الرواية الرسمية لـ"حماس" (2)‏

‏صورة من وثيقة "روايتنا: طوفان الأقصى" - ‏‏(المكتب الإعلامي لحماس)‏
‏صورة من وثيقة "روايتنا: طوفان الأقصى" - ‏‏(المكتب الإعلامي لحماس)‏

أسعد أبو خليل* - (كونسورتيوم نيوز) 7/3/2024
هذا هو الجزء الثاني من مقالة من جزأين للكاتب أسعد أبو خليل، بعنوان "الرواية الرسمية لحماس"، المنشورة بالإنجليزية على موقع "كونسورتيوم نيوز"‏. وقد نُشرت ترجمة الجزء الأول من المقالة في "ترجمات" صحيفة "الغد"، عدد 6 شباط (فبراير) 2024 تحت عنوان "الرواية الرسمية لـ’حماس‘".

اضافة اعلان


كتب أبو خليل في الجزء الأول:

 


في الآونة الأخيرة، أصدر المكتب الإعلامي لحركة "حماس" ‏‏وثيقة خاصة‏‏ بعنوان "هذه روايتنا: لماذا طوفان الأقصى". وفي هذه الوثيقة، تشرح الحركة بالتفصيل دوافعها وأهدافها من العملية".

 

وأشار إلى أنه‏ من غير المرجح أن تحظى هذه الوثيقة باهتمام وسائل الإعلام والحكومات الغربية، لأن رواية "حماس" لأحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر) تتعارض مع الدعاية التي تنشرها إسرائيل وتشارك في نشرها ‏‏الحكومات ووسائل الإعلام الغربية". لكنه هناك في الوثيقة، كما يرى أبو خليل، "ما يكفي للإعلان عن ولادة "حماس" جديدة، تفصم العرى مع سنوات تأسيسها الأولى".‏


وفي هذا الجزء، يبحث الكاتب في الكيفية التي تعبر بها حركة حماس" عن الإحباط وخيبة الأمل اللذين يشعر بهما المواطنون العرب من فكرة العدالة الدولية.‏‏ والسياق الذي وضعت فيه الحركة هجومها على الكيان في 7 تشرين الأول (أكتوبر).
*   *   *
‏‏على النقيض من الروايات الغربية عن حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة، تقوم الرواية الرسمية لـ"حماس" (التي أصدرتها الحركة كوثيقة خاصة ‏‏باللغتين العربية‏‏ ‏‏والإنجليزية‏‏) ببناء السياق الذي تم فيه تصوُّر وإطلاق هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر).


‏بالنسبة للعرب، يبدأ السياق بالغزو الصهيوني لفلسطين والرعاية البريطانية لهذا المشروع في الأرض المقدسة. وبالنسبة للروايات الحكومية والإعلامية الغربية، بدأ كل شيء فقط يوم السبت، 7 تشرين الأول (أكتوبر): كل شيء كان هادئًا على جبهة غزة قبل ذلك اليوم. ولم يحدث أي شيء قبله.


في الحقيقة، تقوم الدعاية الإسرائيلية بنشر صور لغزة قبل الحرب، تقوم بتقديم القطاع فيها كجزيرة منتجع، تملأ فيها الشواطئ والمتنزهات ومدن الملاهي والترفيه المشهد.

لكن ‏الوقائع تحكي قصة مختلفة.


‏تعتمد حماس في روايتها على ما تصفه بأنه "دراسات إحصائية موثقة"، يتبين منها أنه بين العامين 2000 و2023، "قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي 11.299 فلسطينيًا وجرَح 156.768" آخرين (تبدو الأرقام مبالغًا فيها، لكن ذلك لا ينتقص من حقيقة أن إسرائيل كانت عاكفة على قتل الفلسطينيين بشكل منتظم ومستمر منذ ما قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر)، ومنذ ما قبل العام 2005 ومنذ ما قبل العام 2000). ‏


وتذكِّر حماس بأن الولايات المتحدة لم تعرب في أي وقت على الإطلاق عن أي أسف أو تعاطف مع معاناة الفلسطينيين، بل استمرت في رعاية الاحتلال والعدوان الإسرائيليين على مدى سنوات طويلة من الاعتداءات والمجازر ضد الفلسطينيين.


‏سوف يجد هذا التذكير صداه بين العرب، لكنه لن يؤثر مطلقًا على الضمير الغربي، لأن العنصرية كانت دائمًا أحد محددات السياسة الخارجية الغربية تجاه المنطقة. بالنسبة لهم في الغرب، لم تكن حياة العرب مهمة في أي يوم مثل حياة الإسرائيليين.‏


‏تستشهد وثيقة حماس‏‏ (باللغة الإنجليزية) بتقارير الأمم المتحدة -وحتى تقارير منظمة "هيومن رايتس ووتش" التي لها تاريخ من انعدام الحساسية تجاه الفلسطينيين والعرب.


لا أعتقد شخصيا أن من المفيد بشكل خاص للناس الذين يعيشون تحت الاحتلال الاستشهاد بتقارير "هيومن رايتس ووتش" لأن المنظمة تعمل في النهاية كذراع للإمبريالية الغربية. وكانت منظمة "هيومان رايتس ووتش" نفسها هي التي خلقت التكافؤ الزائف بين عُنف القائم بالاحتلال والكفاح المسلح للخاضعين للاحتلال. ‏


‏وحسب المنظمة، يجب أن يقابَل كل تقرير عن العدوان وجرائم الحرب الإسرائيلية بتقرير عما تصفه بجرائم الحرب التي ارتكبها السكان الأصليون، وبالتالي إبطال القيمة القانونية وتقويض الحكم الأخلاقي لجرائم الحرب الإسرائيلية، مهما كانت ضخمة ومتكررة.


‏بل إن حماس تستشهد بتباهي إسرائيل بتجاهلها لتقارير الأمم المتحدة حول انتهاكاتها لحقوق الإنسان.


فشل القانون والعدالة الدوليين

 


‏تعبر رواية حماس عن إحباط وخيبة أمل العرب من فكرة العدالة الدولية. وكان اندلاع أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر) ثورة ضد الإيمان بالقانون والعدالة الدوليين.


‏عززت الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة حقيقة عبثية الاعتماد على المنظمات والمعايير الدولية. وأثبت تقرير "محكمة العدل الدولية" عدم فعاليته على الإطلاق في إدارة القيود القانونية الدولية على الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل.‏


كانت حماس محقة في إشارتها إلى أن التحالف الغربي لطالما اعتبر إسرائيل دولة فوق القانون، وأن هذا التحالف سمح لها بتجاهل جميع المعاهدات والقرارات الدولية المتعلقة باحتلالها لفلسطين. ‏وكانت الولايات المتحدة قد غزت العراق باسم تنفيذ قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بينما واصلت على الدوام حماية إسرائيل من المطالب بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن فلسطين.
‏تنتقد حماس بشكل غير مباشر أسطورة الدولتين عندما تذكِّر القراء بأن إسرائيل رفضت رفضًا قاطعًا إقامة دولة فلسطينية. (حتى أن الحمائمي المزعوم، إسحاق رابين، لم ينطق أبدًا بعبارة "الدولة الفلسطينية" في حياته، وهو الذي كان يُفترض أن يكون "رجل السلام").


إجراء الملاذ الأخير

 


‏تقدم الوثيقة حجة شبه قانونية لإجراء الملاذ الأخير الذي اتخذته حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023.‏
‏وتذكر أن أسبابها لشن الهجوم تستند إلى الحقائق الآتية:


‏1) إجهاض كل آمال العودة والتحرير بعد 75 عامًا من "المعاناة والاحتلال"، و"النتائج الكارثية التي أسفرت عنها ’عملية السلام‘".


