شجاعة ملكة

بشجاعة تليق بالموقف الأردني الشعبي والرسمي الذي يقوده جلالة الملك، تحدثت جلالة الملكة رانيا العبدالله لمحطات تلفزة أوروبية متعددة، وقدمت من موقعها كشخصية عالمية وأم أردنية خطابا دقيقا؛ يفند ويتعامل مع المقولات الغربية التي تبرر همجية العدوان الإسرائيلي على أطفال غزة وأهلها المدنيين.

اضافة اعلان


ومن المهم والمفيد أن نعتمد ونوحد الخطاب الإعلامي الموجّه للغرب، لمحاولة تغيير السرد الذي كرسته إسرائيل في تبرير عدوانها على أطفال غزة، فمنذ اليوم الأول للعملية غردت جلالة الملكة قائلة «لا يمكن اعتباره دفاعا عن النفس إذا كنت قوة محتلة»، والحقيقة أن هذه قضية محورية في فهم الصراع العربي الإسرائيلي، فالقانون الدولي أعطى للشعوب والدول حق مقاومة الاحتلال، فكيف يكون للسارق أن يقتل أهل الدار، ويتذرع بأنه يدافع عن نفسه. 


استحضار الاحتلال والتذكير به، باعتباره أصل المشكلة يعيد بوصلة السرد العربي الفلسطيني إلى ساحة القانون الدولي، ويطرح على الكيان الصهيوني الحل، إذا كنت فعلا معنيا بوقف الاعتداء على المدنيين، فان الحل بيدك؛ أوقف الاحتلال وامنح الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة.


أما بخصوص الاعتداء على المدنيين، فقد استحضرت جلالتها خطاب جلالة الملك في مؤتمر مصر، حيث نبه العالم أن العرب والمسلمين، وضعوا قواعد للحرب سبقت قواعد القانون الدولي الإنساني مفادها، عدم استهداف المدنيين والحفاظ على البيئة بعدم قطع الأشجار ومنع الاعتداء على رجال الدين والمسنين، ولهذا فإن موقف الأردن الواضح هو في استنكار استهداف المدنيين في كل مكان، وقد أشارت جلالة الملكة في هذا الصدد إلى موقف الغرب غير الإنساني والمتناقض، والذي يستخدم معايير مزدوجة، وكأن هذا الغرب المتحضر الذي باعنا ولعقود؛ سرديات حقوق الإنسان والمساواة بين البشر، كأنه يعتبر أن الطفل الفلسطيني  أقل مرتبة من الاسرائيلي! وقد ذكرتهم الملكة بأن أطفالنا ككل الأطفال، وأن الأمهات الفلسطينيات يحببن أطفالهن تماما مثل الأمهات الأخريات! 


الكيان الصهيوني ارتكب ويرتكب في غزة جميع جرائم الحرب المنصوص عليها في المعاهدات الدولية كلها،  وجرائمه بدأت قبل 7 أكتوبر، بسجن أهل غزة في أكبر معسكر اعتقال في التاريخ، وأمعن في حصاره يوميا بممارسات قهرية مستمرة أثناء العدوان وقبله، فيتحكم ويمنع الغذاء والدواء والماء والكهرباء، ممارسات الاحتلال هذه غذت حالة طبيعية للمقاومة لأهل غزة، خاصة وأن إسرائيل عملت على إهانة وتجويع وحصار الفصيل الفلسطيني الذي وافق على السلام واعترف بإسرائيل وتنازل عن الكفاح المسلح! وبهذا فإنها أرسلت للغزي المقهور رسالة مفادها؛ ليس لك إلا المقاومة المسلحة لرفع القهر ودحر الاحتلال.


وقد تصدت جلالتها لتهافت مقولة إسرائيل؛ ان حماس تستخدم المدنيين كدروع بشرية، فان هذه المقولة على فرض صحتها، فانها حجة لا أخلاقية ولا منطقية لحصد أرواح المدنيين حسب القانون الدولي، وهذه المقولة من إسرائيل اعتراف رسمي باستهداف المدنيين، ليس باعتبارهم خسائر جانبية متوقعة في أي حرب بل إن إسرائيل تعرف بأن الأطفال والمدنيين في غزة هم هدف واع لآلة الحرب الإسرائيلية! وهو الأمر الذي تتحرك له جمعيات ومحامون ومنظمات حقوقية عربية وعالمية، لأخذ جميع المسؤولين عن هذه الجرائم لمحاكمات دولية.  


شجاعة جلالة الملكة نفحة من مواقف الملك عبد الله الثاني، الذي عمل منذ سنوات لتحذير العالم مما يحصل الآن، وإن الحل ليس في الحرب، ولا في قوة إسرائيل، ولا في ترسانتها العسكرية، الحل بسيط يتمثل في وقف الاحتلال وإعطاء الفلسطيني حقه في تقرير المصير. 


شجاعة الملكة؛ انسجام مع موقف الشعب الأردني العظيم، موقفه التاريخي القديم الجديد المتمثل في نصرة القضية الفلسطينية، ونصرة الحق وقيم العدالة وحق تقرير المصير والحرية للشعوب.


جلالة الملكة، نعتز بمواقفك الشجاعة ونردد معك ما قلته ذات مرة: «نيلسون مانديلا قال: حريتنا منقوصة دون حرية الفلسطينيين، وأقول لكم إنسانيتنا منقوصة دون حريتهم هي غير مكتملة وغير شاملة».

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا