تخليص المعاملات في مؤسسات حكومية ومستشفيات.. حينما "ينغص" حياة ذوي إعاقة

6+56+
6+56+
ربى الرياحي- بين كثرة الأوراق والإجراءات الشكلية والانتقال من قسم إلى آخر لإنهاء معاملة ما أو مراجعة لأحد المستشفيات والاضطرار للوقوف في الطابور لصرف الأدوية؛ توجد الكثير من الحالات التي تعاني في الوصول إلى خدمات ضرورية كتجديد الأوراق الرسمية أو معاملات أخرى لأشخاص من ذوي الإعاقة وكبار السن. وعلى أبواب تلك المؤسسات قد لا يجد بعض الأشخاص من يساعدهم ويرافقهم في ملاحقة معاملاتهم وأوراقهم وسط تعقيدات لا تكترث بالبيئة هل هي مهيأة أم لا والوضع الصحي للشخص وظروف المحيطين به أسرته وأقاربه ومدى تفرغهم لمرافقته والقدرة على مساعدته دون أن يزيد ذلك كله من أعبائهم. “ليس تقصيرا أو تخليا، لكن لكل منا ظروفه وقدرة على التحمل”؛ بهذه الكلمات يعلق علي صالح (44 عاما) وهو من ذوي الإعاقة البصرية على تساؤلات البعض التي تستنكر عليه مراجعة إحدى المؤسسات بمفرده من دون مرافق يساعده، مبينا أن هناك من سأله أنت ما عندك أولاد ما عندك أخوان؟” تلك الأسئلة كانت تطرح بتذمر وعصبية وكأنهم يتحدثون مع طفل صغير أو مع شيء لا يشعر. الموقف أزعجه كثيرا وجعله يفكر بينه وبين نفسه لماذا لا يكون في كل مكتب خاص بذوي الإعاقة أو كبار السن يتم من خلاله تخليص معاملاتهم وذلك من دون أن يضطروا لمتابعتها وملاحقتها بأنفسهم؟ فكثير من المباني ما تزال غير مهيأة بالنسبة لأشخاص يعيشون أوضاعا خاصة وتحديدا في الحركة والتنقل من مكان إلى آخر. ووفق علي، فإن الشخص من ذوي الإعاقة قد لا يجد فعلا أحدا من أسرته يرافقه والأسباب كثيرة، لافتا إلى أن تقييد حركته بهذه الطريقة قد تشعره بأنه ثقيل على من حوله وبالتالي يحرم من أن يكون مستقلا له حياته الخاصة لذا لا بد من تسهيل الأمور أمام هؤلاء الأشخاص وذلك بتخصيص شخص أو شخصين داخل كل مؤسسة ويتم تدريبهما على التعامل مع هذه الفئة كل حسب وضعه. وتتفق معه هالة (35 عاما) والتي تواجه مشكلة حقيقية لكونها موظفة في إحدى الشركات الخاصة. تقول انها وبحكم عملها الصعب والمسؤولية الكبيرة تجد صعوبة في إذن التأخير أو حتى الإجازة، لكنها تضطر لذلك أحيانا لكونها ابنة وحيدة ووالدتها امرأة كبيرة بالسن وتعاني من بعض الأمراض المزمنة، مشيرة إلى أن الإجراءات في المستشفيات كثيرة ومتعبة ولا تستطيع والدتها وخاصة أنها غير قادرة على المشي لمسافات أن تتحرك وحدها داخل تلك المباني الكبيرة والطوابق العالية. وتبين هالة أن الأزمة الخانقة على صرف الأدوية تأخذ من وقتها كثيرا لدرجة أنها أحيانا قد تقضي اليوم بأكمله في المستشفى بين التحاليل وصور الأشعة والمحاسبة وهذا كله حسب رأي هالة بدأ يؤثر على عملها لكنها في الوقت نفسه ليس بيدها خيار آخر. الناشطة الحقوقية في مجال ذوي الإعاقة الدكتورة تقى المجالي تبين أن متابعة المعاملات سواء في المؤسسات أو المستشفيات هي قضية صعبة بالنسبة للأشخاص من ذوي الإعاقة وكبار السن وخاصة أن البيئة وعدم تهيئتها ما تزال تشكل عقبة في طريق وصولهم للكثير من حقوقهم. وتضيف أن المشكلة الأخرى التي تواجه هؤلاء الأشخاص هي عدم وجود موظفين مؤهلين ومدربين على التعامل مع هؤلاء الأفراد على اختلاف ظروفهم فالتواصل الخاطئ من قبل البعض قد تنتج عنه أضرار كبيرة بسبب سوء الفهم بين الموظف والمراجع. وتشير المجالي إلى أن الموظف باعتباره يقدم خدمة عامة فمن الضروري أن يكون مؤهلا للتعامل مع كل الفئات والأشخاص من ذوي الإعاقة هم جزء من المجتمع من حقهم الوصول للخدمات كافة بكل سهولة. والحل من وجهة نظر المجالي هو إيجاد مكتب في كل وزارة أو مديرية أو موظف على الأقل لديه كل المؤهلات اللازمة كلغة الإشارة والوصول إلى الشخص من ذوي الإعاقة الحركية إذا كان في السيارة أو التنقل بدلا منه لإتمام كل الإجراءات المطلوبة. وأيضا ينطبق ذلك على المستشفيات فهناك وسائل وحلول كثيرة يمكن اللجوء إليها للتخفيف عن الأشخاص من ذوي الإعاقة أو حتى كبار السن كخدمة الفحوصات المنزلية كما أن للحكومة الإلكترونية دورا كبيرا في التخفيف عن هذه الفئة بشرط أن تكون مواقعها مهيأة ويمكن للأشخاص من ذوي الإعاقة استخدامها والدخول إليها والاستفادة منها دون مساعدة من أحد فهم بهذه الطريقة يختصرون الوقت والمشقة ويكونون مستقلين كغيرهم. والنقطة الأهم حسب رأي المجالي، هي المتابعة والتقييم لتكون الأمور تحت السيطرة، إذ يقوم الموظفون بواجبهم على أكمل وجه وتقديم الخدمات بأفضل طريقة ممكنة سواء من الناحية الإدارية أو المعنوية. ودور المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في هذه الحالة هو اختيار عدد من الموظفين من كل المؤسسات والوزارات وتدريبهم ومهم جدا أن يكونوا على قدر كبير من الكفاءة والاستعداد النفسي والذهني للتعامل مع مختلف الفئات بالإضافة إلى انفتاحهم على التنوع الموجود في المجتمع وعدم النظر لهؤلاء من منظور رعائي. ويصرح الناطق الإعلامي باسم المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رأفت الزيتاوي أن هناك شكاوى كثيرة تصل للمجلس باستمرار تتعلق أغلبها بالتهيئة البيئية وصعوبة وصول الأشخاص ذوي الإعاقة للخدمات. ومن هنا يبين الزيتاوي لـ “الغد” أن المشكلة التي تواجه هذه الفئة تحديدا في هذا الشأن عدم وجود تسهيلات بيئية في الدوائر الحكومية والمستشفيات وأيضا تعقيد في الإجراءات والانتظار والتنقل بين أكثر من مكتب دون مراعاة لظروف الشخص ذوي الإعاقة والذي قد يضطر للذهاب بمفرده. لذا، فمن الضروري الالتفات لهذه الفئة وإعطاؤها الأولوية ليكون أسهل عليها الوصول للخدمات بالتساوي مع غيرها. كما يقوم المجلس بدوره بتقديم الدعم الفني للمؤسسات حتى تتمكن من تهيئة مبانيها. ووفق الزيتاوي فهناك مبان استجابت لبعض الشروط المطلوبة وتوفير أدنى حد من التسهيلات. وهناك مؤسسات لا تولي أي اهتمام بحقوق ذوي الإعاقة وقضاياهم وهذه تحديدا ما تزال غير مهيأة، وبالمقابل توجد مؤسسات تم تهيئتها بالكامل. وحتى نصل لبيئة مهيأة وآمنة يستطيع من خلالها ذوو الإعاقة التنقل بسهولة؛ أطلق المجلس جائزة سنوية لأفضل مبنى مهيأ وذلك لتحفيز المؤسسات وتشجيعها على تهيئة مبانيها والوصول لمجتمع دامج وعلى المستويات كافة، مشيرا إلى أن دور المجلس أيضا يتلخص في تدريب الموظفين داخل المؤسسة على إتيكيت التواصل مع الأشخاص ذوي الإعاقة والتعريف بقضاياهم وحقوقهم. ويلفت الزيتاوي إلى أن بعض المؤسسات كما شاهدنا مؤخرا بدأت تقدم خدمة النافذة الواحدة، و”نتمنى تعميم هذه الفكرة لتشمل جميع المؤسسات”. وحول ذلك ترى الاختصاصية النفسية الدكتورة سلام عاشور أن من حق الأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن الوصول لكل المرافق والخدمات ضمن بيئة مهيأة ودامجة لنستطيع في الأردن تحقيق تهيئة مجتمعية وفي جميع مناحي الحياة كالمواصلات والمدارس والمؤسسات والمستشفيات ودور العبادة، وغيرها من الأماكن. ومن وجهة نظر عاشور، فإن الحياة اليوم تغيرت وخاصة في ظل الانتشار التكنولوجي الكبير، وهذا بالطبع يدفع للتوجه لتسهيلات من نوع آخر تعتمد في الدرجة الأولى على التطبيقات والمواقع الإلكترونية بدلا من زيارة الأماكن والتي قد تكون غير مهيئة كما يجب لاستقبالهم والتعامل معهم كما يجب، وبامكان أي شخص من ذوي الإعاقة أو حتى كبير في السن اللجوء لتسهيلات أقل مشقة وخطورة من أجل إنهاء معاملات رسمية يحتاجون لإتمامها لمن يتفرغ لهم ويرافقهم. وتلفت عاشور إلى أن تخصيص مكتب في كل مؤسسة لخدمة الأشخاص من ذوي الإعاقة وكبار السن أمر أيضا في غاية الأهمية، إذ أن تأهيل عدد من الموظفين لهذه المهمة يتطلب القدرة