من مسافة الصفر

هناك من يقول إن الأردن قدم الكثير وهذا صحيح، وان علينا التنبه لمصالح الأردن الذاتية، وعدم الاندفاع في المواقف السياسية في ضوء تحالفات الأردن التاريخية مع أميركا، خاصة وأننا نمر في أوضاع اقتصادية حرجة، وبعض هذا الفريق ينظر لعملية طوفان الأقصى باعتبارها مغامرة غير محسوبة العواقب الحقت بالغزيين أضرارا فادحة، عملية تخلو من أي أهداف سياسية!

اضافة اعلان


فريق آخر يعتقد أن الحل الديني للاحتلال الصهيوني ليس حربه، وهو غير سعيد أبدا بأي انتصارات معنوية أو مادية لحماس، ويرى فيها تهديدا لفكره ورؤيته للمجتمع، وهو يرى أن بناء المجتمع الديمقراطي المدني هو أساس تحقيق هزيمة الاحتلال الصهيوني وانه في ظل التفوق العسكري الإسرائيلي والتطبيع العربي فإنه يجب الانتظار والتزام الكفاح غير المسلح لحين تصبح فيه الديمغرافيا في فلسطين هي طريق مقاومة المشروع الصهيوني بحيث تفرض هذه الديمغرافيا حلا سلميا يشمل اليهود دون مشروعهم الصهيوني.


الواقع الحالي يشير ان عملية طوفان الاقصى سبقتها عملية إعصار لتنفيذ المشروع الصهيوني الاستعماري، وطوفان الأقصى شكلت زلزالاً لإعادة ترتيب المنطقة والمفاهيم والرؤى فيها، واهم ما ادت اليه هو استئناف النظر في أسس الصراع العربي الإسرائيلي، فقد مر زمن من كامب ديفيد مرورا بأوسلو كان فيه المنطق السائد أن لا حل للصراع سوى بالمفاوضات مع إسرائيل مع التسليم بتفوقها العسكري والاقتصادي، خاصة وان اغلب الانظمة العربية مرتبطة بأميركا حليفة اسرائيل وليس بإمكانها أن تخرج عن سقف مصالح أميركا. وبالتالي المفاوضات مع إسرائيل مفاوضات مهزوم يحاول استخدام ما أوتي له من أدوات لتحصيل ما يمكن تحصيله معتمدا على الشرعية الدولية رغم ثبوت عجزها باعتبار تلك الشرعية مرهونة ايضا بالقرار الأمريكي.


منطق المفاوض الواقعي - المهزوم - ادى الى التنظير لموت مركزية القضية ومحو الهوية الفلسطينية وتحويل الفلسطينيين لسكان نبحث لهم عن مشروع إغاثه. والأهم انه أدى إلى استشراس التيار الديني الصهيوني واستحضاره المشروع الصهيوني باعتباره مرجعية للمفاوضات مع الفلسطينيين لتحقيق يهودية الدولة وابتلاع الأرض دون الشعب، الأمر الذي صار فيه مفهوم التهجير الناعم أو المسلح إلى الأردن واقع يتحدث فيه وزراء حكومة المستوطنين بزعامة نتنياهو وعلنا وفي محافل دولية. أردنيا، كنا نظن اننا محصنون باتفاقية السلام وعلاقتنا مع أميركا، وإذ بالواقع يشير إلى أن الأردن مستهدف مباشرة كيانا ودستوراً وجغرافيا، وهو ليس محصنا من مشروع حل القضية الفلسطينية على حسابه.


عملية الأقصى بغض النظر من موقفنا منها استرجعت مشروعية المقاومة بكافة أشكالها كحق مشروع للشعب المحتل، وأعادت بوصلة التفكير العالمي بالقضية الفلسطينية خاصة على مستوى الشعوب وذكرت العالم أن سبب مشكلة الشرق الوسط هو الاحتلال الصهيوني، وان لا حل دون الشعب الفلسطيني، هذه العملية اطاحت بفكرة إسرائيل التي لا تهزم، كما اطاحت بفكرة أن التفوق العسكري هو من يحسن المشهد النهائي في المنطقة.


من حقنا في الأردن ان نفكر بمصالح الأردن الذاتية وربما ببعض الانانية، ومن حقنا ايضا استثمار الواقع الذي خلقته عملية طوفان الأقصى محليا وإقليميا. وأدعو إلى حوار وطني بين مؤسسات الدولة والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني لصياغة مواقف وتوزيع أدوار لحماية الأردن وكتابة أسس مرجعية لمواقف الأردنيين، حيث لا يعقل أن يقتصر الحوار مع الشارع بين جماهير متظاهرة ودولة تحاول إدارة هذه المظاهرات، بل يجب أن نستثمر في الواقع السياسي الحالي في المنطقة حماية للأردن ومصالحه، بحيث نبدأ بالتفكير وبإدارة الصراع بين الأردن وإسرائيل بذهن القادر وليس بذهن المهزوم الواقعي المستكين، وبذهن أن علاقات الدول هي مصالح مشتركة وليس املاءات من طرف على طرف، ان نذهب لها باعتبار أن إرادة الشعب في المقاومة والدفاع عن الأردن بأهمية الترسانة العسكرية للدول ان لم تكن أهم، فإن أطفال غزة اثبتوا للعالم أن من يقتل مرعوبا من ضحاياه أكثر من الضحايا انفسهم إذا فاهم علي جنابك!

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا