سرطان الثدي.. فتيات "عالقات" بين البوح والكتمان!

انفوغراف - الغد
انفوغراف - الغد
تحقيق: منى أبو صبح عمان- بخلسة تسترق النظر تارة يمنة وأخرى يسرة، تترقب المراجعين ومرافقيهم خوفا من أن يراها أحدهم أثناء وجودها في غرف انتظار تلقي العلاج الكيماوي في مركز الحسين للسرطان. هي الشابة وفاء (اسم مستعار) التي تعيش هواجس عديدة مع ذاتها منذ أن تم تشخيص إصابتها بسرطان الثدي. وفاء (23 عاما)، تعمل في إحدى الشركات الخاصة، قررت مواجهة المرض بمفردها، ولم تخبر والديها بمراحل اكتشاف إصابتها وعلاجها. وذلك بدءا من ظهور الأعراض وشكوكها ومراجعتها للطبيبة النسائية، وخضوعها للفحوصات اللازمة، وانتهاء بإبلاغها أن الكتلة في ثديها الأيمن “ورم سرطاني”، وعليها التوجه لتلقي العلاجات الطبية. حال وفاء وقلقها في القاعة ذاتها، أثار انتباه الناجية آية التي تواجدت لدعم المصابات. فحاولت أن تقترب منها، في محاولة لتذليل مخاوفها وطمأنتها وإخبارها بضرورة التحلي بالعزيمة والإرادة والأمل، إلا أن الشابة لم تتقبل هذه المساندة. اجتمعت الشابة والناجية مرة أخرى، بعد مرور شهر لتلقي العلاج الكيماوي، إلا أن الأولى بادرت بالحديث عن نفسها أمام آية، بعد أن رأت الأخريات المصابات يجتمعن ويتبادلن الأحاديث معا حول تجربتهن بالمرض. تقول آية: “مخاوف وفاء لم تكن من المرض.. بل كانت من المحيطين بها والمجتمع بشكل عام.. الفتاة لم تستطع البوح لأقرب الناس إليها، أو صديقاتها. فكانت تأتي للعلاج بمفردها، وتتغيب عن عملها باختلاق العديد من الأسباب غير الحقيقية؛ تخوفا من أن يطلق عليها مصابة بمرض السرطان!”. شعرت آية بدهشة كبيرة عندما علمت أن وفاء قامت بإخفاء الأمر عن والدتها ووالدها، إلا أنها اضطرت لإخبارهما عندما بدأت بتلقي العلاج الكيماوي، ومع ذلك فضلت ألا يرافقها أحد عند تلقي الجرعات. “كيف سيقدم أحد الشباب على خطبتي؟”.. “لا أستطيع مشاهدة نظرات الشفقة من صديقاتي أو أقاربي أو زميلاتي وزملائي في العمل” فـ“المجتمع لا يرحم”.. تلك بعض من مخاوف عدة تملكت وفاء، بل سيطرت عليها في مراحل علاجها. تؤكد الناجية أن قرار وفاء واختيارها حرمان نفسها من “الدعم النفسي”، الذي يخفف ويهون على المريض كثيرا في مراحل معرفة الإصابة وتلقي العلاج اللازم. وهو ما قابله دور الأطباء والاختصاصيين النفسيين في المركز، الذين حرصوا على مساندتها ودعوتها للاهتمام بصحتها وحياتها أكثر من أي شيء آخر في الحياة. ولعل حال وفاء هو حال بعض الفتيات اللواتي يتم تشخيص إصابتهن بسرطان الثدي بسن مبكرة، وتحديدا قبل ارتباطهن بشريك العمر. وهنا تتفاوت طرق التفكير في اختيار “الملاذ الآمن” لهن.. هل هو البوح أم إخفاؤه عن عيون المجتمع؟، إلا أن الأمر يزداد تعقيدا عندما تقرر الفتاة تجاهل “أعراض” سرطان الثدي؛ لاعتقادها بأن المرض من نصيب كبيرات السن فقط.

