مشروع السلام الإيرلندي الهش

مالك العثامنة -الأرق الحقيقي الذي يمكن اعتباره مشتركا بين لندن وواشنطن وبروكسل “برمزيتها الأوروبية لا البلجيكية” لا يقف عند أزمة الحرب الأوكرانية شرق القارة البيضاء، فالخوف الحقيقي عند العواصم الثلاث المهيمنة على العلاقات الدولية كامن بترقب وحذر في أقصى غرب القارة البيضاء، في ايرلندا حيث ينهي اليوم الرئيس جو بايدن زيارته إليها والأيام القادمة ستكشف إن كان “اتفاق الجمعة العظيم” الذي يحتفلون بربع قرن على ولادته قد يستمر أم لا، وهو ما يعتمد على قدرات سيد البيت الأبيض “ذي الأصول الإيرلندية” والتي تتأرجح بين ضغوط ستنتهي إلى أزمة أو تأثير إيجابي قد يعطي حلولا نهائية. طيب.. ما علاقتنا نحن في إقليم شرق المتوسط “الشرق الأوسط سابقا” بكل ذلك؟ علينا أن ندرك اليوم أن عالمنا الذي صار فعلا قرية “كبيرة” يعيش حالة أثر الفراشة بشكل كبير، وانفجار الوضع في غرب أوروبا ستكون تداعياته أكبر بكثير من انفجار الحرب الأوكرانية التي نعاني منها لا نزال في العالم كله. المثير للتساؤل هو تلك القدرة الأميركية على التأثير في عملية السلام بين إيرلندا وبريطانيا “وباقي أوروبا” مقابل حضور باهت لأي تأثير أميركي في عملية السلام التي فشلت بامتياز في منطقتنا. السلام الهش كما يصفه البعض في إيرلندا الشمالية لديه مقومات نجاح مبنية على اهتمام جدي لدى كل الأطراف باجتراح حلول دائمة تحسم الأزمة ذات الجذور الطائفية “بروتستانت وكاثوليك”، والسلام الأكثر هشاشة في ذلك الشرق المتوسط للعالم مقومات الفشل فيه أكبر بكثير من معطيات النجاح لأن الأطراف فيه تبحث عن تثبيت وضع راهن تتوالد منه أزمات والرعاية الأميركية لا قيمة لها فعليا. بايدن، ستكون زيارته “المحتفلة بربع قرن على اتفاق الجمعة العظيم” لها تداعياتها المحتملة على الأزمة الكامنة التي تنتظر لحظة انفجارها الذاتي غرب أوروبا، بعد الفشل في كسر الجمود الذي تعيشه الجمعية الأيرلندية (البرلمان) وغياب الجهاز التنفيذي منذ شباط (فبراير) من العام الماضي، بسبب الخلافات بين القوميين المؤيدين لاستقلال الجزيرة عن المملكة المتحدة والوطنيين المؤيدين للبقاء تحت التاج البريطاني، حول ما يعرف بالبروتوكول الخاص بأيرلندا الشمالية. ويعتبر ملف أيرلندا الشمالية من أعقد الملفات في كل مفاوضات الاتحاد الأوروبي مع بريطانيا بعد البريكست (اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد)، لما له من حمولة سياسية وتاريخية خطيرة تهدد بتفجير الوضع في الجزيرة الأيرلندية من جديد، وهو ما يمكن أن يكون له أثره في إعادة إنتاج العنف من جديد في تلك المنطقة، وهو عنف قد يتجاوز جغرافيا الجزيرتين البريطانية والإيرلندية إلى باقي أوروبا والعالم. واشنطن – من خلال بايدن نفسه- حذرت بأن انفجار الوضع أو فشل العملية السلمية في إيرلندا قد يفضي إلى عواقب وخيمة في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا على حد سواء، مما يجعلنا أمام أزمة عالمية منتظرة جديدة. السؤال الذي يجب طرحه على طاولة سيد البيت الأبيض وإدارته بكاملها: لماذا تكون نوايا واشنطن جادة وحاسمة في غرب أوروبا “وشرقها أيضا” بينما هي باهتة بلا تأثير حقيقي في شرق أوسط هذا العالم؟ خصوصا إذا علمنا أن بايدن مهتم شخصيا بما يحدث في إيرلندا بحكم جذوره “حيث سيزور أقاربه في مقاطعتي لاوث ومايو” وهو ثاني رئيس كاثوليكي بتاريخ الولايات المتحدة مما يعني تأثيرا “وتأثرا” شخصيا لصالح الأقلية “الانفصالية” في ايرلندا الشمالية. المقال السابق للكاتب اضافة اعلان

تلك الناس المتعبة قهرا حد الضجر