الموازنة.. حوار نيابي مسؤول

سلامة الدرعاوي
سلامة الدرعاوي

رغم جسامة الأحداث وعجز اللسان عن وصف ما يحدث في غزة من حرب إجرام وإبادة يقوم بها كيان الاحتلال الإسرائيلي هناك، إلا أن الحالة الراهنة تشكل فرصة حقيقية للحكومة ومجلس النواب لإحداث تفاهمات حقيقية حول خطة الدولة المالية للسنة الحالية، وإجراء الجراحات العميقة لعدد من بنود الموازنة بشكل يضمن تعزيز مبدأ التحوط لمواجهة أي سيناريوهات قادمة.

اضافة اعلان


ليس المطلوب من النواب تخصيص موسم نقاش الموازنة للصراخ والشتيمة وللطلبات الخدمية التي لا تنتهي، بل هم مطالبون بحوار مسؤول يفضي في النهاية إلى إجابات منطقية واضحة، للتأكد من سلامة النهج والإجراءات معًا.


المنطق يقتضي من النواب التأكد من صحة الإنفاق، فليس من المعقول أن تقدم الحكومة بمشروع قانون موازنة بإنفاق يناهز الـ13.9 مليار دينار، دون أن تكون هناك إجابات اقتصادية واضحة حول عدد من المؤشرات.


الأساس أن خطة الدولة المالية تجيب حول كيفية تأثيرها في معدلات البطالة مع نهاية هذا العام، وما هي النسبة التي ستصل إليها مع كل هذا الإنفاق الضخم، بمعنى كم ستخلق فرص عمل جديدة، أو تهيئة وظائف جديدة لم تكن موجودة في سنة 2023.


وإذا كانت الحكومة ترى أن إنفاقها الرأسمالي (1.729 مليار دينار) هو إنفاق استثنائي والأعلى في تاريخ الموازنات، فعليها أن تجيب كيف بذلك الإنفاق الضخم ألا يحقق معدلات نمو استثنائية أيضًا، ولا يدفع بخلق فرص عمل جديدة لعشرات الآلاف من الخريجين الذين يدخلون سوق العمل، فهناك أكثر من 156 ألف خريج من مختلف المستويات العلمية والمهنية يدخلون سوق العمل، علمًا أن قدرة القطاع العام في التوظيف لا تتجاوز عشرة آلاف وظيفة، في حين القطاع الخاص لا تتجاوز قدرته في العامين الأخيرين الـ15 ألف وظيفة في العام، وبالتالي ما هو مصير آلاف الخريجين من الشباب؟


بناءً على أن الحكومة دمجت موازنات المؤسسات المستقلة في قانون الموازنة العام، فمن المفترض أن يتضح للرأي العام الأثر المالي والإنتاجي لعملية الدمج سواء للموازنة أو لبعض الهيئات التي تم دمجها خلال السنوات الماضية، والأثر المالي الذي تحقق.


وكيف بالإمكان أن تكون الموازنة العامة قد احتاطت فعلًا لأي سيناريوهات نتيجة تداعيات حرب الإبادة في غزة، وهي تعاني عجزًا ماليًا مجمعًا يناهز الـ2.8 مليار دينار؟ وما هي اتجاهات الدين العام في ظل توفر مساحات مالية جديدة للمملكة نتيجة اتفاقها الأخير مع الصندوق؟ خاصة وأن خدمة الدين (1.98 مليار دينار) وحدها يفوق ما تنفقه الحكومة على قطاعي الصحة والتعليم معًا، في حين أن إجمالي الدين العام الذي تلتزم الحكومة بسداد أقساطه وفوائده يناهز الـ40 مليار دينار أو ما نسبته 114 % من الناتج المحلي الإجمالي.


الحوار النيابي المسؤول في مناقشات الموازنة العامة هو كفيل بتصويب أي اختلالات قد تظهر، بحيث يمكن معالجتها قبل الشروع في تنفيذها، وهذا وحده يشكل تحوطًا سليمًا في عملية الإدارة المالية للدولة.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا