منطق التاريخ والجغرافيا

مالك العثامنة- فعليا، وعلى أرض الواقع، كانت الضفة الغربية لنهر الأردن، نصف جغرافيا المملكة الأردنية الهاشمية، وكل الجدل عن توصيف ما حدث بعد مؤتمر أريحا أنه “ضم” أو “وحدة” لن يغير من واقع التاريخ والجغرافيا منذ تاريخ 24 إبريل عام 1950. وهو العام الذي أصبحت فيه الضفة الغربية بسكانها جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية، بعد عامين من قيام دولة إسرائيل عام 1948، وقد حصل سكان الضفة الغربية بالفعل على الحق في المطالبة بالمواطنة الأردنية في ديسمبر 1949. رفضت الجامعة العربية وحدة الضفتين، بل وطالبت دول عربية حينها بطرد الأردن من الجامعة العربية. ومع انضمام الأردن إلى الأمم المتحدة عام 1955 والتي أقرت وحدة الضفتين (أو ضم الضفة الغربية)، كانت الجامعة العربية قد أعلنت سابقا في 12 يونيو 1950، أن الضم كان إجراءً مؤقتاً وعملياً وأن الأردن كان يحتفظ بالإقليم كـ”أمين” عليها في انتظار تسوية مستقبلية، وهو تفسير ساذج يحاول الحفاظ على ماء وجه المعترضين أمام واقع موجود. تلك الأنظمة التي قادتها مصر عبدالناصر حينها، بهوس قومي جارف وأوهام البطولة الكاذبة، هي التي قادها عبدالناصر نفسه فيما بعد في حزيران 1967 إلى مغامرة عسكرية غير محسوبة، بعد أن قرر من طرف واحد إغلاق مضائق تيران، مما تسبب بحرب حزيران التي انهارت فيها أوهام القوة بهزيمة عسكرية ثلاثية انتصرت فيها إسرائيل بامتياز (ويكذب على نفسه من لا يرى ذلك)، واحتلت احتلالا عسكريا أراضي من ثلاث دول: سيناء من مصر، والجولان من سورية، والضفة الغربية من الأردن. الأردن الذي تثبت كل يوميات ووثائق حرب حزيران أنه كان آخر المنسحبين بقرار القيادة العربية الموحدة، التي تقودها مصر عبدالناصر. الهزيمة تحولت في أدبيات العرب إلى “نكسة”، ونتج عنها من زاوية أردنية خسارة نصف جغرافيا المملكة في الضفة الغربية للدولة التي تحمل اسم النهر الذي يفصل بين الضفتين. وهو ما جعل الأردن الطرفَ المقصود بقرارات المجتمع الدولي ذات الفاعلية القانونية خصوصا في قراري 242 و338، وفيهما أن تنسحب إسرائيل من أراض محتلة (أو الأراضي المحتلة)، وكانت الضفة الغربية، وما تزال حسب القرارات الدولية حتى اليوم، أراضي تم احتلالها وكانت تحت السيادة الأردنية. كان هناك أكثر من اختراق “خبيث” للوقائع التاريخية والجغرافية المدعمة بالشرعية الدولية، وأول تلك الاختراقات كان القبول العربي الساذج في فترة المد القومي الكاذب لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني. سيناريو الوحدة بين الضفتين يجب أن يبدأ بفهم واضح لمعنى الضم، والملك عبدالله الثاني محق في سؤاله عام 2018: (كونفيدرالية مع مين؟)، وهو سؤال من وجهة نظري يسقط من الحسابات وإلى الأبد حضور كذبة “السلطة الوطنية الفلسطينية”، بدلا من الاستمرار بتزويدها جرعات أكسجين تزيد من وجودها “الاصطناعي”. إن الأهم حاليا، أن يكون هناك طرف فلسطيني “حقيقي وفاعل” يمكن الحديث عنه ومعه، لأي سيناريو وحدة بين الضفتين، وهو ما لن يتأتى بدون حوارات حقيقية “لا تخوينية” أولا بين الضفتين، ولتحقيق مصلحة أردنية – فلسطينية على نسق واحد، لا لتمرير سيناريو إسرائيلي جديد مليء بالكمائن وحقول الألغام، وأهمها وأخبثها إزاحة ديمغرافية من غرب النهر إلى شرقه! وهو ما يجب محاربته بكل الوسائل بأفكار جادة متوازنة وموضوعية، لا بعصبوية متطرفة. المقال السابق للكاتب اضافة اعلان

القادم هو الأكثر خطورة