ضحايا استبداد "حق النقض- (1)..!

في حالة الهيئات الدولية الحالية التي يفترض أنها حكومة العالم، تشكل العضوية في كثير من الأحيان مصادقة على الظلم أكثر من كونها سببًا للمشاركة في الحكم.

اضافة اعلان

 

ويشبه نظام الأمم المتحدة إلى حد كبير الدولة الاستبدادية، حيث الجميع مواطنون و "أعضاء" في الدولة، لكن الحاكم المستبد هو الذي يقرر نيابة عن الجميع، ويتخذ الإجراءات ويعلن المواقف بما قد يخالف تماما رغبتهم وإرادتهم الجمعية. والصورة مألوفة كثيرا للكثير من مواطني دول العالم.


حكومة العالم، نظريًا، هي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وقد تم تصميم المجلس، الذي أُنشئ في أعقاب الحرب العالمية الثانية، «للحفاظ على السلام والأمن الدوليين».

 

ولكن، مثل أي حكومة أوتوقراطية، منحت الدول المؤسسة لنفسها الاستثناء المعتاد الذي يمنحه لنفسه الحاكم المستبد: حق النقض الممنوح لأعضائها الخمسة الدائمين - الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة. وغالبا ما أدى هذا «الحق» إلى عرقلة العدالة وزعزعة استقرار الاستقرار العالمي.


في الأساس، كان الهدف من حق النقض الممنوح للأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن هو منع أي دولة من الهيمنة بمفردها على الشؤون الدولية، وضمان أن يكون للقوى الكبرى مصلحة في قرارات الأمم المتحدة.

 

وينطوي هذا التعريف على مغالطته الواضحة، حيث تسيء كل واحدة من الدول الخمس استخدام هذه السلطة بشكل منفرد لحماية مصالحها -وهي وصفة مثالية لشل الهيئة الدولية وكف يدها عن معالجة القضايا العالمية الحرجة. وفي غالب الأحيان، يؤدي استخدام دولة واحدة حق النقض ضد قرار إلى تقويض المبادئ الديمقراطية المزعومة للأمم المتحدة وتتيح حماية المصالح الضيقة على حساب العدالة وحقوق الإنسان العالمية.‏


‏بطبيعة الحال، لم يكن هذا الخلل البنيوي غائبا عن دول العالم التي تؤثر استخدامات «الفيتو» على مصائرها أحيانا. وقد بُذلت جهود عديدة لإصلاح مجلس الأمن بهدف معالجة مسألة حق النقض وتحسين فعاليته. وشملت المقترحات زيادة عدد الأعضاء الدائمين، أو إلغاء حق النقض تماما، أو إدخال نظام «حق النقض المزدوج»، حيث يجب أن يوافق عضوان دائمان أو أكثر على استخدام «الفيتو» ضد أي قرار حتى يسقط. لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، بسبب مقاومة الأعضاء الدائمين أنفسهم، الذين لا يقبلون بالتخلي عن امتيازهم الثمين.‏


بالنسبة لنا نحن العرب، غالبًا ما تعمل دولنا في مجلس الأمن، مع غيرها من دول الجنوب، كمحقق للنصاب من دون فعالية. وكما حدث كثيرًا ويحدث الآن، يحبط «حق الفيتو» كل مشاريع القرارات التي تقدمها هذه الدول بشأن المذبحة في غزة.

 

وتتمكن الولايات المتحدة وحدها، ضد رؤية ورغبة بقية العالم كله حرفيًا، من تمكين جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان في فلسطين، كفصل من سياق استعماري حمته الولايات المتحدة طوال عقود.


منذ العام 1972، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد أكثر من 40 قرارا ينتقد إسرائيل، مما حال عمليا دون اتخاذ مجلس الأمن أي إجراء ذي معنى لمعالجة مظالم الشعب الفلسطيني وإنهاء محنته. وقد شملت هذه القرارات إدانة للمستوطنات الاستعمارية غير القانونية، واستخدام الكيان القوة المفرطة ضد المدنيين، وانتهاكاته الدائمة للقانون الدولي.‏


ولم يقتصر الأمر على إحباط مشاريع القرارات التي تدين الكيان. لقد عجزت الأمم المتحدة أيضا عن تنفيذ القرارات التي مرت في مجلس الأمن. ‏ومن بين هذه القرارات، القرار رقم 194، الذي صدر في العام 1948، ودعا إلى حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين شردهم إنشاء دولة الكيان. وكذلك حال القرار 242، الذي صدر في العام 1967، ودعا إلى انسحاب قوات الكيان من الأراضي التي احتلتها خلال حرب 1967. وعلى الرغم من الإجماع الدولي الساحق على دعم هذه القرارات، فإنها لم تنفذ على الإطلاق بسبب دعم الولايات المتحدة الثابت لكيان الاحتلال واستخدامها حق النقض لحمايته من المساءلة.‏


‏الآن، أظهر استمرار الإبادة الجماعية التي ينفذها الكيان الصهيوني في غزة مرة أخرى فشل «مجلس الأمن» في اتخاذ قرار يفصل بين الحياة والموت لملايين الفلسطينيين. وعلى الرغم من الإدانة واسعة النطاق من المجتمع الدولي، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض مرارا لعرقلة القرارات التي تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار وحماية المدنيين الفلسطينيين. كما أجهضت سلفا طرح قرارات عديدة للتصويت بإعلان عزمها نقضها.


كان ما فعلته الولايات المتحدة عمليا هو تمكين الإبادة، وإطالة أمد معاناة الشعب الفلسطيني، وتقويض أي مصداقية ربما تكون قد تبقت للأمم المتحدة في معالجة الصراعات في العالم وحماية حياة الإنسان وحقوقه.‏ وهذه –برغم الكارثة في غزة- إحدى بركات التحرك الثوري الفلسطيني ضد الاستعمار، والتي ربما تركز النقاش –وربما تساعد إحداث ثورة عالمية لتقويض استبداد أصحاب «الفيتو» بمصائر الشعوب وتقويض تطلعاتها –بل وتسهيل إبادتها كما يحدث الآن في فلسطين.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا