ضخ السيولة من البنوك

يوسف محمد ضمرة بموجب إعلان جمعية البنوك عن مبادرة الجهاز المصرفي تأجيل أقساط القروض التي قدر أثرها المالي بنحو 250 مليون دينار وللمرة الثالثة هذا العام، والسادسة منذ بداية جائحة كورونا العام 2020، سيتاح للمقترضين توجيه تلك الأقساط التي كانت ستستحق لاحتياجات ضرورية وسداد التزامات أخرى أو إنفاقها لتغطية مصاريف الشتاء. وسيكون لتوجيه هذه الأموال نحو الدورة الاقتصادية الاستهلاكية تأثير واضح من حيث توفير السيولة النقدية في السوق، وتحريك تجارة المفرق، وتخفيف الضغط عن الأسر، خصوصا من الطبقة المتوسطة والعاملة. البعض يرد ويقول إنها ستتأجل لنهاية عمر القروض، وهو صحيح، فهنا يجب أن نعلم أن البنوك مصادر أموالها وآلية عملها الرئيسية تتأتى من أموال المودعين وهم من يمتلكون أرصدة ويتقاضون عليها أرباحا يعتاشون منها، فهي في نهاية المطاف ليست جمعيات خيرية، وهي من أعمدة الاقتصاد الوطني، وسلامتها جزء من الأمن الاقتصادي. الأثر إيجابي لا يمكن إنكاره، ولا يجب أن يتم الاستهانة أو التقليل من فوائد هذه المبادرة، ذلك أن ضخ نحو ربع مليار دينار في دورة الاقتصاد اليومية حسب وضع كل مقترض وبمقدار اقتطاع البنوك جراء قرض شخصي أو سكني هو خطوة الكل فيها رابح، خصوصا في هذه الظروف العصيبة التي يمر بها بلدنا، وحالة الإحباط العامة التي نلمسها كلما تحدثنا مع قريب أو غريب. فالجانب النفسي-الاجتماعي في غاية الأهمية، فكم من والد يعتريه الهم لأن الفصل الثاني من الدراسة الجامعية على الأبواب ولا يستطيع تأمين القسط لولده أو ابنته، وكم من أسرة عاجزة عن تسديد فواتير لخدمات حيوية، أو تأمين الدفء في برد الشتاء. وليست البنوك ملزمة بمثل هذا الإجراء، ذلك أن المقترض استخدم تلك الأموال المقترضة لأجل الغاية التي تحددت في العقد المبرم بين الطرفين وفقا لأفضل الممارسات، وهو ملتزم بالدفع في جميع الظروف، لأن الأرقام لا تعترف إلا بالأرقام ولا تراعي الظروف مهما صعبت، إلا إن تدخل قادة القطاع المصرفي من باب الواجب الوطني الإنساني. وقد يكون البديل على من ضاقت به الظروف من المقترضين الاستدانة من مؤسسات تعمل على الهامش بفوائد مرتفعة جدا، أو يعيد جدولة ديونه للبنك ويتحمل ما يترتب على ذلك من زيادة فوائد وإطالة عمر القرض لأشهر أو أكثر. وهنا يجب أن نعي تماما أن الطرف الثاني من البنوك هم المساهمون الذين وضعوا أموالهم لقاء تملك حصص في هذا القطاع الذي يدار بكفاءة عالية من الإدارة التنفيذية المشرفة عليه، ومراقب بشكل حصيف من بيت الخبرة البنك المركزي الأردني، وبالتالي من حق هؤلاء المساهمين الحصول في نهاية السنة المالية على عوائد من تلك الأرباح، وإلا ما فائدة توظيف أموالهم فيه. الجهاز المصرفي هو الأكثر توريدا للإيرادات لخزينة الدولة على مدار عقود، وقد أعلن مدير إدارة ضريبة الدخل والمبيعات أنه لا يوجد أي قضايا عالقة بين الدائرة والبنوك على التوريدات، مما يعكس الانضباط المالي وأفضل الممارسات التي تنتهجها إدارة البنوك في طريقة عملها. البنوك لها دور ريادي كان وما يزال يترك أثره على المجتمع، فبمجرد اجتياح كورونا كانت من أوائل القطاعات التي تبرعت لمجابهة تداعياتها، فكانت أكبر المتبرعين لصندوق “همة وطن” الذي أنشئ لتلك الغاية وأجلت سداد القروض. وليس ذلك فحسب، بل إنها، وبالتنسيق مع البنك المركزي الأردني، عملت على تخفيض أسعار الفائدة حتى يتسنى مجابهة تلك الأزمة التي أحدثت ما أحدثته في العالم كله، حتى عافانا الله منها. وتارة أخرى عملت مع الشركات الصغيرة والمتوسطة بمنحها قروضا وفر تمويلها البنك المركزي الأردني عبر سلسلة من الإجراءات للتخفيف من تداعيات الجائحة والمحافظة على العاملين في تلك المؤسسات. المقال السابق للكاتب  اضافة اعلان