‏معضلات اليسار المزراحي في حركة الاحتجاج الإسرائيلية‏ (2-1)

سمدار لافي (وسط) مع الناشط اليساري رؤوفين أبرجيل (يسار) في مسيرة من أجل غزة، 2009 - (المصدر)‏
سمدار لافي (وسط) مع الناشط اليساري رؤوفين أبرجيل (يسار) في مسيرة من أجل غزة، 2009 - (المصدر)‏
‏‏‏ترجمة: علاء الدين أبو زينة شين بورلي؛‏‏ ‏‏وبن لوربر* – (مجلة 972+)‏‏ ‏‏28 آذار (مارس)، 2023‏ في الحوار التالي، تناقش البروفيسورة سمَدار لافي الإمكانيات والتناقضات التي تنطوي عليها الاحتجاجات التي يهيمن عليها اليهود الأشكناز الغربيون ضد الحكومة، وتتعقب جهود مجموعة صغيرة من الناشطين الشرقيين الذين يريدون إسماع أصواتهم.‏ * * ‏على مدى الأشهر القليلة الماضية، تحركت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الائتلافية اليمينية المتطرفة للحد من استقلال القضاء الإسرائيلي، وإضعاف الفصل الديمقراطي بين السلطات، على خلفية تصاعد مخيف في عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. وتشكل هذه الحزمة من “الإصلاحات القضائية” علامة مبكرة على ما تخبئه الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل -الحكومة التي حصل فيها الكاهانانيون، مثل إيتمار بن غفير، على مناصب رفيعة المستوى. ‏ ردًا على هجوم نتنياهو على القضاء، تطورت حركة احتجاج نشطة عبر أجزاء من المجتمع الإسرائيلي، مع تنظيم المظاهرات الضخمة وغير المسبوقة الأخيرة التي جلبت أكثر من ‏‏نصف مليون‏‏ إسرائيلي إلى الشوارع -ويوم الاثنين، تنفيذ إضراب عام تلقى الدعم من قادة النقابات ورجال الأعمال، وظهور تقارير عن توقف تشريع الإصلاح القضائي. وفي حين أن معظم الاحتجاجات تناولت في البداية الإصلاح القضائي الذي تنوي حكومة نتنياهو إجراءه، بعد ‏‏مذبحة‏‏ حوارة في ‏‏ نهاية شهر شباط (فبراير) -عندما اجتاح مستوطنون جميع أنحاء البلدة الفلسطينية في الضفة الغربية، وأشعلوا النار في المنازل والسيارات واعتدوا على السكان- أعرب بعض المتظاهرين أيضًا عن انتقادهم لعنف المستوطنين ضد الفلسطينيين.‏ انتقد ‏‏العديد من النشطاء ‏‏الفلسطينيين‏‏ ‏‏والإسرائيليين‏‏ هذه الاحتجاجات، محقّين، على إهمالها تحدي الأساس المناهض للديمقراطية الذي يعنيه الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وسياسات الفصل العنصري. كما اتهم نشطاء مزراحيون تقدميون المتظاهرين بالتغاضي إلى حد كبير عن القمع الراسخ ‏‏ضد اليهود الشرقيين‏‏ المزراحيم الذين تعود أصولهم إلى دول عربية أو إسلامية، على أيدي المؤسسة الإسرائيلية ذات الأغلبية ‏‏الأشكنازية‏‏. وفي الواقع، في حين أن هذه الاحتجاجات كانت بمثابة رد فعل مهم ضد أجندة اليمين المتطرف المناهضة للديمقراطية، فإنها مالت، في مراحلها المبكرة على الأقل، إلى التعبير عن مصالح النخبة الأشكنازية العلمانية والحضرية والليبرالية إلى حد كبير -التي تقاوم استنطاق تواطئها في إدامة الترتيب الهرمي القائم منذ وقت طويل المضاد للفلسطينيين والمزراحيم، الذي كان كل شيء سوى أن يكون “ديمقراطية”. لعب التعتيم على أصوات المزراحيم في الاحتجاجات “المؤيدة للديمقراطية”، كما أطلق عليها الكثيرون، دورًا في خدمة استراتيجية الليكود واليمين المتطرف الإسرائيلي، الذين يريدون ‏‏إعادة صياغة وعرض‏‏ هجومهم على القيم الديمقراطية بأنها كمحاولة لتقويض تفوق الأشكناز ‏‏ورفع‏‏ أصوات المجتمعات المزراحية المهمشة.‏ حول هذه المواضيع تحدث بن لوربر وشين بيرلي، وهما صحفيان وناشطان من اليهود الأميركيين الأشكناز، مع عالمة الأنثروبولوجيا المزراحية ‏‏سمَدار لافي‏‏، ‏‏الأستاذة الفخرية في جامعة كاليفورنيا، ديفيس، لفهم ملامح أزمة الهيمنة الحالية في إسرائيل/ فلسطين وجذورها التاريخية العميقة. وإضافة إلى عقود من الخبرة في النضالات المزراحية والفلسطينية، لافي هي مؤلفة كتاب “ملفوفة بعلم إسرائيل: الأمهات العازبات الشرقيات والتعذيب البيروقراطي”  الذي صدر في العام 2018. ويستنطق الكتاب هياكل القمع العرقية والدينية والجندرية التي تستهدف التفاعل بين النساء اليهوديات الشرقيات واستعمار فلسطين. وتناقش لافي معنا في هذا الحوار إمكانيات ومحدوديات وتناقضات حركة الاحتجاج الحالية الجارية في إسرائيل، وتتعقب جهود المجموعة الصغيرة من نشطاء اليسار المزراحيين لإسماع أصواتهم، وتكشف عما هو مطلوب لتغيير الوضع الراهن في إسرائيل/ فلسطين وتوسيع الوعد الذي لم يتم الوفاء به بجلب الديمقراطية لأولئك الذين حرموا منها منذ أمد طويل. * * ‏بن لوربر: ما مطالب احتجاجات “الإصلاح القضائي” الحالية في إسرائيل، ومن الذين تمثلهم هذه الاحتجاجات؟ لقد ذكرتِ أن الإسرائيليين المزراحيم (اليهود الشرقيين) كانوا غائبين إلى حد كبير عن هذه الاحتجاجات -وهو شيء ربما لا يلاحظه اليساريون الأميركيون. لماذا هناك الكثير ممن هم ليسوا جزءًا من هذه الاحتجاجات؟‏ ‏ سمدار لافي:‏‏ بدأ الاحتجاج كمظاهرة قادتها الطبقات العليا المهنية الأشكنازية المتعلمة في إسرائيل، من المجالات القانونية والهندسية وقطاعات التكنولوجيا الفائقة والتكنولوجيا الحيوية والإعلام والفن والطب والمجالات الأكاديمية. حتى أن العشرات من المهنيين المستوطنين في الضفة الغربية انضموا إلى المظاهرات. ‏إحدى الخصائص الرئيسية لهذه المظاهرات هي الاستخدام المكثف للعلم الإسرائيلي والرقابة الصارمة على التلويح بالعلم الفلسطيني (على الأقل حتى ‏‏مذبحة حوارة‏‏). وثمة عنصر آخر من عناصر التظاهر هو وجود توقيع رمزي جماهيري لإعلان استقلال إسرائيل في العام 1948. ومن بين القادة والمنظمين الرئيسيين، هناك رؤساء أركان الجيش الإسرائيلي السابقون، والجنرالات السابقون الذين قادوا سلاح الجو الإسرائيلي، ومشاة البحرية، ووحدات الكوماندوز من جنود النخبة، وفرق الحرب السيبرانية. وتعد هذه صفوة المجتمع الإسرائيلي، التي تتكون من الأشكناز بشكل افتراضي. وعلى الرغم من أن الأشكناز لا يشكلون ‏‏سوى 30 في المائة‏‏ من مواطني إسرائيل، إلا أنهم يسيطرون على تقسيم السلطة والامتيازات في الدولة. ويطالب المتظاهرون بعودة إسرائيل التي كانوا يعرفونها قبل “بيبيدوم”، (نظام نتنياهو). ‏ وفقًا للتقديرات التي جمعها في أوائل شباط (فبراير) ‏‏منظمو استطلاعات الرأي‏‏ اليمينيون‏‏، فإن 26 في المائة من المتظاهرين تم التعرف عليهم على أنهم من المزراحيم. وأستطيع أن أفترض أن الكثيرين منهم ينتمون إلى الطبقة الوسطى المزراحية الناشئة الضعيفة التي ناضلت بمشقة حتى تصل إلى هناك. وهذه الطبقة لا تتمتع بالثروة المتوارثة بين الأجيال التي لدى المؤسسة الأشكنازية.‏ ‏ تشكل مجتمعات المزراحيم الأغلبية الديموغرافية في إسرائيل، لكنها بعيدة كل البعد عن التجانس. فالمزراحيم مصطلح ائتلافي، مثل مصطلح “الملونين” في الولايات المتحدة. ولكن، باعتبارهم الشريحة التي تشكل الأغلبية في المجتمع الإسرائيلي، فإنهم يحددون نتائج الانتخابات البرلمانية. وما يعد “الوسط” في السياسة الإسرائيلية يستمر في التحرك نحو اليمين المتطرف، وكذلك أصوات الأغلبية المزراحية التي تواصل التحول نحو القومية المتطرفة. ‏ ومع ذلك، هناك حاليًا مبادرة مباركة تقودها مجموعة من المثقفين من اليسار المزراحي الصغير -“التجمع المدني المزراحي”.‏‏ وفي حين أن غالبية المتظاهرين هم من الأشكناز المحافظين وأصحاب الامتيازات، الذين يرغبون في العودة إلى النظام الجيد للأشياء في دولة تعرِّف نفسها بشكل متناقض على أنها “يهودية” و”ديمقراطية”، فإن هذه المجموعة من المزراحيم تشكك في النظام القديم نفسه. وهم يجادلون بأنه بالنسبة للمزراحيم والفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، لم تكن إسرائيل أبدًا ديمقراطية، لا في البنية الهيكلية ولا في الممارسة. وهم ينظرون إلى هذه الأوقات المضطربة الحالية كفرصة لإعادة تشكيل هيكل الحكم الإسرائيلي بحيث يصبح ديمقراطية حقيقية.‏ ‏ على النقيض من المنظمين الأشكناز الرئيسيين لجماهير المتظاهرين، يناقش المزراحيم اليساريون مسألة العدالة لفلسطين. لكن من الواضح أن التركيز ينصب على العام 1967 وما بعده وليس على ‏‏النكبة‏‏.‏ ‏أنا متحمسة جدًا لهذه المبادرة، لكنني أخشى أن تتبدد وتختفي على الرغم من العمل الشاق الذي قام به الباحثون والناشطون في إعداد أوراق الموقف التي تتناول الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والثقافية المقترحة في الكنيست لمواجهة إصلاحات اليمين المتطرف، التي يتم التصويت عليها حاليًا في الكنيست. كان هذا هو مصير جهد البحث الرائع وأوراق الموقف التي أنتجها المكوِّن المزراحي في حركة “احتلوا” الضخمة في العام 2011 (ما تسمى بـ”احتجاجات الخيام” عندما خيم مئات الأشخاص في شارع رئيسي في تل أبيب، وخرج مئات الآلاف إلى الشوارع، للاحتجاج على ارتفاع تكاليف المعيشة).‏ يصوت غالبية المزراحيم للأحزاب اليمينية، ويعيش الكثيرون منهم في المناطق النائية من الدولة الإسرائيلية. ومع ذلك، يتركز وجود اليسار المزراحي بشكل رئيسي في تل أبيب والقدس وحيفا. ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومؤتمرات “زووم”، يتولى بعض أعضائه القيادة من مدينة نيويورك أو من بريطانيا -وهو ما ليس لا يبدو فعّالًا تمامًا في تنظيم أنشطة التضامن “في الموقع” مع التجربة التي عاشها المزراحي “هنا والآن” في إسرائيل. ‏ ‏ يمكن أن يزدهر التغيير الاجتماعي الحقيقي من خلال زيادة الوعي الشخصي أو الجماعي -سواء كان ذلك من خلال التجمع في المعابد اليهودية، أو المراكز المجتمعية، أو منازل الناس -لكنني أخشى أن اليسار المزراحي غير قادر على القيام بذلك بسبب ضيق الوقت والمكان، فيما يرجع في الغالب إلى نقص الأموال للحركة الاجتماعية أو تنظيم المنظمات غير الحكومية. معظم الناشطات النسويات المزراحيات في مراكز تل أبيب- حيفا- القدس لسن صاحبات المنازل اللواتي يسكنّها، وهن يكافحن من أجل دفع الإيجار الشهري وفواتير الخدمات، مما يترك لهن قدرة ضئيلة على متابعة عملية التنظيم المطلوبة. ‏ المنظمات غير الحكومية هي كيانات معتمدة للغاية على الميزانية، وغالبًا ما لا يوجد تمويل كاف لمبادرات اليسار المزراحي “في الموقع”. وإذا كانت هناك تبرعات، فإنها عادة ما تأتي من المنظمات المانحة الصهيونية التقدمية في الشتات اليهودي الأميركي، ولذلك تحتاج المنظمات غير الحكومية المحلية إلى تكييف نشاطها حتى لا تغضِب المتبرعين. والصورة التي يحملها يهود الشتات عن إسرائيل هي أن جميع اليهود متساوون في وطن اليهود. وسيكون من الصعب عليهم الاعتراف بأن تحت هذه المساواة المتخيلة ثمة هيكل عرقي داخل- يهودي.‏ ثمة مبادرة مباركة أخرى، هي وجود الكتلة الاحتجاجية، “جبهةُ غير المُمثَّلين”، التي نظمتها حركة “‏‏شوفروت كيروت”‏‏ ‏‏(كسر الجدران)، وهي حركة نسوية مزراحية شعبية صاعدة وقادمة في إسرائيل. وتعلن يافطات الجبهة: “لا ديمقراطية من دون النساء المزراحيات والإثيوبيات والفلسطينيات. لا ديمقراطية من دون الأمهات العازبات واللاجئات وطالبات اللجوء ومن دون مجتمع الميم”. وقد انضمت ناشطات الحركة إلى المظاهرات في الأسابيع الثلاثة الماضية، على الرغم من تحفظاتهن النابعة من حقيقة أن اليسار الصهيوني الأشكنازي (وغير الصهيوني) نادرًا ما انضم -إذا فعل على الإطلاق- إلى المظاهرات النسوية المزراحية ضد قتل الإناث، وطرد الأمهات العازبات من بيوتهن، وفصلهن عن خدمات الغاز والكهرباء، ومحاكم التحصيل التي تسلب اليهود الشرقيين من القليل الذي لديهم، أو تأمر بنقل الأطفال من منازل الأمهات العازبات الشرقيات إلى المدارس الداخلية قسرًا بسبب فقرهن. ‏ وهم أيضًا يرون في الاحتجاجات الجماهيرية الحالية فرصة لاقتراح نظام جديد مناهض للعنصرية للمجتمع الإسرائيلي يؤكد العدالة الاجتماعية. وتتمثل إحدى الثغرات المهمة في هاتين المبادرتين في غياب التحدي المباشر للشبكات البيروقراطية القاتلة في إسرائيل. وتستخدم الدولة إجراءات بيروقراطية مرهقة للسيطرة على الأغلبية المزراحية. ولإضفاء الطابع الديمقراطي على الدولة، يجب أن يكون هناك نموذج بديل يخفف قبضة النظام الإسرائيلي الخانقة على غالبية مواطنيه من خلال المتاهات البيروقراطية الصارمة. ‏ على الرغم من أن المزيد من اليهود المزراحيم الشرقيين يشاركون الآن في المظاهرات، لا أعتقد أن غالبية المزراحيم من الطبقة الوسطى الذين يحتجون يشاركون في سياسة “التجمع المدني المزراحي” أو “شوفروت كيروت”. كانت المظاهرات، في الأساس، تهدف إلى الحفاظ على النظام القانوني والسياسي والاقتصادي الإسرائيلي كما كان قبل عهد حكومات نتنياهو.‏ شين بيرلي: في مقال نشر مؤخرًا في مجلة “لندن ريفيو أوف بوكس”، قال الباحث الفلسطيني طارق باقوني: ‏‏”إن ما يقلق المتظاهرين هو احتمال تحويل الأيديولوجية الفاشية المألوفة جدًا بالنسبة للفلسطينيين لتُمارس على اليهود الإسرائيليين”. يبدو أن هذا هو تاريخ الفاشية على النطاق الأوسع، كإمكانية مندغمة في القومية منذ البداية. كيف تعتقدين أن المتظاهرين يسيئون فهم الطريقة التي تظهر بها الفاشية في إسرائيل؟ هل تقولين إن المتظاهرين من اليهود الأشكناز الليبراليين يخشون أن يتحولوا إلى مواطنين من الدرجة الثانية مثلما تعاملوا هم مع مواطنيهم الشرقيين منذ فترة طويلة؟