مشكلة "الهول": مستقبل العائلات المرتبطة بداعش

مقيمة في مخيم الهول الذي يؤوي العائلات المرتبطة بـ"داعش" في سورية - (المصدر)
مقيمة في مخيم الهول الذي يؤوي العائلات المرتبطة بـ"داعش" في سورية - (المصدر)


لا تخلو عملية إعادة المرتبطين بـ"داعش" في مخيمات سورية إلى أوطانهم من المخاطر، ولكن هناك طرق مهمة للتخفيف من تلك المخاطر المستقبلية.

اضافة اعلان

 

ولن تؤدي إعادة دمجهم في مجتمعات بلدانهم إلى معالجة جميع المشاكل القائمة الآن في مناطق اعتقالهم في شمال شرق سورية، لكن السيناريو البديل، وهو ترك هؤلاء الأفراد لمصيرهم، يولّد خطراً أكبر بكثير على المجتمع الدولي.
*   *   *
بين العامين 2013 و2019، توجه ما يقدر بنحو 53 ألف رجل وامرأة وطفل من ثمانين دولة مختلفة إلى ما تسمى "الخلافة" التي أقامها تنظيم "داعش" بغية الانضمام إلى التنظيم الإرهابي ودعم أنشطته. وبعد أربع سنوات من هزيمة التنظيم على الأرض، ما يزال أكثر من 60 ألف شخص تابعين له قيد الاحتجاز لأجل غير مسمى في شمال شرق سورية، ويعيشون في مرافق دون المستوى المناسب للعيش. ويشكل مصيرهم موضع نقاش دولي ساخن.


وعلى الرغم من هزيمة الخلافة المادية لتنظيم "داعش"، إلا أنه ما يزال قائما كتنظيم إرهابي. ما يزال أتباعه يبايعونه، وما يزال التنظيم متماسكاً على الرغم من تنفيذ عمليتين ناجحتين للقضاء على كبار قادته. ومع استنزاف أعداد أتباعه، يرى التنظيم أن تحرير مرافق الاحتجاز والسجون في شمال شرق سورية يشكل أساسًا لاستمراريته ونجاحه.

 

ويدير هذه المرافق أقرب شريك لأميركا في سورية، وهو "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) الكردية، التي لعبت دوراً محورياً في هزيمة خلافة تنظيم "داعش". لكنّ وضع "قوات سورية الديمقراطية" كجهة غير تابعة للدولة أدى إلى عرقلة الجهود العالمية الرامية إلى معالجة وضع المعتقلين المنتمين إلى تنظيم "داعش" بشكل دائم.

 

وبخلاف الكيانات الأخرى التي تولت إدارة مخيمات مماثلة، فإن "قوات سورية الديمقراطية" ليست جهة فاعلة تابعة للدولة، كما أن تركيا، الحليفة الوثيقة للولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي، تتهم "قسد" بأنها منظمة إرهابية على خلفية صلاتها بتنظيم "حزب العمال الكردستاني" الذي تصنفه الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية أيضًا.


يتم احتجاز ما يقرب من 10.000 رجل وفتى مراهق في السجون التي تديرها "قوات سورية الديمقراطية"، وحوالي 2.000 منهم هم رعايا لبلدان ثالثة، أي أنهم قادمون من دول غير سورية والعراق.

 

وفي الوقت نفسه، يتم احتجاز النساء والقاصرين في معسكرات اعتقال منفصلة تديرها "قوات سورية الديمقراطية" أيضا.

 

وفي حين تم بناء العديد من هذه المخيمات كأماكن إقامة مؤقتة لتقديم الخدمات الإنسانية للمدنيين النازحين من جراء النزاع في سورية والعراق، إلا أن الأمر لم يعد كذلك. فبعد بدء تدفق العناصر التابعة لتنظيم "داعش" منذ العام 2018، أصبحت هذه المرافق بشكل متزايد معسكرات اعتقال غير آمنة وغير صحية في الهواء الطلق.


يُعد "مخيم الهول" أكبر هذه المخيمات، حيث كان يضم في ذروته في العام 2019 أكثر من 70 ألف شخص. أما اليوم فيضم ما يقرب من 50 ألفًا، 90 في المائة منهم من النساء والأطفال، بمن فيهم 25 ألف عراقي، و18 ألف سوري، و7.800 من رعايا بلدان ثالثة من سبع وخمسين دولة.

 

وتجدر الإشارة إلى أن 23 في المائة من جميع السكان هم دون أطفال سن الخامسة من عمرهم، في حين أن 42 في المائة من السكان هم من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين خمسة أعوام وثمانية عشر عاماً. وهناك أيضاً مخيمات أصغر مثل "مخيم روج"، الذي يبعد حوالي ستين ميلاً عن "مخيم الهول"، وتبلغ مساحته خُمس "الهول"، ويضم ما يقرب من 2.500 فرد، 2.100 منهم هم رعايا بلدان ثالثة.


تواجه هذه المرافق تحديات إنسانية عديدة، من بينها نقص الغذاء والماء والتعليم، والرعاية الصحية. وقد تبين أن المحافظة على النظام في هذه المخيمات ذات الأوضاع المتقلبة هي مهمة صعبة، وما تزال هذه المخيمات معرضة لخطر الهجمات الخارجية التي يشنها مقاتلو تنظيم "داعش" الساعين إلى تحرير أنصارهم.

 

وتجدر الإشارة إلى أن بعض هؤلاء الأفراد محتجزون منذ أكثر من أربع سنوات، وقد أصرت الأمم المتحدة على أن احتجاز الأفراد التابعين لتنظيم "داعش" إلى أجل غير مسمى يثير عدداً من المخاوف الإنسانية والأمنية.

 

وفي حزيران (يونيو) 2023، أعاد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، التأكيد على سياسة الولايات المتحدة المتبعة خلال إدارتين لتذكير "التحالف الدولي ضد تنظيم داعش" بأن إعادة هؤلاء المعتقلين إلى بلدانهم الأصلية، أي إعادتهم إلى موطنهم، هي الحل الدائم الوحيد.


ولا تشكل إعادة الأفراد إلى أوطانهم سوى البداية، حيث تشجع الأمم المتحدة الدول على التحقيق مع الأفراد التابعين لتنظيم "داعش" ومحاسبتهم، ثم إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع. لكنّ العديد من الدول حول العالم ترددت أو تباطأت في اتخاذ مثل هذا الإجراء.

 

وفي الواقع، لم نشهد حتى الآن سوى عودة حوالي 2.700 من رعايا البلدان الثالثة وحوالي 6.500 عراقي إلى أوطانهم. ويتجه المجتمع الدولي نحو إعادة المزيد من هؤلاء الأفراد إلى أوطانهم في العام 2023 مقارنةً بالسنوات الماضية.

 

وتشكل دول مثل ألمانيا وهولندا وكوسوفو مثالاً يحتذى به في شأن إعادة هؤلاء الأفراد إلى الوطن وإعادة دمج العائدين في المجتمع، مع محاسبة الأفراد التابعين لتنظيم "داعش" على أفعالهم. لكنّ هذا الجهد غير كافٍ بكل بساطة.


وتشير خمسة عوامل إلى أنه كلما طال أمد هذا الوضع، ازدادت المخاطر والكوارث المحتملة. وتُعتبر بعض القضايا المتعلقة بهذا الوضح أكثر إلحاحًا من غيرها.


أولاً، أعلنت "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية" التي يقودها الأكراد مؤخراً أنه نظراً للاستجابة البطيئة من المجتمع الدولي، فإنها تعتزم البدء في محاكمة المعتقلين المنتمين إلى تنظيم "داعش".

 

وبينما ما تزال "قوات سورية الديمقراطية" هي الشريك الأقرب للولايات المتحدة في سورية، فقد تتضرر هذه العلاقة من جراء قرار محاكمة الرعايا الأجانب في الأراضي المتنازع عليها في شمال شرق سورية. كما أنه من غير المرجح أن يتوصل المجتمع الدولي الأوسع نطاقاً إلى إجماع حول هذه القضية.


ثانياً، التطبيع العربي الأخير مع سورية. في حين أن هذا التطور لن يغير الوضع على أرض الواقع بين عشية وضحاها، إلّا أنه لا يمكن غض الطرف عما سيعنيه ذلك بالنسبة للمنطقة المتنازع عليها في شمال شرق سورية ولآلاف الرجال والنساء والأطفال المحتجزين حاليا هناك من قبل كيان غير تابع للدولة.

 

على سبيل المثال، إذا كان التطبيع سيمكن الحكومة السورية من السيطرة على المنطقة، فيمكنها اتخاذ عدد من الخطوات مع هؤلاء المعتقلين، بدءًا من إطلاق سراحهم لكي يتجولوا بحرية، مروراً بسجنهم أو قتلهم، وانتهاءً إلى احتجازهم مقابل فدية كأدوات للتفاوض مع بلدانهم الأصلية.

 

وفضلاً عن ذلك، قد يؤدي التطبيع مع سورية إلى تغيير سياسة الولايات المتحدة في المنطقة، مما يؤدي إلى انسحابها في نهاية المطاف وإنهاء مهمتها المتمثلة في تقديم المشورة والمساعدة والتمكين.


ثالثاً، التهديد المنبثق عن تنظيم "داعش" بحد ذاته. ويشمل ذلك التمرد المستمر للتنظيم، واستخدامه أساليب وعنف العصابات، بالإضافة إلى تهديداته للمخيمات نفسها. وقد أعلن تنظيم "داعش" بوضوح أنه يعتبر هؤلاء السكان مستقبل نجاحه.


رابعاً، احتمال تدخل تركيا في شمال شرق سورية. إذا قامت تركيا بمهاجمة "قوات سورية الديمقراطية"، وهي مجموعة تعتبرها منظمة إرهابية، فقد تقوم هذه القوات بتحويل الموارد الحيوية بعيداً عن قتال تنظيم "داعش" والحفاظ على السجون والمعتقلات التي تضم المرتبطين به.

 

ولن يؤدي اندلاع نزاع بين تركيا و"قوات سورية الديمقراطية" إلى صرف الانتباه عن القتال المستمر ضد تنظيم "داعش" فحسب، بل إنه سيضع الولايات المتحدة أيضاً في موقف غير مريح بين حليفتها في "الناتو"، تركيا، وأكبر شريك لها على الأرض في شمال شرق سورية، "قوات سورية الديمقراطية".


خامساً، تغير المناخ أو وقوع كارثة طبيعية. بالإضافة إلى أزمة المياه، يمكن للزلزال الأخير الذي زعزع استقرار أحد السجون التي تضم سجناء من تنظيم "داعش" أن ينذر بكارثة أكبر، مما يؤدي إلى المزيد من الصعوبات في الحصول على المساعدات المناسبة للمتضررين.


ولا تخلو عملية الإعادة إلى الوطن من المخاطر، ولكن هناك طرق مهمة للتخفيف من تلك المخاطر المستقبلية. على سبيل المثال، يقود "التحالف الدولي ضد تنظيم داعش"، بقيادة الولايات المتحدة، جهداً يجمع الكثير من البلدان المختلفة من أجل التوصل إلى توافق في الآراء، والتي تشمل مشاركة أفضل الممارسات في جمع الأدلة، ومحاسبة الأطراف المسؤولة، وتكييف تقييمات المخاطر مع احتياجات كل فرد ودولة، وابتكار نهج رعاية مراعٍ للصدمات لأولئك الذين يعاد دمجهم.

 

ولن تؤدي إعادة الدمج إلى معالجة جميع المشاكل في شمال شرق سورية، لكن السيناريو البديل، وهو ترك هؤلاء الأفراد لمصيرهم، يولّد خطراً أكبر بكثير على المجتمع الدولي.

*د. ديفورا مارغولين: "زميلة بلومنشتاين-روزنبلوم" في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وأستاذة مساعدة في جامعة جورج تاون. تركز أبحاثها بشكل أساسي على حوكمة الإرهاب ومصادر تمويله، ودور الدعاية والاتصالات الاستراتيجية، ومكافحة/ منع التطرف العنيف، ودور المرأة والنوع الاجتماعي في التطرف العنيف.

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

عسكرة الأمومة: عودة نساء داعش الغربيات إلى الوطن