على التعامل مع الكفيف والأصم وذوي الإعاقة الحركية وغيرها من الإعاقات الأخرى وأن يتم التعامل معهم باحترام وهذا حق لهم وليس منة أو شفقة، حيث من الضروري أن يمتلك الموظف الخبرة الكافية والمعلومة الصحيحة وأن يكون على درجة كبيرة من الوعي والثقافة. ومن جهتها تشير خبيرة علم الاجتماع فاديا إبراهيم أن بعض أفراد المجتمع لا يستطيعون استخدام مهاراتهم الجسدية بشكل فعال أو كامل بسبب الإعاقة أو المرض أو الكبر. هذه الفئة لا تستطيع التنقل أو التحرك بسهولة وحتى إذا وصلت للوجهة المحددة ربما لا تستطيع إتمام مهامها واحتياجاتها من تلك الوجهة لعدم وجود المساعدة والمساندة والإرشاد الكافي لهؤلاء الأشخاص. بعضهم قد لا يستطيع القراءة أو الكتابة أو فهم واستيعاب التعليمات، ولا يوجد لديه مهارة تعبئة النماذج والطلبات مثلاً. كما أن بعض الإعاقات غير مرئية ولا يمكن ملاحظتها على الفور للمبادرة في المساعدة مثل عدم القدرة على النطق أو السمع. لذلك من باب العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص في الحصول على الخدمات والاستفادة منها داخل الدولة وجميع المؤسسات والمرافق الحكومية والعامة وجب تجهيز تلك الأماكن لاستقبال ومساعدة ذوي الإعاقة وكبار السن وتقديم المساعدة اللوجستية والمعنوية لإتمام مهامهم بكل سهولة ويسر، من خلال توفير كرسي متحرك وموظف مختص فقط بمساعدة هؤلاء الأفراد ويمكن وضع جرس خاص على باب الدوائر والمؤسسات لطلب المساعدة وأكيد طبعاً مكان للاصطفاف وممرات خاصة ونوافذ خدمه مناسبة لتلك الفئة، وموظف مختص بلغة الإشارة يُسهل تعامل المراجعين مع باقي الموظفين وترجمة طلباتهم واحتياجاتهم. مساعدة هذه الفئة في المجتمع وتسهيل وصولهم لاحتياجاتهم ليس منة ولا فضلا بل هي حق أساسي لهم كمواطنين كفله لهم الدستور. وان تقدم وحضارة أي مجتمع يظهر من خلال وضع تلك الفئة ومدى الاهتمام بها، لذا وجب على كل الجهات النظر بعين الأهمية إلى تلك الفئة نظرة جدية حقيقية تهدف لتقدم أعلى مستويات الخدمة والرعاية والمساعدة في تلك الجهات وتسهيل الإجراءات لهم وتسريع إنجاز مهماتهم بكل مرونة ويسر. الى ذلك، السعي الدائم لتطوير الخدمات المقدمة لتلك الفئة كل عام سواء كانت خدمات لوجستية أو إلكترونية ورقمية ويجب أن لا تنسى تلك الجهات من خلال تدريب وتطوير موظفيها بعقد الدورات والورش الخاصة بالتعامل مع هذه الفئة وتطوير تقديم الخدمات لهم. وممكن للأردن أن يطلع على تجارب دول صديقة كانت رائدة في تقديم الخدمات لذوي الإعاقة وكبار السن. أيضاً يجب على المؤسسات والجهات المختصة بقضايا ذوي الإعاقة ومؤسسات المجتمع المدني بالضغط الدائم على الجهات والمؤسسات الحكومية والخاصة لتقديم أفضل سُبل الخدمة والمساعدة لهؤلاء الأشخاص. وبناء ثقافة ومجتمع يحترم تلك الفئات ويساعدها من خلال المناهج الدراسية وكتب التربية الوطنية والاجتماعية. كما يمكن تشجيع الطلاب في المدارس والجامعات على عمل مشاريع وابتكارات وأفكار تساعد في خدمة تلك الفئة، مع تفعيل ثقافة تقديم الشكاوى من أجل تحسين الخدمة في حال لاحظ أي شخص سوء معاملة أو تجاهل واستنكار لتلك الفئة في أي دائرة أو جهة حكومية أو خاصة أن يتقدم بشكوى للأفراد المختصين بمعالجة هذا الموضوع. وإلى جانب الدعم الأفقي المقدم من على المستوى الشعبي والمؤسسي يجب أن يكون هناك دعم عمودي على مستوى الخطط والسياسات ومراكز اتخاذ القرارات لتحسين الرعاية والخدمات المقدمة لذوي الإعاقة وكبار السن في كل مكان وعدم التغاضي عن حقوقهم مثلهم مثل باقي أفراد المجتمع. اقرأ أيضاً: نقل مهمات رعاية ذوي الإعاقة إلى “الصحة”.. هل يحقق الهدف المنشود؟ مركز ذوي الإعاقة في “طيبة إربد”.. من يتحمل مسؤولية الخراب؟ التعدي على المواقف الخاصة.. طريق “وعرة” أمام ذوي الإعاقةاضافة اعلان