“تصورتي”.. نداء وردي للسيدات

“من هن السيدات اللواتي سينقذهن الكشف المبكر؟ هن أمهاتنا، صديقاتنا، بناتنا، هن كل سيدة عزيزة على قلوبنا.. ابنتي رجاء وأنا نتوجه لكل امرأة بأن تقوم بالفحص المبكر فورا لئلا نخسرها دون أي داع”.. هذا أحد النداءات “الوردية”، التي تحرص رئيسة هيئة أمناء مؤسسة ومركز الحسين للسرطان، سمو الأميرة غيداء طلال، على بثها بمنشوراتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وذلك بهدف نشر الوعي عن سرطان الثدي وأهمية الكشف المبكر. وكانت الأميرة، قد أطلقت الحملة العربية السادسة للتوعية حول سرطان الثدي لهذا العام تحت شعار “تصورتي”. وجاءت حملة 2021، لتسليط الضوء على أهمية الأشعة “الماموغرام”؛ لأنها الفحص الأكثر فاعلية للكشف المبكر عن سرطان الثدي. حيث بينت دراسة ميدانية علمية حديثة أجراها البرنامج الأردني لسرطان الثدي، أن وعي النساء يشكل أهمية كبيرة في الكشف المبكر. لكن هناك عوائق تواجههن، مثل الخوف من مرض السرطان، ما يؤثر سلبا على الإقبال على الفحص. وسجل سرطان الثدي لدى النساء الأعلى نسبة بين أنواع السرطانات، بنسبة 38.5 % وبمعدل 2403 حالات للعام 2020، بحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية في الأردن.

مخاوف الفتاة من الدور الاجتماعي

لا يقتصر تأثير سرطان الثدي في الصحة الجسدية فقط، بل يتعداها للصحة النفسية للمريضات وعائلاتهن، وهذا ما يؤكده استشاري الطب النفسي في مركز الحسين للسرطان، الدكتور فالح التميمي. ويقول إن سرطان الثدي حاليا، من أنواع السرطانات التي تقدم بها العلاج كثيرا، وأصبحت المريضة تتعالج بطرق عدة، وتشفى من المرض في حالات معينة. ويشير إلى أن سرطان الثدي، مثل أي نوع من السرطانات في العقل الجمعي المجتمعي، مرتبط بالموت، وهذه الفكرة خاطئة تماما. ويضيف يجب ألا تبقى في مجتمعنا، إضافة إلى أن فكرة استقبال الإصابة “صعبة ومؤلمة” على المريضة، فهناك من تتقبله وتواجهه، والبعض يفضلن إخفاءه، نظرا لعوامل عدة، منها النفسية والاجتماعية. ويشرح التميمي أن الفتاة في عمر “20-30 عاما” تحديدا، عندما تعلم بإصابتها بسرطان الثدي، فإن الاستجابة تختلف من واحدة لأخرى. لكن بشكل عام تظهر مشاعر سلبية، منها: القلق، الحيرة، الارتباك، الغضب، خيبة الأمل وغيرها. وهذا التفكير ترافقه مخاوف أيضا، من نوع العلاج؛ جراحة، أو علاج كيميائي أو علاج إشعاعي أو علاج هرموني، وما لها من تأثيرات مهمة بسبب التغيرات الجسدية المحتملة التي قد تنجم عنه؛ مثل استئصال الثدي وفقدان الشعر.

ماذا نعرف عن الماموغرام المُستخدم لكشف سرطان الثدي؟

اضافة اعلان

ويقول إن هناك مخاوف من الدور الاجتماعي، فهي أنثى وقد تخشى ألا تتزوج أو تقل فرصها في الزواج، وإذا كانت متزوجة تخشى ألا تنجب أولادا، أو تختلف نظرة الزوج لها.

وتفكر كثيرا في أبنائها وهل ستتمكن من رعايتهم والمواءمة بين “العلاج، والبيت، والعمل”. ويضيف أن هناك بعض الفتيات اللواتي يلجأن لإخفاء إصابتهن عن المحيطين؛ وذلك تجنبا لنظرات الشفقة أو الوصمة. وبلا شك، فإن هذه الأفكار والمشاعر خاطئة، إلا أن الفتاة المصابة قد تمر بها، وفق التميمي. ويتابع أن تبديد هذه المشاعر والأفكار لدى المريضة يتم من خلال العلاج النفسي الدائم، والعلاج المعرفي السلوكي، وأحيانا إذا تداخلت هذه الأفكار والمشاعر مع أعراض أخرى، ووصلت لدرجة الاكتئاب أو الفزع، نلجأ لاستخدام الأدوية معها بشكل عام. ويستدرك قائلا: “لا ننسى أن الحالة النفسية تؤثر كثيرا على المناعة وعلاج المصابة، والدراسات أثبتت أن المريضة التي تكون حالتها نفسية جيدة، وتتمتع بمعنويات عالية، يكون علاجها أفضل”.

مها: علم بإصابتي قبل الزفاف.. تزوجنا وتم الطلاق بعد عامين

اكتشاف الإصابة بسرطان الثدي في سن مبكرة لم يكن الصدمة الوحيدة في حياة الشابة مها (اسم مستعار)، بل رافقه موقف الزوج بتطليقها بعد عامين من الزواج، رغم معرفته بإصابتها قبل ارتباطهما. أصيبت مها وهي في عمر التاسعة عشرة، وكانت حينها تسعى لإعادة مواد دراسية في التوجيهي؛ لتتمكن من الحصول على شهادة الثانوية العامة، ولاحظت حينها بروز “كتلة” في أحد الثديين. وتقول “حاولت تجاهل الأعراض عند ظهورها، إضافة إلى أن حالتي النفسية كانت سيئة؛ بسبب الدراسة والسعي نحو النجاح، ومع ذلك شعرت بالقلق جراء هذه الكتلة”. وتوجهت لزيارة عيادة عمها، وهو استشاري أطفال، الذي أوضح أنها قد تكون خربطة في الهرمونات أو كيسا دهنيا، فليس هناك تاريخ وراثي للعائلة بالمرض. ورغم طمأنة العم لمها، إلا أن زيادة حجم الكتلة، تشعر بالقلق، وعليه توجهت لأحد المستشفيات الخاصة، وتم تحويلها لإجراء فحص الألتراساوند، وعليه قرر الأطباء إجراء عملية جراحية لإزالتها. إلا أنها ارتأرت التوجه مع عمها لإجراء العملية في أحد المستشفيات الحكومية، وتمت إزالة الكتلة، وأخذت عينة منها، وتبين أنها “كتلة سرطانية”. وتؤكد مها أن هذه المراجعات جميعها تمت دون علم الأهل، إلا أن ظهور النتيجة النهائية للعينة وشعورها بالخوف، دفعاها لإخبارهم، وبعد محاولة استيعاب الأمر اتفقت مها ووالداها على التوجه لتلقي العلاج في مركز الحسين للسرطان. وتقول: “بعد فحص العينة، قرر الأطباء إجراء عملية تنظيفات، ومن ثم خضوعي للعلاج الكيماوي لمدة عام (8 جرعات)، وتماثلت للشفاء تدريجيا”. وفي إحدى مراجعات مها للمركز، حتى تتمكن من الحصول على دوائها اليومي الذي وصفه الطبيب لها، التقت بالشاب الذي تزوجته وانفصلت عنه فيما بعد. الشاب كان يراجع مع والدته المصابة بسرطان الرحم، وتم الحديث بينهم عن إصابة الأم ومها.

“عقار” يقضي على الخلايا السرطانية

وبعد مرور عام على الزواج، سعت مها وزوجها للإنجاب، وراجعت الأطباء المشرفين على علاجها في المركز، وأجرت التحاليل اللازمة، وتبين أنها في حالة جيدة. نشبت خلافات عدة بين مها وزوجها بسبب تأخر الإنجاب، وكان يردد في كل مرة “إن لم تحملي هذا الشهر سأزعل”، وطلب منها مراجعة الطبيبة لتلقي العلاجات والأدوية اللازمة، واستجابت لرغبته. ولكن وبعد إجراء الفحوصات أكدت لها الطبيبة أنها ليست بحاجة لأخذ العلاجات الهرمونية. تقول مها: “شعر زوجي السابق بغضب كبير عندما أخبرته أني لست بحاجة للأدوية، وطلبت منه أن يقوم بعمل الفحوصات المتعلقة بالإنجاب. إلا أنه رفض الفكرة تماما، وتم الطلاق باليوم ذاته، إلى جانب تلفظه بالعديد من الكلمات القاسية المؤلمة، وللأسف المعايرة بالمرض”. غير أن مها لم تستسلم أمام هذا الواقع، إنما كان حافزا لها لبناء حياة جديدة ممتلئة بضحكات الصغار وبراءتهم، لذلك قررت أن تؤسس مشروعها وهو حضانة منزلية تستقبل فيها الأطفال، تتشارك برفقتهم أوقاتا مميزة تمنحها الطاقة والأمل.

استطلاع لـ”الغد”: 94 % من الطالبات الجامعيات يعلمن بأعراض سرطان الثدي

نتائج تبشر بالخير؛ هذا ما توصلت إليه نتائج استطلاع أجرته “الغد” على عينة قوامها 100 طالبة، في 3 جامعات حكومية، هي: “الأردنية، الهاشمية، والبلقاء التطبيقية”، عند سؤالهن حول معرفتهن بعلامات سرطان الثدي. 94 % من الطالبات أكدن أن لديهن معرفة بعلامات سرطان الثدي، وذكرت كل منهن واحدة أو اثنتين من تلك العلامات؛ مثل تغير في شكل الثدي أو حجمه، ظهور كتلة، إفرازات غير طبيعية، انتفاخات.. وغيرها من الأعراض. وأكدت 41 % من الفتيات أن لديهن معرفة بطرق الفحص الذاتي، سواء عن طريق النظر أو اللمس. وأوضحت طالبات أنهن تلقين هذه المعرفة بطرق مختلفة، منها: المعلومات الطبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والمحاضرات التوعوية من البرنامج الأردني لسرطان الثدي، والبروشورات. وأكدت جميع المبحوثات أنهن سيبادرن للاطمئنان على أنفسهن وإجراء الفحوصات اللازمة في حال ظهور أعراض سرطان الثدي “لا قدر الله”، ورغم عدم معرفة 6 % من الطالبات بأعراض سرطان الثدي، إلا أنهن أكدن أنهن سيبادرن للاطلاع والمعرفة.

