نيمبي

يعيش اكثر من ثلث سكان العالم في مناطق تقع بمحيط السواحل البحرية، وهي مناطق باتت اليوم في مرمى الغرق نتيجة ارتفاع منسوب مياه المحيطات نتيجة التغير المتسارع في المناخ المفضي لذوبان الانهار الجليدية والاقطاب، حيث يشهد العالم اليوم تغيرات متطرفة في كل شيء ودرجات الحرارة هي واحدة من هذه المتغيرات فقد شهد الكوكب ارتفاعا يقدر بدرجة حرارة واحدة على المعدل العام مقارنة بلحظة انطلاق الثورة الصناعية.اضافة اعلان
نحن اليوم نعيش على كوكب مختلف مناخيا عما عاش فيه اسلافنا، وتتوقع القراءات الحديثة في حال استمرار هذا النهم الصناعي بلا أي رادع في المعايير البيئية الناظمة لهذا النمط، فإننا بلا شك سنضيف اربع درجات حرارة للمعدل الحراري الارضي قبيل نهاية القرن وبحسب ذات التقديرات سنكون انفسنا شهودا على غرق مدن عالمية ساحلية مليونية مثل نيويورك وريو دي جانيرو، وهو ما يؤكد أن العام 2020 مجرد قمة جبل الجليد للقادم إن لم يدرك العالم مدى الخطر الداهم.
وقد سجل العالم ما يقارب الثلاثين مليون مشرد في العام 2018 وما يقدر بثلاثمائة مليون مهاجر طوعي وقسري في 2019 أي ما يقدر بأربعة بالمائة من سكان الكوكب فإذا كانت الهجرات الاجبارية التي تسببت بهذا النزوح العالمي تتم حتى يومنا هذا تحت عناوين العنف والارهاب والاضطهاد او الكوارث فإن العنوان الأبرز للهروب والهجرات الكبرى سيكون في العقد القادم ضمن نطاق التغير المتطرف في المناخ.
وتشير الاحصاءات السكانية العالمية إلى أن اعداد السكان سترتفع بمعدل ملياري نسمة بحلول 2050 وسيكون نصف هذا العدد من تسع دول فقط، معظم هذه الدول تعاني من ازمات اقتصادية واجتماعية وفي ظل مؤشرات المناخ المرعبة فإننا بتنا متأكدين ان هذا الخزان البشري المتضاعف في هذه الدول سيكون مركز الكتلة المحركة للنزوح البشري القادم في حال انهارت السلاسل الغذائية العالمية تحت وطأة انهيار النظام البيئي الهش.
في تقرير الأمم المتحدة المتعلق برأب الصدع فيما يتعلق بمفهوم عدم المساواة يخلص في نتائجه الى أن آثار فقدان العدالة الاجتماعية تتجاوز حدود نقص الحاجات لفئة اجتماعية مثل توفر التعليم او رداءته بل يمتد الأثر الى فشل المجتمعات في القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية وبالتالي التجاوب مع خطط التخفيف من المعضلة، فعلى سبيل المثال تتم مجابهة ضريبة الكربون التي فرضت على الفحم ومنتجات النفط والغاز بما يتناسب مع محتواها الكربوني بشكل شعبي رافض نظرا لشعور المجتمعات بعدم مسؤوليتها عن هذا الفعل، فيتندر المواطنون على المخالفات المتعلقة بالبيئة او انبعاث الكربون من عادم السيارة لاعتقاد جازم أن هذه القوانين تحقق مصلحة طرف واحد، فقد انخفضت تكلفة التكنولوجيات الخضراء في السنوات الأخيرة مما زاد من القدرة التنافسية للطاقة النظيفة المتولدة من مصادر مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فيما تصر الحكومات على برنامج مرتبط بالوقود الاحفوري وما تزال تفرض قيودا وجمارك وضرائب على قطاع الطاقة النظيفة لإبطاء دخولها للسوق الأردني، هنا تسقط حالة الثقة ببرنامج الحكومات فتجد المجتمع يوافق الافكار المطروحة ولكن عند وصولها الى فناء منزله سيرفضها بشراسة وهو ما يعرف بالنيمبي وهي اختصار الحروف الاولى للجملة الانجليزية ليس في فناء منزلي not in my back yard، NIMBY، وهو ما يلخص مشهد التنظير المتبادل بين المجتمع والحكومة على السواء بقبول الافكار ولكن رفضها عند وصولها الى فناء منزل كل منهما، وهنا ينفتح جذر اعمق يتعلق بمفهومنا وعلاقتنا مع ذاتنا ومحيطنا وهويتنا.