه الجهود الرامية إلى صدور، أو فرض تنفيذ، قرارات في المجلس تدين الكيان بالمقاومة والعرقلة. وهناك دائمًا "حق النقض" لحماية الكيان وتمكينه من ممارسة جرائمه وإدامة احتلاله ومنع اتخاذ أي إجراء ضده.


ثانيًا: على الرغم من العدالة الواضحة للقضية الفلسطينية، حال الانحياز غير الأخلاقي والمخالف للقانون الدولي للدول النافذة دون تحقيق إجماع داخل مجلس الأمن بشأن القضايا المتعلقة بهذه القضية، بسبب تباين المصالح والأولويات بين الدول دائمة العضوية. وأدى ذلك إلى عرقلة الجهود المبذولة لإصدار الإدانات وتنفيذ القرارات ومحاسبة الأطراف على مخالفاتها بأي من الآليات المذكورة أعلاه.


ثالثًا، دائمًا ما تكون آليات الإنفاذ المتاحة لمجلس الأمن -العقوبات الاقتصادية وعمليات حفظ السلام، واستخدام القوة- مشروطة بإرادة القوى النافذة. وتستطيع هذه الدول –وخاصة الولايات المتحدة، والكيان بالتبعية- أن تتصرف خارج نطاق مجلس الأمن والأمم المتحدة والقانون الدولي، وأن تضرب بعرض الحائط الالتزامات والاعتراضات بمنطق المروق والعربدة، وأن تشكل تحالفاتها الخاصة لتنفيذ عملياتها غير القانونية خارج نطاق القانون. وفي الوقت نفسه، تحاسب أي جهات أخرى تحاول التصرف وفقا لمصالحها، حيث تصبح صلاحيات مجلس الأمن فجأة فاعلة وإلزامية ومرفقة بالإجراءات. وفي مسألة إدانة روسيا في المجلس وتفعيل آليات العقاب مثال حديث. وكان الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا، قد أشار إلى هذه الازدواجية، فقال: "ذهبت أميركا إلى العراق من دون مناقشة في مجلس الأمن. وقامت وفرنسا وإنجلترا بغزو ليبيا من دون المرور عبر مجلس الأمن. باختصار، دول مجلس الأمن هي التي تشن الحرب، ودول مجلس الأمن هي التي تنتج الأسلحة وتبيعها. وهذا خطأ".


الآن، فضحت فظائع الكيان الصهيوني في غزة العجز المطبق للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وأظهرت كيف أنهما مُلكية خاصة للدول دائمة العضوية، حيث يستطيع عضو واحد مجابهة كل بقية العالم وفرض استمرار جريمة لا تقل عن الإبادة الجماعية تحت أنظار الجميع. وقد انتقد الأمين العام للأمم المتحدة نفسه فشل مجلس الأمن في وقف الهجوم الوحشي على غزة، وقال أن "افتقار المجلس إلى الوحدة بشأن (...) العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة (...) قوض سلطته بشدة، وربما بشكل قاتل". وأضاف: "المجلس يحتاج إلى إصلاح جدي لتركيبته وأساليب عمله".


كما جدد الرئيس البرازيلي نقده للتعامل مع الحدث الكبير في غزة وفشل مجلس الأمن. وقال: "ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، ليس حربًا، بل إبادة جماعية". وأضاف أن مجلس الأمن لا يمثل أي شيء في الوقت الراهن، ولا يستطيع اتخاذ أي قرار من أجل السلام". وأشار إلى ضرورة بذل الجهود لإجراء إصلاحات في مجلس الأمن، واتهم الدول التي تملك حق النقض بـ"عدم التصرف بديمقراطية". وقال: "اليوم هناك نفاق كبير حول العالم".


كنتُ لأقترح انسحاب الدول العربية ودول الجنوب كلها من الأمم المتحدة وتركها لأصحابها الذين حولوها إلى دكان شخصي، وتأسيس كيان جامع وعادل بديل لمعالجة مشكلات هذه المناطق. لكن هذه الجهات اعتادت على الوصاية ولا تعرف كيف تتجمع وتتصرف وحدها. وإلى أن تنجح القوى العالمية الناشئة المهمة في إنهاء الُملكية الخاصة لمجلس الأمن، سيسقط المزيد من الضحايا وتُظلم الكثير من الشعوب بسبب استبداد "الفيتو".

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا