لماذا تغيب النقابات المهنية عن ملامسة الشأن العام؟

مبنى مجمع النقابات المهنية في عمان-(أرشيفية)
مبنى مجمع النقابات المهنية في عمان-(أرشيفية)

مع تأسيس النقابات المهنية منذ أكثر من 70 عاما، ظهرت خلالها على أنها الجهة الناطقة باسم قضايا عامة، واقترابها من هموم الشارع، لتغدو لسان حال المواطنين في بعض الأحيان.

اضافة اعلان


حقب عدة عاشتها النقابات، تحولت فيها من الشأن العام إلى السياسي، بعد غياب للأحزاب، ومع دخول الألفية الجديدة، عادت فيها لدورها الطبيعي الذي تأسست عليه، وهو الاهتمام بالقضايا العامة.


وكانت الأحداث التي عاشها الأردنيون في العام 2018، وأدت إلى نهاية الحكومة الثانية لرئيس الوزراء الأسبق هاني الملقي، بمنزلة آخر حدث عام لها، ثم انكفأت على نفسها بعدها، وباتت تهتم أكثر فأكثر بـ"مهننة" نفسها، مبتعدة شيئا فشيئا عن دورها السابق.


نقيب المهندسين الزراعيين السابق عبدالهادي الفلاحات، قال، إن واحدة من مزايا النقابات منذ تأسيسها، ملامستها للشأن العام، لافتا الى أن تأسيسها منذ منتصف القرن الماضي، جاء في ظروف وتحولات، كانت تمر بها المنطقة، مبينا أن أحداثا كنكبة 1948 وحرب 1956، والنكسة عام 1967، أثرت على طبيعتها.


وأوضح الفلاحات، أن من مزاياها أيضا، استقلالية انتخاباتها، وكانت تمثل إرادتها الحرة، مقارنة بنقابات عربية، لم تمتلك هذه الارادة، مبينا أن البرنامج الذي ينتخب وفقه النقباء تاريخيا، له شقان: مهني وعام، اذ يأخذ الأخير جانبا من الحوارات، لأنه يطفو على السطح، خصوصا في الحديث عن الأحداث العامة والسياسية كالحريات أو ما يقع في الاقطار العربية من أحداث، مؤكدا انحياز النقابات للقضايا العربية.


وأكد أن عمل النقابات العام، لم يكن يوما على حساب عملها المهني، مشيرا الى أن النقابات العربية استنسخت التجربة النقابية الأردنية لتطور نفسها وأنظمة المزاولة والتدريب والتأهيل والمشاركة في صناعة القرار بشأن التعليم وتطوير المناهج.


وبين الفلاحات، أن نظرية "الإحلال قائمة، خصوصا أنه عندما يتراجع دور الأحزاب تتقدم النقابات والمؤسسات الأخرى، والعكس صحيح"، مضيفا إن "الأحزاب حاليا في حالة ضعف كبيرة، والنقابات تخلت عن الشأن العام، وبالتالي لم تكن نظرية الإحلال قائمة".


وشدد على أن "النقابات غير قادرة على القيام بدورها المنحاز لوطنها ولحقوق المواطنين والحريات"، وغيرها من المواقف، مبينا أنها تعيش حاليا في فراغ كبير بشأن الشأن العام لتراجع دورها فيه. 


نقيب المحامين السابق مازن ارشيدات، قال منذ تأسست النقابات، كان هدفها سياسيا ومهنيا، بخطين متوازيين لا يتعارضان، مؤكدا أن ظروف تلك المرحلة، حتمت على الناس العمل في السياسة مهما كانت مهنهم.


وأوضح ارشيدات، أن النقابات كانت في ظل الأحكام العرفية، المتنفس الوحيد للمواطنين، في غياب عمل الأحزاب علنا، مبينا أن نقباء النقابات منذ عشرات السنين، كانوا "مؤدلجين"، وبقوا كذلك لحين انتهاء الأحكام العرفية، وبدأ تراجع عمل النقابات السياسي، بداعي المهنية.


وأكد ارشيدات، أنه في العام 2004، بدأ تغيير بوصلة النقابات، باقتصار عملها على الشأن المهني فقط والابتعاد عن القضايا السياسية، لكن مع ظهور الربيع العربي، حصل نوع من التراجع، لكن نتيجة الخلاف في داخلها، وسيطرة تيارات مختلفة عليها، قررت عدم الدخول في القضايا الخلافية، ما أبعدها عن الشأن السياسي.


ولفت إلى أن النقابات، كانت تنفق أموالا طائلة وبطريقة غير صحيحة، إلى أن بات معظمها يشكو من ضعف مالي، بالإضافة إلى أن ظروفا عدة وقوانين صدرت لم تساعدها على زيادة إيراداتها، مضيفا "أن منتسبي النقابات لا يدفعون رسوم اشتراكاتهم السنوية، ويعملون بصورة طبيعية".


وقال إنه من بعد العام 2018، أي بعد الإضراب الشهير الذي نفذته النقابات، بدأت الأصوات تتعالى من أشخاص غير "مؤدلجين" لمهننتها، فباتت مؤخرا تهتم بقضايا تعود عليها بإيرادات مالية.


نقيب الأطباء الأسبق د. أحمد العرموطي، قال إن النقابات كانت سباقة وحاضرة في القضايا العامة والعربية والإقليمية، ولها موقف واضح في هذه القضايا، لكن في السنوات الأخيرة، لوحظ انخفاض اهتمامها بالشأن العام والقضايا السياسية.


وأكد العرموطي، أن هناك "فتورا متزايدا" في جهدها العام، لكثرة مشاكلها وهمومها، لافتا إلى أن الابتعاد عن الاهتمام بالشأن العام، لا يخدم المصلحة العامة، مطالبا بإعادتها إلى سابق عهدها كملاذ للمحتاجين، خصوصا عبر دورها الوسطي الذي يخدم الوطن والمواطنين.


وشدد العرموطي على أن هناك تقصيرا في دعمها في السنوات الماضية، ما أدى لحدوث مشاكل فيها، بدءا من انهيار صناديق تقاعدها إلى ارتفاع مستوى البطالة بين صفوف منتسبيها.


وأوضح أن أعضاء الهيئات العامة للنقابات، هم في النهاية مواطنون، والمجالس النقابية معنية بإيجاد حلول لهم، في ظل ظروف معيشية صعبة يمر بها الجميع.

 

اقرأ المزيد : 

لا تعديلات على "معدل المهندسين".. والمشروع يسير نحو نشره في الجريدة الرسمية