مقارنات لكسر الأنا الجَمعيّة


صار موضة (تريند) أن يتذكَّر الأردنيون والأردنيّات أوضاعَنا كعربٍ، كلما نقلت وسائلُ التواصل الاجتماعي والفضائيات تفوّقاً علمياً أو معالجةً اجتماعيّةً أو قانونيّةً متقدّمةً عند غيرنا من شعوب الأرض، لكنّه تذكّرٌ سالبٌ ساخرٌ بات مهيناً، والأسوأ أنه باتَ لذةً نستمتعُ بهوسِ تكرارها. فإذا نقلت الأخبارُ فيديو لقطارٍ حديثٍ في اليابان، يقدّم تسهيلاتٍ جديدة للركاب، أو يتجاوز صعوباتِ الازدحام المروري، بات التغني بـ"كوكب اليابان الشقيق" على أنه صِنوُ الباص السريع الذي نسمع به ولا نراه منذ سنوات! وإذا تمَّ توزيرُ امرأةٍ من أصلٍ عربيّ أو آسيويّ في فرنسا أو كندا، هبّت الأفواهُ والأقلام لشتمنا كشعوبٍ ما زالت تسألُ عن فصلِ وأصلِ هذا الشخصِ المرشَّح لمنصبٍ عامٍّ أو وزارة! بل إنَّ أساتذةً في جامعاتٍ لا يميّزون بين الخبرِ الملفَّقِ والكتابة المزيّفة، ينشرون تفاهاتٍ عن فروسيّة اللصوص في الغرب (الكافر) الذين يعيدون ما سرقوه إلى الضحيّة بعد أن يتبيّن لهم أنها طفلةٌ معوّقةٌ أو يتيمٌ بائس، "بينما لا يتورّع لصوص الوطن عن سرقة مقدراتنا"!!! فبهذه السذاجة تمضي المنشورات والمواد المزوّرة غالباً، لتقارنَ بين "عظمة الآخر"، و"هوان الأنا" الجمعيّة العربيّة، دون أدنى تمحيصٍ لمصدرٍ، أو تحقُّقٍ من صدق الخبر، وبهمّةٍ عاليةٍ للمقارنة، للوصولِ إلى شتم الذاتِ وجلدها!اضافة اعلان
يستوي في هذا الشتم الانفعاليّ كبارُ القومِ وصغارُه، من كُتّابٍ وأهل صحافةٍ وإعلامٍ ونوابٍ وأكاديميين وأصحابِ مهنٍ من أطباء ومهندسين وفنانين وهواة.
وهي ظاهرةٌ غنيّةٌ عن القول إنها سلبيّةٌ، طالعةٌ من أحشاءِ اليأسِ الذي سقطَ فيه الشعبُ الأردنيّ مع غيره من الشعوبِ العربيّة؛ يأسٍ باتَ متأصّلاً بسببِ توالي الخيباتِ والانكسارات، وبات التعبيرُ عنه يتوجّه إلى "الأنا الجريحة" وهدمِ ما بقيَ فيها من عزةِ نفسٍ وقدرةٍ على مواجهة الواقع المظلم. ظاهرةٌ بات من أولويات الإسعاف النفسي الجماعي التصدّي لها، والتنبيهُ على خطورتها في تدميرِ الأمل، مهما يكن شاحباً، وفي تدمير همّة التغيير لدى الشبابِ تحديداً.
لقد بات "مفهومُ الذات" الجمعيّةِ المسؤولُ عن توفير الدافعِ للعملِ ولمواجهة التحديات وللإبداع وضبطِ ايقاعِ الحياةِ، مهلهلاً ومتآكلاً ومُسفَّهاً ومُحتَقراً وميؤوساً منه! وهذا أسوأ أداةِ تدميرٍ ممكنة لسيكولوجية الشعوب، وخصوصاً في المراحلِ المنهَكةِ من تاريخها. ولا يدانيها في الخطورة إلا ذلك التشاوفُ الشوفيني والتفاخرُ البائس بأنَّنا خيرُ الأمم، والذي بات حكراً على أيدولوجياتٍ بعينها نبذها التاريخ.
وأنا أناشد من هذا المنبر جميعَ الأقلامِ والأفواهِ والقلوبِ اليائسةِ إلى التوقفِ عن تداولِ المواد التي تعقد المقارنات الجائرة، والخلاصات السلبية، والاستنتاجات اليائسة، لنترك حيّزاً ولو صغيراً لتدبُّر ما يجري، والخروجِ من مآزقه، حتى لو كان كريهاً وبشعاً.
دعونا لا نفقد الأمل!