8000 سيدة خضعن للفحص في الحملة

شهد الإقبال على إجراء فحوصات سرطان الثدي بشكل عام خلال حملات تشرين الأول (أكتوبر) من هذا العام ازديادا واضحا> وهذا ما تؤكده رئيسة وحدة التواصل والتسويق المجتمعي في البرنامج الأردني لسرطان الثدي، رشا فخر الدين، مشيرة إلى خضوع نحو 8000 سيدة لفحص الماموغرام في الحملة، وهذا الرقم تجاوز أرقام الأعوام السابقة. وتقول إن الحملات التوعوية لها أثر كبير جدا في تغيير السلوكيات المجتمعية، من خلال زيادة الوعي بأهمية الكشف المبكر، واكتشاف الإصابات بمراحل مبكرة، إن وجدت. وتشير فخر الدين إلى أن الخوف هو من أكبر المعوقات التي تمنع الفتيات والسيدات من الإقدام على عمل الفحوصات تجنبا لـ: المرض، النتيجة، رأي المجتمع، موقف الزوج، وأسباب أخرى، لذلك تتردد أو تمتنع عن عمل الفحوصات. وعن دور البرنامج الأردني لسرطان الثدي في تنظيم حملات التوعية بشكل عام والجامعات بشكل خاص، توضح أنه يتم تدريب الفتيات والسيدات على عمل الفحص الذاتي من خلال المحاضرات التي تقوم بها مثقفات ومدربات البرنامج. وتلفت إلى أنه يتم تنظيم أكثر من 2000 محاضرة في العام الواحد في أنحاء المملكة جميعها، وبالتأكيد من ضمنها ما يخصص للطالبات والكادر التدريسي في المدارس والجامعات. فضلا عن أنه يتم تدريبهن على كيفية عمل الفحص الذاتي للثدي، إضافة إلى تأكيد أهمية عمل الفحوصات الأخرى. وتبين : ”لا ننسى دورهن المهم في تشجيع أمهاتهن وأخواتهن والمحيطات بهن على إجراء فحص الماموغرام بعد سن الأربعين”. وتوضح “نكثف عملنا في الجامعات، إذ نقدم تدريبات للتوعية بسرطان الثدي في 5 الى 6 جامعات كل عام، قبل إطلاق الحملة التوعوية السنوية، حتى نذكر بأهمية دورها، والمسؤولية المجتمعية التي تقع عليها، بصفتها جامعة، في نشر الرسائل التوعوية”.

قتيبة: تجاهل أعراض السرطان.. لا يعني التخلص منه

مديرة الكشف المبكر عن سرطان الثدي في مركز الحسين للسرطان، يسار قتيبة، تقول: “مع زيادة التوعية بسرطان الثدي، بدأت السيدات بالاهتمام بصحتهن أكثر. ويبادرن للاطمئنان على أنفسهن بالفحص، ومع ذلك تأتي سيدات لديهن كتلة بحجم 4 سم أو 4 ونصف، وقد بدأت الأعراض لديهن قبل عام أو أكثر”. وتؤكد قتيبة: “نحن دائما نقوم بتذكير الفتيات والسيدات بأن تجاهل المرض لا يعني التخلص منه، فإذا كان موجودا “لا قدر الله” لن يختفي في حال عدم الإفصاح عنه وإجراء الفحوصات. وكما نذكر دائما بأنه في حال الكشف المبكر، فإن نسبة الشفاء تصل إلى 98 %”. وتتابع “وهنا نبتعد عن تكاليف إضافية في العلاج، إلى جانب تجنب إزالة الثدي، فالكشف المبكر له آثار إيجابية عديدة، على عكس الكشف في المراحل المتقدمة”. وتوضح أن 80 % من مشكلات الثدي ليست لها علاقة بالسرطان، وحميدة، لكن هذا لا يعني ألا تخضع السيدة لإجراء الفحوصات اللازمة؛ وذلك لإزالة الشكوك، من خلال الفحص السريري أو تصوير الألتراساوند، خاصة بعد سن الـ35 أو الـ40 فإنه يجب إجراء فحص الماموغرام، مع صورة أشعة الألتراساوند. [caption id="attachment_1091999" align="alignnone" width="1600"]انفوغراف - الغد انفوغراف - الغد[/caption] وتقول قتبية “إن السرطان ورم خبيث، ويصيب المرء في أي مرحلة عمرية، وعليه فإنه يجب ألا تنتظر الفتاة في سن الـ20 أو الـ30 عند ظهور أعراض سرطان الثدي، بل عليها المبادرة لعمل الفحص والاطمئنان على نفسها. وكانت قد بينت دراسة حديثة أجراها باحثون في الوكالة الدولية لأبحاث السرطان، أن الفتيات ممن أصبن بسرطان الثدي في سن مبكرة، تكون احتمالات انتقال المرض لأجزاء من الجسم لديهن أكبر، بحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية. ووجدت الدراسة أن خطر انتشار سرطان الثدي إلى جزء آخر من الجسم يتراوح بين 6 % و22 % بشكل عام. وأشار الباحثون إلى أن بعض النساء يواجهن خطراً أكبر لانتشار السرطان لباقي أجزاء جسدهن، مقارنة بغيرهن، بما في ذلك النساء دون سن 35 عاماً. وأوضح الفريق أن خطر انتشار هذا المرض إلى جزء آخر من الجسم لدى النساء اللواتي أصبن بالمرض لأول مرة تحت سن 35 يتراوح بين 12.7 % و38 %. وعليه، تؤكد قتيبة “يجب أن تتابع المرأة نفسها دائما، والخضوع للفحوصات اللازمة، فهناك فحوصات بالماموغرام يظهر بها وجود كتلة، في الوقت الذي لم يتم كشفها بالفحص السريري؛ نتيجة عمق الجلد، أو كبر حجم الثدي”. وترى قتيبة أن العديد من كبيرات السن ما يزلن يخشين إجراء الفحوصات، إلا أن الشابات حاليا أكثر وعيا، ويبادرن بالفحص السريري. وتوضح قتيبة “عندما تأتي الفتاة للفحص نطمئنها بأن نسبة اكتشاف سرطان الثدي قليلة. وتتابع بعد الفحص نطلعها على النتيجة “مصابة أو غير مصابة”، وحتى إن كانت غير مصابة نقوم بفحص الكتلة، هل هي دهنية أو ليفية أو من الأكياس المائية”. وتلفت الى أن هناك فتيات لديهن أكياس على المبايض تؤثر على الهرمونات الأنثوية، وهنا يجب التوجه للطبيبة النسائية لإجراء الفحوصات اللازمة، ومعرفة إن كانت هناك “كتل” في فحص الألتراساوند. وتوجه قتيبة دائما الفتيات وفي أي مرحلة عمرية، لاتباع النظام الصحي في الطعام، وممارسة الرياضة، والإقلاع عن التدخين، والتخلص من السمنة. كما تنصح بضرورة إجراء الفحص الذاتي شهريا بطريقة النظر أو اللمس “ثاني أسبوع بعد انتهاء الدورة الشهرية، وفي الوقت ذاته في الشهر المقبل، وهكذا”.

