بين حصار عكا وحصار غزة الخيارات المستحيلة.. قصة صمود

د. هايل عبيدات - (أرشيفية)
د. هايل عبيدات - (أرشيفية)
البداية الأولى في عروس البحر يافا حيث أنشئت أول صيدلية هناك عام 24/2/1924 وأول مستودع للأدوية عام 1934 وقبل قيام دولة الاحتلال وجاءت النكبة والنكسة ولكن الحلم تجدد.اضافة اعلان

بدايات متواضعة عام 1969 وكميات محدودة وتكنولوجيا أيضا متواضعة، ولكن الإرادة فلسطينية وصلبة تشق طريقها ويكبر الحلم الفلسطيني منذ عام 1983 ليصل عدد المصانع الآن إلى 6 (ستة) مصانع منها اثنان (2) في غزة هاشم وبلغ عدد الصيادلة في الضفة الغربية 5841 وفي قطاع غزة 3816 صيدلاني و824 صيدلية ويبلغ حجم السوق الدوائي الفلسطيني 180 مليون دولار وبلغت الأدوية المسجلة ما يقارب 647 دواء أساسيا و1800 صنف دوائي وتقوم بتغطية ما يقارب 55% من احتياجات السوق الفلسطيني وتصل إلى ما يقارب ثلاثين سوقا في مختلف أنحاء العالم.

وبالرغم من معاناة الصناعة الدوائية الفلسطينية كغيرها من الصناعات العربية إلا أن المعاناة الكبرى تكمن في العجز التشغيلي وقائمة الممنوعات الإسرائيلية والمنع وتضييق العدو الصهيوني على دخول المواد الخام والتكنولوجيا الحديثة اللازمة للصناعة تحت ذرائع أمنية، ويتحكم الاحتلال بالمعابر الحدودية والسياسة الدوائية التي تهدف إلى التحكم والسيطرة الإسرائيلية على القطاع الصحي والدوائي معا من خلال الاقتطاعات والمقاصات الإجبارية، وكذلك معيقات الاعتمادية والتسجيل الدوائي، إضافة إلى الحواجز والمنع والإغلاق المتكرر، إلا أن الصناعة الدوائية الفلسطينية حققت تقدما وتطورا، حيث تقوم بتغطية السوق الفلسطيني العام والخاص بالدين الآجل أحيانا، حيث فاقت مديونية القطاع الدوائي الـ200 مليون دولار، ولكن تبقى محاولات الاحتلال قائمة للسيطرة من خلال المنتجات الإسرائيلية التي تشكل ما يقارب 25-30% من حصة السوق.

وفي قطاع غزة حيث يبلغ الآن عدد المستشفيات 36 مستشفى و159 مركزا للصحة الأولية و22 مركزا للمنظمات غير الحكومية، بالإضافة إلى مستشفيين ميدانيين أردنيين يُداران من قبل الخدمات الطبية الملكية الأردنية، بينما يبلغ عدد الأسرة 3412 سريرا، ويبلغ عدد العاملين هناك في القطاع أكثر من 16 ألف موظف، ويبلغ عدد المؤمنين صحيا 212 ألف نسمة، كانت البداية مع دار الشفاء عام 1311 وكان يعرف بالبيمارستان الناصري والذي تعرض للنهب والدمار أثناء حملة نابليون وحصار عكا وأعيد بناؤه في عام 1946، والمستشفى المعمداني أيقونة المستشفيات والذي تأسس عام (1882) قبل 180 عاما وقبل قيام دولة الاحتلال بمئات السنين.

وكانت الأردن الدولة العربية الأولى التي قامت ببناء المستشفيات الميدانية العسكرية وتزويدها في فلسطين وغزة منذ عام 2000 و2009 وما زالت عاملة بالرغم من ظروف الحرب والحصار.

وجاء العدوان الوحشي الأخير وحرب الإبادة والتجويع مسبوقا بحصار ظالم على غزة ليقضي على ما تبقى من الحلم الفلسطيني وهو ما زال في المهد  لتخرج معظم المستشفيات من الخدمة وتم نفاد أكثر من 80% من قائمة الأدوية الأساسية و60% من المستلزمات الطبية منذ الشهر الأول للغزو، إضافة إلى ارتفاع الأسعار وعدم القدرة على السداد والدفع ونتيجة للحصار المزمن والاستهداف المتكرر للمستشفيات، حيث أكثر من ثلثي السكان لا يملكون المال قبل الحرب للسداد، ما شكل خطورة على الوضع الصحي وقدرة المريض في الحصول على الدواء وفي غزة، حيث تم التدمير مبكرا وبشكل ممنهج ومنذ بداية الحرب تم تدمير المصنعين اليتيمين والأربع مستودعات  المركزية للأدوية الوحيدة والتي كانت تحوي ما يقارب 200 صنف دوائي لتلبية حاجة المرضى والذي كانا يعملان على تغطية 25% من الاحتياجات وتأمين 90 صنفا من أصل 3000 صنف دوائي، ما أدى إلى خروج القطاع الدوائي مبكرا من كافة أشكال الخدمة، سواء بالتصنيع أو التخزين المتواضع.

وبالتزامن مع القصف المستمر والتركيز على المستشفيات والمساجد وسيارات الإسعاف وأماكن الإيواء المحلية أو التي تتبع للمؤسسات الدولية، فقد بات أهالي غزة تحت القصف والدمار وانقطاع الكهرباء والمياه يعتمدون على المساعدات الإنسانية ومحرومين من الدواء والعلاج، حيث يقومون بشراء الدواء بالدين تحت الحساب إذا توفر ذلك، وانهارت الرعاية الصحية بكافة مستوياتها الأولية والثانوية والثالثة، حيث كانت احتياجات القطاع من الأدوية واللقاحات 45 مليون دولار سنويا.

وباتت غزة مهيئة لثالوث الجوع والأوبئة والموت، حيث تم رصد أكثر من 550 ألف إصابة بالأمراض المعدية، وقد وصلت حالات التهاب الكبد الوبائي أكثر من 30 ألف حالة، غالبيتهم من الأطفال (6700 طفل)، وفي ظل حرمان الأطفال من الحصول على أبسط حقوقهم من الحليب وجود أكثر من 900 ألف نازح في أكثر من 99 مركزا للإيواء، ما يؤدي إلى الازدحام وانتشار الأمراض، إضافة إلى الدمار الذي لحق بأكثر من 80% من المساكن وعدم وجود إحصائية دقيقة عن المفقودين تحت الركام فإننا أمام ليس فقط مجاعة  وكارثة بل أمام مخططات خبيثة قد تقود إلى التهجير وتكرار كارثة كبرى لم تشهدها البشرية وقطاعات الصحة والغذاء والدواء والمستشفيات والإمداد والتزويد ما زالت تصارع الانهيار فإن المبادرة في إنشاء محفظة عربية وإسلامية ودولية لإدارة أزمة القطاع الصحية والغذائية أصبحت ضرورة، وبخاصة أمام صمت ومراوغة دولية لا تلتفت إلى نزيف قطرات الدم ودموع الطفل والكهل الفلسطيني حيث الدمار قد طال الحجر والشجر.

ومع كل هذا الألم وهذه الأرقام المفزعة واليائسة والتي تعتمد على تقارير للمنظمات الدولية وما زال الصمت والخذلان العربي والدولي واستمرار إغلاق المعابر البرية دون مبرر بانتظار إعلان موعد البدء بالعمل بالرصيف البحري المشبوه، وسوف تبقى أي مبادرة دون فتح المعابر وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من غزة دون الطموح، وبغير ذلك فإن الجميع بانتظار موعد توقيت ذبح البقرة الحمراء  الأولى.