‏ سَمدار لافي: ‏الفاشية متأصلة في الصهيونية منذ بدايتها وطوال تاريخها. ‏تاريخيًا، جند اليمين المتطرف العنصري الأبيض التفوقي أتباعه من خلال دمج أيديولوجيات وممارسات التدين والأحيائية (‏تفسير الحياة البشرية من وجهة نظر أحيائية (بيولوجية) بحتة) كجواهر. وقد تعني الأحيائية هنا محاولة تعريف الهويات العرقية أو الإثنية أو غيرها من الهويات الجماعية كحقيقة بيولوجية ثابتة لا يمكن تغييرها. وتبني هذه الجواهر أفكار الصهيونية وممارساتها بشأن الدولة القومية. وفي أساس الحركات الفاشية التفوقية البيضاء، ثمة معيار مزدوج: الطبقات العليا هي التي تبدأ، لكنها تتغذى بعد ذلك على شعبوية الطبقات الدنيا البيضاء. وهذه الشعبوية متجذرة في مركزية الأسرة غير المتجانسة والقيم الأسرية المحافظة. تعتمد الأنظمة الاستبدادية على تفاعل بين زعيم قوي وكاريزمي وبيروقراطية تستنزف الكثير من قدرة المقاومِة لدى الجماهير من خلال التشابك البيروقراطي، مع التركيز في كثير من الأحيان على النشطاء والمنظمات غير الحكومية المعنية بالعدالة العرقية. وكان هذا التفاعل بين الزعيم القوي والجهاز البيروقراطي موجودًا منذ أيام (رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول ديفيد) بن غوريون وسيطرته على الهجرة الجماعية لليهود من العالمين العربي والإسلامي من خلال جعلهم يعتمدون على متاهة بيروقراطية الرفاهية. كان بن غوريون هو الذي‏‏ ‏‏قال‏‏ إن اليهود المزراحيم الشرقيين كانوا عصابات من المجرمين ومدمني الكحول والقوادين.‏ ‏ لطالما عرَّفت إسرائيل نفسها كدولة يهودية. ويمكنك أن تكون يهوديًا إما بالولادة وتُثبت سلالة أم يهودية نقية من خمسة أجيال، أو نادرًا ما تكون من خلال التحول الأرثوذكسي. وهناك تحيز ضد المتحولين دينيًا -تنص إحدى الفقرات في التلمود‏‏ على أن هؤلاء المتحولين يشكلون عبئًا على شعب إسرائيل مثل داء الصدفية، وقد أصبح هذا تعبيرًا عبريًا اصطلاحيًا شائعًا. ولا يعترف نظام المحاكم الحاخامية الذي يحدد الزواج، والطلاق، والدين عند الولادة وغيرها من قضايا الأحوال الشخصية الإسرائيلية اليهودية بالمتحولين إلى اليهودية. والدولة التي تحدد حق الناس في المواطنة من خلال البيولوجيا والدين هي دولة شمولية. وحتى عندما تحدد البيولوجيا والدين المواطنة، فإن الرجال ذوي البشرة الداكنة سيكونون دائمًا تحت الرجال البيض وأدنى منهم، وستكون النساء تحت الرجال. ستكون النساء البيض جزءًا من الحضارة الحداثية، وستعد النساء الداكنات غير مثقفات وحيوانيات.‏ يريد النظام الإسرائيلي الجديد حظر أي إمكانية للإجهاض؛ وإلغاء إجراءات إصدار الأحكام الزجرية في حالات العنف المنزلي؛ وإلغاء المحاكم غير الحاخامية للطلاق؛ ويرى صراحة أن النساء يجب أن يعدن إلى خدمة أزواجهن وولادة الأطفال اليهود. ويخطط النظام للتراجع عما حققته النسويات الإسرائيليات، الأشكنازيات والمزراحيات والفلسطينيات، بعد كل هذه النضالات الشاقة. وفي حين أن العلمانيين الإسرائيليين المحتجين يريدون فصل اليهودية عن الدولة، فإن القضاء يحكم بانتظام في الاتجاه المعاكس -ويُظهر تاريخ ما تسمى بالصهيونية العلمانية نفسها أن مثل هذا الفصل أبعد ما يكون عن النزاهة وحسن النية.