ناجية تتسلح بالإيمان وشغف الحياة وتبثه للمصابات صغيرات السن

الناجية غفران حجازي (33 عاما)، تسلحت بالإيمان والإرادة وشغف الحياة، وانتصرت على سرطان الثدي بعد أن تم تشخيص إصابتها به، وهي بعمر مبكر (28 عاما). وهي اليوم في صفوف الناجيات اللواتي يساندن المصابات، وتحديدا صغيرات السن، برسم خطوط النجاة. تعترف حجازي بأنها تجاهلت علامات ظهور “كتلة” في ثديها الأيسر بداية الأمر، إلا أن مخاوفها زادت يوما تلو الآخر، خصوصا وأنها حامل في الشهر الثالث. وبناءا عليه اتجهت لطبيب أشعة تشخيصية لإجراء الفحوصات، وبعد إجراء فحص الألتراساوند، تمت طمأنتها بأن معظم “الكتلة” ألياف، ولا تشكل خطرا، لذا يمكن إزالتها أو إبقاؤها. خطأ طبي، أسهم في زيادة حجم الكتلة لدى حجازي، لكن مخاوفها وحرصها على نفسها كانا أكبر، فاتجهت إلى طبيب نسائية، وبعد المعاينة وتحويلها لإجراء الفحوصات، انتهت بأخذ خزعة من الثدي، حينها تبين أن الكتلة “ورم خبيث”، وبدأت رحلة العلاج. حيث أجهضت حجازي؛ نظرا لضرورة تلقيها العلاج الكيماوي، مبينة أنها في ذلك الوقت تناست “صدمتها” بالمرض، بل كانت آلامها جراء فقدان جنينها. “عائلتي وزوجي.. دعماني بشكل كبير”، وتستذكر اليوم الذي ثبتت إصابتها به، واتجهت على الفور لمنزل عائلتها، التي خففت كثيرا من صدمتها وحزنها. ولم تشعر يوما بأن زوجها تغير أو شعر بالاستياء، بل حرص دائما على دعمها بالكلمات الطيبة، حتى في أثناء ارتدائها باروكة الشعر، وقال لها: “شكلك أحلى من دونها.. انزعيها”، وهذا الأمر كان يسعدها كثيرا. وعي حجازي بضرورة الاهتمام بالناحية النفسية من أهم خطوات العلاج وأسهم بمحاربتها للمرض. فكانت تردد في نفسها: “عليّ أن أشحن طاقتي كل يوم وألا أستسلم للمرض”، إضافة إلى أنها وظفت مهاراتها في عمل المشغولات اليدوية بصفتها وسيلة للتغلب على أي مخاوف أو إحباط قد يتسلل لنفسها. تعافت حجازي تدريجيا، وعندما توقفت عن تلقي الأدوية والعلاجات الهرمونية، أنجبت طفلتين، وانضمت للعديد من مجموعات “واتساب” التي خصصت للمصابات. وذلك بهدف الحديث عن تجاربهن مع المرض، إذ تحرص على تبديد المخاوف والأفكار السلبية لدى الفتيات اللواتي يصبن بعمر الورد. وترفض حجازي فكرة التكتم على المرض، وتعمد لمشاركة الأخريات تجربتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وعمدت لنشر قصتها عبر صفحتها الشخصية، وتراها فرصة للتخلص من مشاعر الإحباط أو القلق، ما يساعد على منحها القوة والطاقة الإيجابية.

