التشكيلي واكد يمزج التعبيري والتجريدي بنقل دلالات التراث الإنساني

جانب من لوحات التشكيلي واكد-(من المصدر)
جانب من لوحات التشكيلي واكد-(من المصدر)

احتلت القضية الفلسطينية والمعالم الأردنية حيزاً كبيراً في أعمال الفنان التشكيلي عبد الرحيم واكد، الذي يعتمد على الأسلوب التعبيري التجريدي في تقديم أعماله بدلالات تراثية إنسانية، رغم أنه يجيد كافة أساليب الفن التشكيلي، وفق ما ذكر، "مارست غالبية الأساليب الحديثة، ولم أكن أسيراً لأسلوب فني بعينه طوال الخمسين عاماً التي مضت في عالم الفن التشكيلي، وإن كان يغلب على أكثرها أسلوب التعبيرية- التجريدية".

اضافة اعلان


ويعتمد التشكيلي واكد، على التنوع في طرح الموضوعات، وذلك لأنه عاش متنقلاً طوال السنوات التي خلت من عمره ما بين غزة ومصر وسورية ولبنان والسعودية إلى أن حط به الرحال في العاصمة عمّان.


ويقول واكد في حديثه لـ "الغد"، أن الفن التشكيلي يعتبر فناً بصرياً وهو من أقدم الفنون، وليس بحاجة إلى  ترجمة، لكي تفهمه شعوب الأرض عامة، لذلك تم من خلاله تسجيل حضارات وثقافات الشعوب، وأصبح تاريخا مسجلا تعتمد عليه كل أمة منذ العصر الحجري وحتى يومنا هذا، وهو الفن الوحيد الذي يرى دفعة واحدة بعد الانتهاء من تشكيله سواء كان العمل على مساحة مسطحة أو مجسم في الفراغ، وهو بخلاف جميع الفنون التي تتطلب من المشاهد والمستمع أن يراقب العمل الفني من البداية حتى النهاية مثل: "المسرح والسينما والموسيقا والغناء..".


ويضيف، أن الفن التشكيلي هو فن ذاتي فردي، يعبّر به الفنان عم يجول بخاطره من أفكار وأحاسيس قد تكون مرتبطة بالواقع الذي يعيشه، وقد تكون ذات قيم جمالية بحتة، تختص بتناسق الألوان مع الخطوط والمساحات في إطار تكويني مريح للعين، وفي كل الأحوال إذا استطاع الفنان التشكيلي أن يصيغ موضوعاته في قالب فني جميل فقد حقق هدفين في آن واحد مرتبط بالأرض والإنسان، ويستطيع أن يدلي بريشته في كل القضايا المطروحة للنقاش، ويطرح وجهة نظره لحلها ويسهم في خلق جيل واع مثقف فنياً وفكرياً.


ويشير واكد وهو من مواليد غزة هاشم عام 1945، ودرس مادة الفن في معهد الفنون الجميلة التابعة لوزارة الثقافة الأردنية لمدة (16) عاماً، إلى أن الفن التشكيلي يمر بعدة مراحل، وهي ما تسمى بالأساليب الفنية، فقبل ظهور الكاميرا كانت هناك الكلاسيكية ومن ثمّ الواقعية، وبعد تحليل الضوء ظهرت التأثيرية الانطباعية، وبعدها بدأ الفنان يخرج عن المألوف، فظهرت التعبيرية والرمزية والدادية والسريالية إلى أن وصلنا إلى التكعيبية والتجريدية، وهي ما يسمى بالفن الحديث.


ويضيف، لكن ما نعيشه الآن فقد ظهرت حركة فنية تسمى ما بعد الحداثة؛ وهي فن الصدفة أو العفوية، والتي تأصلت مع التقدم التكنولوجي الهائل بدمج عدة صور في صورة واحدة، واستخدام مواد وخامات ملونة لاصقة، ودمجها مع بعضها البعض وإحداث سطح خشن على اللوحة، وهو ما يعرف بفن الكولاج، وفن الصدفة يحتاج إلى عين ثاقبة فنياً تستطيع أن تختار وتقدم للمشاهد ما يخدم الفن التشكيلي بقالب مبتكر جميل.