‏ شين بيرلي: يُدين جوهر حركة الاحتجاج الأشكنازي اليوم نظام نتنياهو باعتباره معقلاً للاجتماعية المحافظة، بينما يتخيل نفسه، على النقيض من ذلك، منارة لليبرالية. يبدو أنك تقولين إنه في حين أن التهديد القادم من اليمين المتطرف حقيقي، فإن الصورة الذاتية بين الأشكناز الليبراليين بأنهم مستنيرون مضللة، في حين أن هناك في الواقع خيوطًا قوية من النزعة المحافظة الاجتماعية كانت موجودة هناك منذ البداية.‏ سمدار لافي: ‏‏في ‏‏المخيلة الاستشراقية في إسرائيل، يتم تصوير المزراحيم دائمًا على أنهم محافظون تقليديون، في حين يصور الأشكناز أنفسهم على أنهم منارات (لما بعد) الحداثة. ولكن، حتى قبل وصول الليكود إلى السلطة في العام 1977، كان الصهاينة الأشكناز العلمانيون الاشتراكيون هم المحافظون في دينامياتهم الخاصة بالأسرة والجندر، بصرف النظر عن التجربة الفاشلة للكيبوتس. وطوال كل هذا الوقت قاموا بإزاحة هذه النزعة المحافظة، باعتبارها تعبيرًا عن البدائية، إلى العائلات المزراحية. ليست أصغر وحدة تنظيمية في المجتمع الإسرائيلي هي المثل الأعلى لأوروبا الغربية وأميركا الشمالية عن الفرد الملتزم، وإنما هي الأسرة النووية -سواء كانت علمانية أو ملتزمة دينيًا، أشكنازية، مزراحية، أو فلسطينية. لذلك يتم توجيه الرغبة نحو الإنجاب، ويتم توجيه الإنجاب نحو تعزيز التركيبة السكانية اليهودية في وسط العالم العربي. والمصطلح العبري هو “بُلهان ها-إماهوت”،‏‏ (عبادة الأمومة). يمكنك أيضًا ملاحظة هذه الأعراف الإنجابية في مجتمع المثليين في إسرائيل. كان نضال المثليين الأميركيين من أجل حقوق الزواج. أما في إسرائيل فكان من أجل الحق في الأبوة -سواء كان ذلك من قبل الزوجات المثليات، أو تأجير الأرحام للأزواج المثليين، أو العائلات البديلة. وتدمج هذه العقيدة بين البيولوجيا والدين: إنك إما أن تكون يهوديًا بالولادة أو “‏‏غوي”‏‏ (غير يهودي).‏‏ وإذا كنت (تعيد) إنتاج اليهود، فأنت وذريتك تتمتعون بامتياز كونكم مواطنين متفوقين في الدولة. وحتى اليهود “النقيون” من الشتات يحصلون على الجنسية تلقائيًا عندما يهاجرون إلى إسرائيل، بما في ذلك المساعدة في الإسكان والتوظيف وتخفيض الضرائب. كل هذا تم تأسيسه منذ تأسيس الدولة في العام 1948.‏ (يُتبع) ‏ *شين بيرلي Shane Burley: هو مؤلف كتاب “الفاشية اليوم: ما هي وكيف ننهيها” (مطبعة إيه. كيه. 2017). و”لماذا نناضل: مقالات عن الفاشية، والمقاومة، والنجاة من نهاية العالم” (مطبع إيه كيه، 2021). ظهرت أعماله في أماكن مثل “إن. بي. سي”، و”ديلي بيست”، و”تروث أوت”، و”ذا بافلر”، و”الجزيرة” و”جاكوبيان”. وهو مؤلف مشارك ‏‏لكتاب “السلامة في التضامن: محاربة معاداة السامية والفوز بعالم عادل”‏‏ Safety in Solidarity: Fighting Antisemitism and Winning a Just World، الذي سيصدر قريبًا عن “ميلفيل هاوس”.‏ *‏‏بن لوربر‏‏ Ben Lorber: محلل أبحاث أول في مركز أبحاث العدالة الاجتماعية Political Research Associates، حيث يبحث في معاداة السامية والقومية البيضاء. ينشر بانتظام عن معاداة السامية واليمين الأميركي. يدون في موقع ‏‏benlorber.com‏‏. وهو مؤلف مشارك ‏‏لكتاب “السلامة في التضامن: محاربة معاداة السامية والفوز بعالم عادل”، مع شين بيرلي. *نشر هذا الحوار تحت عنوان: Dilemmas of the Mizrahi left in the Israeli protest movement اقرأ المزيد في ترجمات اضافة اعلان

‏معضلات اليسار المزراحي في حركة الاحتجاج الإسرائيلية‏ (2-2)