‏2) تهويد قطع الأراضي والتقسيمات "المكانية والزمانية" في المسجد الأقصى و"زيادة وتيرة الاقتحامات الاستفزازية التي يقوم بها المستوطنون" للمسجد؛ ممارسات الائتلاف الصهيوني اليميني المتطرف المتمثلة في إحكام السيطرة على الضفة الغربية ووضع اللمسات الأخيرة على ترسيخ السيادة الإسرائيلية على القدس، وكذلك خطة طرد الفلسطينيين من الضفة الغربية؛ التجاهل الدولي لمحنة آلاف الأسرى الفلسطينيين؛ تجاهل "الحصار الجائر" المفروض على قطاع غزة، التي تُركت "لتموت موتًا بطيئًا"؛ الزيادة في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية بوتيرة متسارعة وتصاعد عنف المستوطنين وجرائمهم؛ التقاعس عن تحقيق أمل 7 ملايين فلسطيني (في الشتات) بالعودة إلى وطنهم؛ وعجز "المجتمع الدولي" عن إقامة دولة فلسطينية. 


وضعت حماس هجومها يوم السابع من تشرين الثاني (نوفمبر) في سياق "رد وطني" على هذه الممارسات و"التعبير عن مبادرة الشعب" إلى "الدفاع عن حقوقه وأرضه وأماكنه المقدسة".


‏وتؤكد حماس بثقة أن عمليتها كانت "خطوة ضرورية وردا طبيعيا" على المخططات الإسرائيلية التي تهدف إلى "تصفية القضية الفلسطينية". ‏‏وتستعير وثيقة حماس هذه المصطلحات اليسارية والأدبيات السياسية التي استخدمتها "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" في سبعينيات القرن العشرين، وهو ما يدل على أن الخطاب السياسي للحركة أصبح أقل إسلامية بشكل ملحوظ ومناهضًا للاستعمار بشكل متزايد.‏


بعد ذلك، تسرد الوثيقة أهداف الحركة على النحو الآتي: إنهاء الحصار المفروض على غزة؛ التخلص من الاحتلال؛ استعادة الحقوق الوطنية؛ تحقيق "الاستقلال والحرية"، فضلاً عن حق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس.


‏(من الجدير بالملاحظة هنا أن حماس لا ترسم حدودًا للدولة الفلسطينية المحتملة، وما إذا كانت تشمل الضفة الغربية وغزة والقدس فقط أم أنها يمكن أن تكون تشمل من ذلك).‏


تجنب المدنيين‏

 


في ما يتعلق بتنفيذ عملية 7 تشرين الأول (أكتوبر)، أوضحت حماس في الصفحة الثامنة من الوثيقة أنها تجنبت دائمًا استهداف المدنيين. وقد لا يكون هذا صحيحًا لأن التفجيرات الانتحارية، وإن لم تكن تستهدف المدنيين بالضرورة، لا تميز بين الأهداف المدنية والعسكرية.


وذكَّرت حماس جمهورها بأنها أطلقت، بعد مذبحة الخليل (التي نفذها إسرائيلي) في العام 1994، مبادرة دعت فيها إلى تجنب استهداف المدنيين في الحرب. وقالت إنها كررت هذا العرض بينما تجاهلته إسرائيل واستمرت في قتل المدنيين الفلسطينيين.


وقالت حماس إنه في ليلة 7 تشرين الأول (أكتوبر) "ربما كانت هناك بعض الأخطاء أثناء تنفيذ عملية ’طوفان الأقصى‘" بسبب الانهيار الكامل والسريع للنظام العسكري والأمني الإسرائيلي، وأن بعض الفوضى حدثت بعد التسلل عبر السياج وتجاوز الأجهزة الأمنية الفاصلة بين غزة ومنطقة العمليات داخل إسرائيل.‏


‏وتنفي الوثيقة الأكاذيب والافتراءات التي أحيلت كلها إلى مصادر إسرائيلية. وتذكر الوثيقة أمثلة على الأكاذيب الإسرائيلية المكشوفة، وتستشهد ‏‏بموقع "موندوويس".‏‏ ويُظهر هذا القسم من الوثيقة تحولاً كبيرًا في استراتيجية الإعلام والدعاية للحركة.