ويستخدم واكد العديد من المواد المتنوعة في تنفيذ أعماله بين الرسم الزيتي أو الأكريليك على القماش، إضافة إلى بعض المواد الأخرى مثل الطرق على النحاس والطباعة بحسب ما أكده، بأنه يستطيع خلط بين التكعيبية والتعبيرية التجريدية الانطباعية في رسوماته لإثارة القضية الفلسطينية. لذلك فهو يجمع بين الشخصيات والبعد الإنساني والتقاليد والأرض.


ويستحضر واكد قصة إصابة والده أثناء العدوان الثلاثي عام 1956، "عندما كان عمره (11) عاماً، إذ رسخت في مخيلته وجسدها بلوحة تشكيلية واقعية من رسوماته تدل على وحشية العدو الصهيوني في القتل والسرقة، وتتمثل اللوحة عن حادثة إصابه والده في فخذه، أثناء ممانعته لضابط صهيوني يريد دخول منزله، ما أدى إلى إطلاق النار عليه من قبل أحد عناصر الجنود، بعد تلاقيه أمراً من الضابط، حينها سقط والده في فناء المنزل غارقاً بدمائه وكان يتألم بشدة لأن الرصاصة كانت ما تزال موجودة في فخذه"، وفق سرده للحادثة.


ويتابع شرحه، "بعد محاولتنا إسناده وإيقافه مرتكزاً على والدتي وأخي الأكبر وأنا لإسعافه في إحدى المستشفيات، وبمجرد خروجنا من المنزل، لمحنا جنود العدو الذين أمرونا بالعودة إلى المنزل وترك الوالد يتصرفوا بشأنه  وبعد ثلاثة أيام من منع التجول وبعد فك حظر التجول لساعات معدودة سارعنا بالبحث عنه فوجدناه يرقد على أحد أسرة مستشفى الطوارئ، فحمدنا المولى –عز وجل- وشكرناه على نعمة بقاء والدنا على قيد الحياة"، محيياً الأهل الصامدين على ثرى غزة الحبيبة والأراضي الفلسطينية".


ويقول: في كل موضوع أطرحه وأتفاعل معه القضية الفلسطينية حاضرة، لأنها قضية أمة ساكنة في كياننا ووجودنا، مشيراً إلى أن قدرته على الرسم الواقعي التجريدي يحرر ألوانه من القيود لتأخذ أشكالها النهائية على امتداد مساحة اللوحة، موضحاً أن أي عمل واقعي لا يمكن أن يصل إلى العمق الخاص للموضوع، لأن الناس يتعاملون مع اللوحة بشكل مباشر، غير أنه يرى التجريد عالماً مليئا بسحره الخاص، كأسلوب يعبّر عن الفكر أو عن المشاعر.


ويهتم واكد كثيراً بتفاعل المشاهد مع قضية ما أو فكرة ما تحرك جزءا من تفكيره أو من إحساسه أو أن يصل إليه معنى بحسبه، "أرسم لكي يتفاعل الناس معي، وهذا لا يمنع أن أوضح لهم بعض الجوانب الخافية في محتوى اللوحة التشكيلية".


ويذكر أن الموضوعات التي يرسمها تجعله يعبر عن الكثير ما  يثير اهتمامه كإنسان وفنان، لأنه يعد واحد من رواد الفن التشكيلي الذي بدأ تجربته العملية عندما عاد من مصر بعد حصوله على درجة البكالوريوس من كلية الفنون الجميلة في جامعة القاهرة عام 1969 ، ليصبح من الفاعلين والمؤثرين في الحركة التشكيلية على مستوى الوطن العربي، من خلال مشاركته الفعالة بإقامة مجموعة من المعارض الفنية الفردية والجماعية في الدول العربية مثل: الأردن وسورية والسعودية ومصر.


وعمل واكد في سلك التعليم وتدريس الفنون الجميلة، والإخراج الصحفي، وحصل على العديد من الجوائز الفنية وشهادات التكريم منها الميدالية البرونزية في معرض بينالي الاسكندرية السابع لدول البحر الابيض المتوسط عام 1968، كما حصل على المركز الثاني في مسابقة "الحرب والسلام" في القاهرة في ذات العام، وأيضا حصل على المركز الاول في معرض "الفنان العربي" عام 1982 في الطائف، إلى جانب العديد من التكريمات لمشاركاته البارزة في المهرجانات ومعارض الفنون التشكيلية، وهو عضو مؤسس لاتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطينيين، والنادي الأدبي بمدينة الطائف السعودية.

 


الفنان التشكيلي عبد الرحيم واكد-(من المصدر)