نزلت الأقنعة

حكومة نتنياهو ليست ظاهرة جديدة، وليست نموا سرطانيا مفاجئا في إسرائيل، بل هي استمرار طبيعي لخط يميني متطرف متدين في إسرائيل له محطات نعرفها، منها جولدا مائير بيغن شامير شارون ونتنياهو، وهؤلاء الصهاينة - والصهيونية عندهم شرف وليست إدانة - ليسوا نباتاً منبتّاً عن واقعه، فهم تمثيل حقيقي لمفاهيم سياسية صهيونية تقوم جميعها على مقولات دينية بحتة، أساسها وعد الله المزعوم لشعب مزعوم في أرض مزعومة! وعلى مقولة “دولة إسرائيل ضرورية لعودة المسيح”، وهو ما شكل قبل الصهيونية وبعدها الصهيونية “المسيحية” الداعمة لإسرائيل.

اضافة اعلان


إسرائيل كعقيدة وسياسة هي أهم مثال لاستغلال الدين في السياسة على المستوى الدولي ، وهي مثال حي على قدرة السياسي المتدين – دولة كان أم فردا أم حزبا - على إلغاء الآخر شخصا كان أم دولة، وعلى قتله وسحقه بدم بارد بحجة مقولة عقائدية، فأغلب مواطني دولة إسرائيل وكل مؤسسات دولة إسرائيل تعتقد بشرعية قتل وتهجير وسجن ومحاصرة الفلسطيني لأنه ضد مشروع دولة إسرائيل ابتداء، ومناقض لمشروع الدولة اليهودية الصافية ثانيا.


المثال الثاني على الاستغلال الدولي للدين في السياسية هو أميركا التي استخدمت حق النقض الفيتو 55 مرة حتى الآن لمنع تطبيق القانون الدولي على جرائم إسرائيل وتجاوزاتها، هذه الدولة نفسها التي تنتقد الدول وتصدر بحقها تقارير عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة!


العقل السياسي الأردني ومنذ التأسيس تعامل مع المشروع الصهيوني كخطر على الأردن وعلى فلسطين وقدر أنه إذا كان عليك أن تبقي صديقك قريبا فعليك أن تبقي عدوك أقرب درءًا لخطره، وهذا الفهم تطور في العقل السياسي الأردني “لفقه الردع بالسلام”، وقوامه تحييد خطر إسرائيل على الأردن بالسلام معها خاصة وأن هذا الفقه كان مطلوبا ومقبولا من الأميركان حلفاء إسرائيل العقائديين، وعلى سند من هذا الفقه السياسي أُبرمت معاهدة السلام مع “إسرائيل”!


أثبتت صفقة القرن أن المحافظة على الأردن كدولة عند الأميركان ليست استراتيجية كما كنا نعتقد، فرغم كل الدعم المادي وحتى المعنوي المقدم، فإن هذه العلاقة مرهونة بمن يحتل البيت الأبيض وحيث لا أحد يُقَدَّم على إسرائيل عندهم، فإن الأميركان في صفقة القرن ضحوا بالأردن تحت “الباص” بمجرد تغير ساكني البيت الأبيض، وصار مشروع تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن يكاد يكون واقعا عمليا عقدت من أجله الورش والندوات لتنفيذه عمليا.
بن غافير لا يختلف عن غيره من المتطرفين في دولة إسرائيل ولا عن أغلب الشعب اليهودي الذي ينظر لإسرائيل باعتبارها من البحر إلى النهر بما يشمل الأردن وهم إذا كانوا لا يهدفون اليوم لاحتلال الأردن لكنها في عقيدتهم كأنها الساحة الخلفية التي يملكونها وهم يفهمون أن من حقهم حل مشاكلهم في تلك الساحة بما في ذلك تهجير الفلسطيني لها، هذا لا يغير قناعتي أن الفلسطيني لا يقبل التهجير وأن الأردن جيشا وقيادة وشعبا سيقاوم دفاعا عن الأردن وعن هويته وحدوده، ولكن إعادة النظر في توصيفنا وتكييفنا للعلاقة مع أميركا وإسرائيل وتوسيع خيارات الأردن الدبلوماسية والسياسية ورسم مشروع لتعاون عربي إقليمي قائم على المصالح وليس على الأغاني والشعر صار ضرورة عقلية وسياسية وواقعية.


وأخيرا ومع الاعتزاز بموقف الأردن التاريخي بدعم القضية الفلسطينية والعربية علينا فهم حالة الطوارئ السياسية التي نحن فيها، وكما هو الحال عندما تنزل الأقنعة في الطائرة فإن عليك أن تضع قناع الأوكسجين لنفسك قبل ابنتك ليس أنانية بل التزاما عقليا مفاده أن الحفاظ على نفسك أولوية لدعم ومناصرة الآخرين، فاهم علي جنابك!

المقال السابق للكاتب

في بيتنا مكارثي