‏بالإضافة إلى تراجع المكون الديني في الخطاب، أصبحت حماس الجديدة بزعامة يحيى السنوار أكثر حساسية للرأي العام العالمي، خاصة في ما يتعلق بإلحاق الأذى بالمدنيين.


ونفت الحركة بشكل قاطع القصص عن الاغتصاب، على الرغم من أن وسائل الإعلام الغربية أحجمت عن نقل هذا النفي لأنه يتعارض مع الروايات التي زرعتها إسرائيل.


‏كما تشير حماس، محقّة، إلى روايات تم التحقق منها أفادت بأن النيران الإسرائيلية قتلت العديد من الإسرائيليين في تلك الليلة، تمامًا كما قتلت إسرائيليين في وقت لاحق خلال القصف الوحشي والعشوائي لغزة. ‏


‏لم ترتكب حماس و"حزب الله" أبدًا في تاريخهما كله جرائم جنسية معروفة، لأن قانونهما الديني الأخلاقي يحظر بشدة مثل هذه الأفعال. وبالإضافة إلى ذلك، تجادل الوثيقة بأن العديد من المدنيين الإسرائيليين هم في الواقع مستوطنون مسلحون أو جنود احتياط في جيش الاحتلال.


ومن الجدير الانتباه أن حماس أعلنت استعدادها للقبول بإجراء تحقيق مستقل ونزيه، وأعربت عن ثقتها بأنها ستثبت براءتها.


‏في الوثيقة، تدعو حماس الولايات المتحدة وألمانيا وكندا والمملكة المتحدة، على وجه الخصوص، إلى السماح للمحكمة الجنائية الدولية بإجراء تحقيق في الجرائم التي ارتكبت في هذه الحرب. وبطبيعة الحال، لن تسمح الولايات المتحدة ولا إسرائيل للمحكمة الجنائية الدولية بإجراء تحقيق يكون من شأنه أن يوثق بشكل حتمي الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل.‏


‏في النهاية، تحيّي الوثيقة "الأحرار من جميع دول العالم" (بغض النظر عن الأديان والجنسيات والتوجهات). وهذا يؤكد الاتجاه الجديد للحركة على خطى "حزب الله"، ويبين أن الحركة أدرجت في برنامجها خطاب الحركات التقدمية واليسارية والتحررية.


‏لم تحظ هذه الوثيقة بأي اهتمام يُذكر في الصحافة الغربية لأن الغرب يعامل إسرائيل على أنها صادقة، والعربَ على أنهم كاذبون: نفس الكليشيهات الاستشراقية القديمة.‏

*أسعد أبو خليل As’ad AbuKhalil: أستاذ لبناني أميركي للعلوم السياسية في جامعة ولاية كاليفورنيا، ستانيسلاوس. وهو مؤلف لكتب عدة، منها "المعجم التاريخي للبنان" Historical Dictionary of Lebanon (‏‏1998‏‏)؛ ‏‏و"بن لادن، الإسلام وحرب أميركا الجديدة على الإرهاب" Bin Laden, Islam and America’s New War on Terrorism؛ (2002). و"المعركة من أجل السعودية" The Battle for Saudi Arabia؛ (2004). أدار ‏‏مدونة ‏‏"العربي الغاضب‏‏" The Angry Arab الشهيرة.


*نشر هذا المقال تحت عنوان:AS`AD AbuKHALIL: Hamas’ Official Account

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

 

الرواية الرسمية لـ"حماس"‏