لماذا لن تتغير إسرائيل؟

1702601362619989900
جنود في أسدود يدفنون المقدم أول جيل دانيالز الذي قتل في غزة، 6 كانون الأول (ديسمبر) 2023 - (أرشيفية)

من المرجح أن تؤدي الحرب في غزة إلى تعزيز جنوح البلاد نحو اليمين. ويغلب أن يذهب نتنياهو وأن يتولى غانتس رئاسة الوزراء.

 

اضافة اعلان

وبفضل سجل غانتس العسكري الطويل وانضمام أعضاء سابقين من حزب "الليكود" إلى حزبه، أصبح يتمتع بشرعية بين أوساط اليمين وسيرغب في الحفاظ عليها.

 

وعلاوة على ذلك، لا يوجد في خطاب غانتس ما يشير إلى أنه سينجرف بصورة كبيرة بعيداً عن النهج الحالي الذي يتبعه اليمين إزاء المشكلة الفلسطينية. وبالنظر إلى تاريخه، لم يدعم غانتس علناً حل الدولتين أو أي حل سياسي للقضية الفلسطينية، لا أثناء ترشيحه ولا منذ انضمامه إلى حكومة الحرب الحالية.

*   *   *
منذ اللحظة التي اخترقت فيها حركة "حماس" الفلسطينية السياج الأمني الإسرائيلي على حدود غزة في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي وبدأت هجومها المدمر، بدا أن إسرائيل توشك أن تشهد تغيراً جذرياً. وفي غضون ساعات، اضطر الإسرائيليون إلى مواجهة حقيقة انهيار عدد من الافتراضات التي لطالما وجهت السياسة الإسرائيلية المعتمَدة إزاء الفلسطينيين.


لقد فشلت سياسة حصار غزة التي اتبعتها الدولة منذ 16 عاماً في جعل الإسرائيليين آمنين، وعوضاً عن ذلك، تشجعت إسرائيل على التقاعس تحت تأثير حسابات الحكومة بأنها قادرة على دفع "حماس" إلى تبني نهج واقعي براغماتي، سواء من خلال السماح بتمرير التمويل القطري للحركة، أو من خلال منح تصاريح عمل للغزاويين.

 

وثبت أن الاعتقاد بأن غالبية التهديدات التي تشكلها "حماس" يمكن التخلص منها من خلال المراقبة التقنية العالية والحواجز العميقة تحت الأرض ونظام دفاع "القبة الحديدية" الصاروخي، كان خاطئاً تماماً.


وعلى نطاق أوسع، سلطت تلك الهجمات التي شنتها حماس الضوء على الفشل الذريع لفكرة أنه من الممكن تهميش القضية السياسية الفلسطينية إلى أجل غير مسمى من دون أي كلفة على إسرائيل.

 

وكان هذا الاعتقاد راسخًا جداً بين عناصر القيادة الإسرائيلية لدرجة أن المعلقين وجدوا له أسماء على غرار "إدارة الصراع" أو "تقليص حجم الصراع". وهكذا، لم تحصل على مدى أعوام أي مفاوضات إسرائيلية فلسطينية حول اتفاق سلام نهائي، على الرغم من سعي إسرائيل إلى التطبيع مع عدد متزايد من الدول العربية.


على مدى أكثر من عقدين من الزمن، أكدت الأحزاب اليمينية المهيمنة على المشهد السياسي الإسرائيلي للناخبين على أن البلد أكثر أمناً الآن مما ستكون عليه في ظل أي سياسة أخرى، ووافق الناخبون بغالبيتهم على ذلك. ولكن، أدى هجوم "حماس" في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) إلى انهيار هذا الوضع السائد.


ومع ذلك، هناك جانب حاسم تواصل إسرائيل إظهار الثبات فيه. فعلى الرغم من أن الإسرائيليين يلومون قيادة البلاد على الإخفاقات الأمنية الكارثية التي ظهرت خلال الهجمات، من غير المرجح أن يتغير توجههم السياسي الأساس، وقد يضطر رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، إلى الاستقالة عندما تنتهي الحرب، إن لم يكن قبل ذلك، لأن هذه الحرب ليست لها نهاية واضحة.


ولكن، وفق ما أظهر التاريخ الإسرائيلي مراراً وتكراراً، وخصوصاً في العقود الأخيرة، فإن فترات الحرب أو العنف الشديد مثل التي تحدث حالياً لم تؤد إلا إلى تعزيز الميل نحو اليمين في السياسة الإسرائيلية.

 

وإذا استمر هذا النمط الآن، فربما ينتخب الإسرائيليون حكومة جديدة، لكنهم قد يستمرون في تأييد الافتراضات الخاطئة نفسها التي حددت هذا الميل وأسهمت في تشكيل الأزمة الحالية.


إلقاء اللوم على القائد

 


من غير المستغرب أن يلقي عدد من الإسرائيليين اللوم في الفشل الأمني الكارثي الذي شهدته البلاد على نتنياهو، الرجل الذي في القمة.

 

لكن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أنهم يعبرون عن معارضتهم في وقت تخوض فيه إسرائيل واحدة من أصعب حروبها منذ عقود.

 

وهكذا، شهدنا في الأسابيع التي تلت الهجوم تظاهرات عدة تطالب نتنياهو بالاستقالة.

 

وأيد هذا المطلب يائير لبيد، رئيس المعارضة، وبعض عائلات الضحايا الذين قتلوا أو اختطفوا على يد "حماس".

 

وفي هذا الإطار، تشير بعض استطلاعات الرأي إلى أن نتنياهو سيُمنى بهزيمة نكراء إذا أجريت الانتخابات الآن.


وحتى في استطلاع أجري في يومي 22 و23 من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بعد أن أعلنت الحكومة صفقة لإطلاق سراح بعض الرهائن بدا أنها يمكن أن تعزز موقفها، تبين أن الائتلاف الحاكم سيخسر 23 مقعداً من مقاعده الـ64 في الكنيست (من أصل 120 مقعداً هي مجموع مقاعد الكنيست).


وقد انخفض الدعم لحزب "الليكود" الذي يتزعمه نتنياهو بصورة كبيرة. وفي الواقع، تشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب "الليكود" سيخسر ما يقرب من نصف مقاعده في الكنيست البالغ عددها 32 مقعداً إذا أجريت الانتخابات الآن.

 

وربما يكون من أكثر الأمور إثارة للدهشة أن ما يفوق ثلاثة أرباع الإسرائيليين يعتقدون أن نتنياهو يجب أن يستقيل بعد الحرب -أو حتى أثناءها.


تتناقض هذه الأرقام بشكل صارخ مع موجة التأييد التي يحظى بها في العادة معظم القادة حينما تتعرض بلادهم للهجوم أو تكون في حال حرب؟ ومن الأمثلة البارزة على ذلك الدعم واسع النطاق الذي تلقاه الرئيس الأميركي، جورج دبليو بوش، من الأميركيين في أعقاب هجمات 11 أيلول (سبتمبر) في العام 2001.

 

كما ازدادت شعبية القادة الأميركيين إلى مقدار الضعفين خلال حرب الخليج 1990-1991، وحرب العراق التي بدأت في العام 2003.

 

وعلى نحو مماثل تمتع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بارتفاع هائل في شعبيته بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في العام 2022.


وفي المقابل، بالنسبة للإسرائيليين، ليس الانقلاب على قادتهم في زمن الحرب بالأمر الجديد، وكثيراً ما شعر الناخبون في البلاد بعدم الرضا عن حكومتهم بعد اندلاع الحرب، بغض النظر عن التوجه السياسي للأحزاب الحاكمة.

 

في العام 1973، ألقي اللوم على رئيسة الوزراء حينذاك، غولدا مائير، لفشلها في توقع الهجوم المصري الذي أدى إلى اندلاع حرب "يوم الغفران"، وأزيحت في النهاية من منصبها.

 

وأدت الانتفاضة الثانية؛ أي الانتفاضة الفلسطينية العنيفة التي حدثت في العام 2000، إلى انهيار حكومة رئيس الوزراء إيهود باراك وخسارته أمام آرييل شارون بنحو 25 نقطة مئوية في العام 2001.


ومن الأمثلة الأخرى حرب إسرائيل ضد "حزب الله" في العام 2006، فبحلول آب (أغسطس) من ذلك العام شعر 63 في المائة من الإسرائيليين أن رئيس الوزراء حينذاك، إيهود أولمرت، فشل في إدارة الحرب بصورة صحيحة وأن عليه الاستقالة.

 

وبحلول أوائل العام 2007 واجه أولمرت أيضاً تحقيقات بتهم الفساد وكان أكثر من ثلاثة أرباع الإسرائيليين غير راضين عن أدائه الوظيفي، وهي النسبة نفسها التي تريد حالياً أن يتخلى نتنياهو عن السلطة. (استقال أولمرت في نهاية المطاف العام 2008 لأنه كان على وشك مواجهة لائحة اتهامات بالفساد).


وبناء على هذا النمط الراسخ، يبدو من المرجح أن مصير نتنياهو سيكون مشابهاً.

 

فقبل وقت طويل من هجمات "حماس" تعرضت حكومته الائتلافية اليمينية المتطرفة التي تشكلت أواخر كانون الأول (ديسمبر) 2022 لانتقادات واسعة النطاق. وخلال الجزء الأكبر من العام الماضي خرجت أعداد هائلة من الإسرائيليين إلى الشوارع لمعارضة خطة الحكومة للإصلاح القضائي المثيرة للجدل إلى حد كبير، في ما أصبح يشكل الاحتجاج الأطول أمداً في التاريخ الإسرائيلي، وكان قد أوشك على دخول أسبوعه الأربعين على التوالي في السابع من تشرين الأول (أكتوبر).


وفي نيسان (أبريل) الماضي، لم يحظ رئيس الوزراء إلا بدعم 37 في المائة من الإسرائيليين. ومنذ الهجمات انخفض هذا الرقم إلى 26 في المائة.

 

وبحلول منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أعرب ضعف هذا العدد؛ أي ما يوازي 52 في المائة من الإسرائيليين، عن تفضيلهم رئيس أركان قوات الدفاع الإسرائيلية السابق، بيني غانتس، المنافس السياسي الرئيس لنتنياهو والشريك الحالي في حكومة الطوارئ الحربية.


وعلاوة على ذلك، تلاحق نتنياهو أيضاً اتهامات بالفساد. ومن بين قضايا الفساد المرفوعة ضده والإخفاقات الأمنية في عهده والحرب الحالية، سيكون من الصعب -إن لم يكن من المستحيل- أن يبقى في منصبه.

 

ولكن يبقى السؤال الأهم مطروحاً بشأن مدى التغيير الجوهري في توجهات السياسة الإسرائيلية التي يمكن أن تحدث بسبب رحيله.


الاستجابة بالجنوح نحو اليمين

 


مراراً وتكراراً وفي لحظات الحرب أو العنف الشديد، جنح الإسرائيليون نحو اليمين. فحينما انتخبت إسرائيل حزب "الليكود" اليميني للمرة الأولى في العام 1977، كان ذلك بمثابة ذروة الانحدار البطيء لحكومة حزب "العمل".

 

وهو انحدار بدأ بعد حرب العام 1973. وجاء ذلك الانتصار مدفوعاً بالتمرد الذي تخمر منذ فترة طويلة ضد النخب الحاكمة في "التحالف العمالي"، لكنه أضفى الشرعية على الأيديولوجيات القومية المتطرفة باعتبارها قوة مهمة في إسرائيل.

 

كما دشن (الانتصار نفسه) المرحلة الثانية من التاريخ السياسي للبلاد التي هيمنت عليها في الغالب حكومات يمينية.


وخلال ثمانينيات القرن العشرين، أسهم صراعان كبيران في دفع مزيد من الإسرائيليين إلى الإعلان عن انتمائهم إلى اليمين، تمثَّلا في حرب العام 1982 على لبنان، والانتفاضة الفلسطينية الأولى التي بدأت في العام 1987.

 

وقد ظهر ذلك التحول في أرقام استطلاعات الرأي. ففي العام 1981 وجد الباحثون في مجال الاستطلاعات أنه بين السكان اليهود، ذكر 36 في المائة من المستطلعين أنهم يخططون لدعم حزب يميني (كانت الاستطلاعات العامة في ذاك الوقت بالكاد تشمل أشخاصاً من السكان العرب).

 

وبحلول العام 1991 اتسعت هذه الشريحة وارتفعت نسبة اليهود الإسرائيليين الذين يصنفون أنفسهم كمؤيدين لليمين إلى حوالى النصف. ومع ذلك، في انتخابات العام 1992 فاز زعيم حزب "العمل"، إسحاق رابين، بعد حملة انتخابية ناصرت عملية السلام مع الفلسطينيين.

 

وبصورة ظاهرة يتعارض ذلك الأمر مع التوقعات بأن الصراع يؤدي إلى انتصارات انتخابية يحققها اليمين.

 

وخلص بعض المحللين في وقت لاحق إلى أن استخدام الفلسطينيين للقوة في الانتفاضة الأولى ربما يكون قد أسهم في دعم إسرائيل للسلام والحكومات المسالمة.


وفي المقابل، كان ذلك الصراع أقل عنفاً بكثير من الحروب اللاحقة. فقد استخدم الفلسطينيون إلى حد كبير أساليب العصيان المدني واندلعت غالبية الاشتباكات الخفيفة في الأراضي المحتلة وحدها، وشكلت انتخابات العام 1992 المرة الأخيرة التي صوت فيها الإسرائيليون لمصلحة اليسار في أعقاب أي نوع من أنواع الصراع مع الفلسطينيين.


على الرغم من أن حكومة رابين وقعت "اتفاقات أوسلو" مع "منظمة التحرير الفلسطينية" بقيادة ياسر عرفات، إلا أن المتطرفين على الجانبين سرعان ما أحبطوا العملية. فبين العامين 1993 و1995 نفذت الجماعات الفلسطينية المسلحة 14 تفجيراً انتحارياً في إسرائيل.

 

وفي العام 1994 ارتكب المستوطن اليهودي المتعصب، باروخ غولدشتاين، مجزرة بقتله 29 من المصلين المسلمين في الخليل.

 

ثم في تشرين الثاني (نوفمبر) 1995 اغتيل رابين على يد متطرف ديني قومي إسرائيلي أثناء مسيرة سلام في تل أبيب.


يعتقد كثير من المحللين الإسرائيليين، وحتى المفاوضين السابقين، أن اغتيال رابين أدى إلى الإجهاز على "عملية السلام". وفي الواقع، كان رابين قد جعلها محوراً لقيادته، بالإضافة إلى أنه تمتع بهيبة سياسية مكنته من التأثير في شريحة كبيرة من الجمهور الإسرائيلي.

 

ولكن هناك تفسير آخر يتلخص في أن الإسرائيليين في غياب رابين عادوا ببساطة إلى تفضيلاتهم الأيديولوجية الطبيعية.

 

ففي أوائل العام 1995 وقبل اغتيال رابين أشار حوالى نصف اليهود الإسرائيليين إلى أنهم يمينيون في مقابل 28 في المائة اعتبروا أنفسهم يساريين، و23 في المائة عرفوا عن أنفسهم بأنهم وسطيون، وتتقارب تلك الأرقام إلى حد كبير من تلك المسجلة في استطلاعات العام 1991.

 

وخلال انتخابات العام 1996 وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي أظهرت تعاطفاً مع خليفة رابين، شمعون بيريز، بعد الاغتيال، إلا أن الناخبين اختاروا في نهاية المطاف بنيامين نتنياهو الذي خاض الانتخابات متبنياً برنامجاً يمينياً شعبوياً وعارض "عملية السلام".


ولكن، إذا دفع العنف الإسرائيليين إلى الجنوح أكثر نحو اليمين فإن هناك أيضاً أدلة من أعوام "اتفاقيات أوسلو" على أن الأوقات الأكثر هدوءاً يمكن أن تؤدي إلى جنوح مماثل -حتى لو جاء بصورة معتدلة نحو اليسار.

 

وعلى سبيل المثال، خلال فترة ولاية نتنياهو الأولى في أواخر تسعينيات القرن الماضي، ومع انخفاض التفجيرات الانتحارية، ارتفعت نسبة اليهود الإسرائيليين الذين عبروا عن تأييدهم لليسار إلى 35 في المائة، في حين انخفضت نسبة أولئك المؤيدين لليمين إلى 42 في المائة.


ووفقاً لبيانات استطلاعات الرأي المتاحة، فقد بلغ ذلك الفارق سبع نقاط ويُعد الأضيق بين الجانبين طوال الأعوام الـ30 الماضية.

 

ثم في العام 1999 فاز باراك، الزعيم الذي اعتبره معظم الإسرائيليين آنذاك يسارياً، بمنصب رئاسة الوزراء بناء على وعود بإحياء "عملية السلام" وإنهاء فترة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان التي كانت قد امتدت إلى 17 عاماً آنذاك.

 

ولكن لم يدم الدعم الإسرائيلي لليسار. ففي قمة كامب ديفيد التي انعقدت في تموز (يوليو) 2000، حاول باراك التوصل إلى اتفاق كامل بشأن الدولتين مع ياسر عرفات.

 

ولكن عوضاً عن ذلك فشلت المحادثات واندلعت الانتفاضة الثانية، وسرعان ما أصبحت أكثر عنفاً بكثير من الانتفاضة الأولى، وكان التأثير في الناخبين فورياً تقريباً.


ووفق ما أظهرته الاستطلاعات التي أجريتها، فقد انخفضت نسبة اليهود الإسرائيليين الذين أيدوا المواقف اليسارية بمقدار 10 نقاط خلال السنة الأولى من الانتفاضة، واستمرت في الانخفاض بعد ذلك.


تعزيز السيطرة

 


خلال العقد الأول من القرن الحالي جنح الإسرائيليون أكثر نحو اليمين، وتميز النصف الأول من العقد بأربعة أعوام من التفجيرات الانتحارية وإعادة اجتياح إسرائيل للمدن الفلسطينية في عملية "الدرع الواقي".

 

وشمل النصف الثاني حرب العام 2006 في لبنان، بالإضافة إلى انسحاب إسرائيل من غزة الذي أسهم في فوز "حماس" في الانتخابات الفلسطينية واستيلائها العنيف على السلطة في غزة في العام 2007.

 

وأدى ذلك الاستيلاء إلى حصار إسرائيل للقطاع وتزايد وتيرة إطلاق الصواريخ من غزة على إسرائيل.

 

وقد أسفر ذلك في نهاية المطاف إلى تنفيذ عملية "الرصاص المصبوب" التي تجسدت باجتياح إسرائيلي كبير لغزة في 2008-2009. وبعد فترة وجيزة من تلك الحرب صوّت الإسرائيليون لمصلحة نتنياهو واتخذ حزب "الليكود" توجهاً شعبوياً قومياً متزايداً.

 

ومع حلول العام 2011 عبر أكثر من نصف اليهود الإسرائيليين عن تأييدهم لليمين -أي أكثر من ثلاثة أضعاف عدد الأشخاص من أصحاب الميول اليسارية الذي انخفض إلى 15 في المائة.


واستمر هذا التوجه خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وبينما خاضت إسرائيل صراعات عدة مع "حماس"، بما في ذلك عمليتها الموسعة في غزة في العام 2014، ارتفعت نسبة الناخبين الإسرائيليين اليهود المؤيدين للأيديولوجية اليمينية بصورة مطردة.

 

وعلى الرغم من أن هذا المؤشر ناهز 50 في المائة تقريباً في منتصف العقد الأول من القرن الحاي والعشرين، إلا أنه وصل إلى 60 في المائة مع حلول العام 2019، وفقاً لاستطلاعات الرأي التي أجريتها.


في تلك المرحلة شملت استطلاعات الرأي بانتظام العرب الإسرائيليين أيضاً الذين يشكلون حوالى 20 في المائة من سكان إسرائيل (لكنهم لا يتجاوزون 17 في المائة من المواطنين البالغين الذين يتمتعون بحق الاقتراع).

 

وأدى انخفاض مستويات تأييدهم للأيديولوجية اليمينية إلى انخفاض المتوسط الإجمالي لدعم اليمين. ولكن، حتى مع مشاركتهم بقيت نسبة الإسرائيليين الذين يعتبرون أنفسهم يمينيين ضمن حدود 50 في المائة تقريباً.

 

(أسهم العرب الإسرائيليون في رفع المعدل الإجمالي لمؤيدي اليسار إلى حوالى 18 في المائة من إجمال السكان في معظم الاستطلاعات التي أجريت خلال الأعوام الأخيرة).


وعززت الأعوام التي سبقت الحرب الحالية ذلك المسار. ففي أيار (مايو) 2021، أدى تصعيد جديد مع "حماس" إلى أعمال عنف غير مسبوقة في الشوارع بين اليهود والمواطنين العرب في إسرائيل، تلتها جولة أقصر من العنف في العام 2022، ومعركة سريعة مع حركة "الجهاد الإسلامي" الفلسطينية في أيار (مايو) 2023.

 

وعلى الرغم من الغضب واسع النطاق تجاه حكومة نتنياهو بسبب خطة الإصلاح القضائي، واصل غالبية الناخبين اليهود التعبير عن جنوحهم نحو اليمين في الاستطلاعات.


يذكر أنه قبل خمسة أيام بالضبط من هجمات "حماس"، أجرى مركز "إيه كورد" aChord لبحوث علم النفس الاجتماعي التابع للجامعة العبرية استطلاعاً وجد أن ثلثي اليهود الإسرائيليين أعلنوا تأييدهم لليمين، (إما "اليمين المتشدد" أو "اليمين المعتدل")، في مقابل 10 في المائة مؤيدين لليسار.

 

ويعني ذلك أن كل ناخب يهودي إسرائيلي يساري يقابله سبعة ناخبين يمينيين.

 

وبناء على تلك البيانات الصارخة، فسيكون من المستغرب ألا يميل الإسرائيليون أكثر نحو اليمين في أعقاب أسوأ أعمال عنف تعرضوا لها منذ تأسيس دولتهم.


استمرار الأشياء نفسها

 


على الرغم من الاستياء الشعبي الكبير من قيادة نتنياهو، إلا أن المخاوف بشأن عدم الاستقرار السياسي قد تتيح له البقاء في السلطة خلال الحرب الحالية.

 

وعلاوة على ذلك ما يزال ممكناً حدوث أمور كثيرة في الحرب نفسها. ومن المحتمل أن تعتمد ميول الناخبين أيضاً على مقدار الوقت الذي قد يمر قبل إجراء الانتخابات التالية.

 

ولكن، إذا أُجبر نتنياهو في نهاية المطاف على ترك منصبه فمن غير المؤكد أن إسرائيل ستسلك مساراً أيديولوجياً مختلفاً.

 

وتظهر استطلاعات الرأي الحالية أن الناخبين يحتشدون حول حزب "الوحدة الوطنية" الذي ينتمي إلى يمين الوسط ويتزعمه غانتس.

 

ووفق استطلاع للرأي نشر في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، فإنه إذا أجريت الانتخابات الآن فسيحصل حزب غانتس على 43 مقعداً -أي أكثر بـ11 مقعداً مما فاز به حزب "الليكود" في انتخابات العام 2022، وأكثر من ضعفي المقاعد التي من المتوقع أن يحصل عليها "الليكود" حالياً. 


ولكن من السابق لأوانه معرفة مدى بقاء هذه الأرقام على حالها أو إذا كانت ستظهر جنوحاً أوسع نحو المواقف السياسية الوسطية.

 

وتتمثل إحدى المشكلات في أن جميع أحزاب اليمين المتطرف في إسرائيل موجودة في الائتلاف الحاكم الذي لا يحظى بشعبية كبيرة، وبالتالي فإن الناخبين الغاضبين من حكومة نتنياهو في الأساس يدعمون تلقائياً حزب "الوحدة الوطنية" الذي أصبح الآن شريكاً في تلك الحكومة في زمن الحرب.

 

ويبدو أن غانتس بمؤهلاته العسكرية القوية يستفيد أيضاً من الدعم الناجم عن "التوحد حول علم البلاد" في الحرب الحالية. 


ولكن، إذا استاء الإسرائيليون من نتنياهو لكنهم استمروا في إبداء الجنوح نحو اليمين، فلماذا لا يتمسكون بأحزاب اليمين المتطرف في الائتلاف الحاكم؟ حتى الآن، لا تظهر استطلاعات الرأي أي ارتفاع في نسبة تأييد حزبي "القوة اليهودية" و"الصهيونية الدينية" اليمينيين المتطرفيين.

 

ومن عجيب المفارقات أن البرنامج المتطرف الذي تتبناه حكومة نتنياهو وهجومها على المؤسسات الديمقراطية وسوء الإدارة الكارثي الذي أدى إلى الحرب، قد تمنع كلها الناخبين في الواقع من التوجه تلقائياً نحو يمين أكثر ثيوقراطية ومعاداة للديمقراطية وشديد التطرف.


وإذن، قد أتي إحدى النتائج المعقولة للأزمة الحالية على شكل تحول إسرائيل نحو حكومة جديدة بقيادة غانتس.

 

ومن المرجح أن يتجنب غانتس اعتماد نهج شعبوية نتنياهو المثيرة للانقسام وفضائح الفساد التي يواجهها الأخير، ويكاد يكون من المؤكد أنه سيتجنب السعي المغلف بتوق ديني إلى أداء مهمة خلاصية تتمثل في السعي الحثيث إلى توسيع المستوطنات، أو إضفاء الطابع الرسمي على الضم، على غرار ما فعلته حكومات سابقة.

 

وعلى الرغم من ذلك، وبفضل سجل غانتس العسكري الطويل وانضمام أعضاء سابقين من حزب "الليكود" إلى حزبه، فقد بات يتمتع بشرعية بين أوساط اليمين وسيرغب في الحفاظ عليها.

 

وعلاوة على ذلك، لا يوجد في خطاب غانتس ما يشير إلى أنه سينجرف بصورة كبيرة بعيداً عن النهج الحالي الذي يتبعه اليمين إزاء المشكلة الفلسطينية.


وبالنظر إلى الوراء، لم يدعم غانتس علناً حل الدولتين أو أي حل سياسي للقضية الفلسطينية، لا أثناء ترشيحه ولا منذ انضمامه إلى حكومة الحرب. وكان قد ذكر في العام الماضي فكرة "دولتين لشعبين"، لكنه أعرب عن قناعة مفادها: "أنا لا أؤيدها".


في الحقيقة تجسد أحد أسوأ أخطاء نتنياهو في النظر إلى المشكلة الفلسطينية من الناحية الأمنية البحتة، وكأنه من الممكن تجاهل السياسات الكامنة وراء الصراع.

 

وقد أدى ذلك بطبيعة الحال إلى ظهور "النقطة العمياء" (نقطة في حقل البصر تبدو كأنها ضمنها لكنها ليست ضمن الرؤية الفعلية) التي ساعدت في جعل هجمات "حماس" مميتة للغاية.

 

ولكن بصفته ضابطاً سابقًا في الجيش الإسرائيلي، يبدو من المرجح أن ينظر غانتس إلى المشكلة الفلسطينية بالطريقة نفسها تقريباً فيعتبرها تهديداً أمنياً يجب احتواءه بدلاً من الاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير المصير.

 

وإذا سار الأمر على هذا النحو، فمن المرجح أن يؤدي يوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، على الرغم من فظائعه، إلى استمرار الظروف نفسها من دون تغيير ملموس، بما في ذلك معاناة كلا الجانبين في المستقبل.

*داليا شيندلن: خبيرة في مجال استطلاعات الرأي وزميلة سياسية في مركز "سنشوري إنترناشيونال" Century International وكاتبة عمود في صحيفة "هآرتس". وهي مؤلفة كتاب بعنوان "عود الديمقراطية الأعوج في إسرائيل" The Crooked Timber of Democracy in Israel.

 

اقرأ المزيد في ترجمات

استعادة شعار "من النهر إلى البحر"‏