غرايبة: يجب ترسيخ القناعة بأن سرطان الثدي ليس من الأمراض المتمركزة

رغم أن هنالك العديد من النماذج الإيجابية التي تحارب يومياً هذا المرض الخبيث، اللواتي يتحدين المصاعب والعوائق التي تواجههن كلها، إلا أن النظرة السلبية للإصابة بهذا المرض ما تزال موجودة في المجتمع. الاستشاري الاجتماعي، الدكتور فيصل غرايبة، يقول إن النظرة السلبية تبدلت للفتيات من مرضى سرطان الثدي، بترسيخ القناعة بأن هذا المرض ليس من الأمراض المتمركزة. ويمكن التعامل معه بالعلاج المناسب؛ تمهيدا للتخلص منه نهائيا، مع توفر الثقة والاطمئنان لدى الفتاة المصابة، ويتولى ذلك الجهد الزوج والأسرة والطبيب والمرشد الاجتماعي. وهنا يأتي دور الإعلاميين في مختلف الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة، لنشر هذه المعلومة وهذه القناعة، وأن تتضمن مقابلات مع الشافيات، وفق غرايبة. ويبين أن هناك فتيات يصبن في سن مبكرة، وتخشى الفتاة حينها الإفصاح عن مرضها، وأحيانا يكون ذلك على حساب علاجها وصحتها. وهنا يأتي دور الأهل والأصدقاء والزوج في بذل جهودهم الحثيثة والمستمرة لتوليد القناعة وبث الثقة والاطمئنان لدى هؤلاء الفتيات، والاستشهاد بروايات اللواتي شفين من الداء. وعن دور الخدمة الاجتماعية الطبية في هذا المضمار، يقول: تمثل الخدمة الاجتماعية الطبية، التعامل المهني لنظام الرعاية الاجتماعية في القطاع الطبي الصحي. إلى جانب المصابات بسرطان الثدي من الفتيات، وهي تسعى من خلال الاختصاصي الاجتماعي إلى تكوين علاقة مهنية مع المرضى. ويأتي ذلك؛ بقصد مساعدة المرضى على التخلص من المرض والتماثل للشفاء، وإزالة المشاعر السلبية التي يعانيها المريض، كالشعور بالنقص أو الحرمان، أو أي أمراض نفسية. وهو ما قد يؤثر على سير خطة العلاج، ومساعدة المريض على تحديد احتياجاته، وتحديد مشكلته واقتراح الخطة المناسبة لمواجهتها بالاعتماد على نفسه.