حماية الطفل.. العالم الخارجي ليس مدينة فاضلة

Untitled-1
Untitled-1

ديمة محبوبة

عمان- تصرخ وتبكي، تركض بلا وعي، تبدأ بتقليب الملابس في المحل الذي تجلس فيه بلا فائدة.. تنادي بأعلى صوتها "محمود وينك ماما"، لكن من دون إجابة. تسأل عنه، تصفه لكل من تقابله، تمسك هاتفها مرتجفة، تتحدث كلمات غير مفهومة، تذهب لموظف الأمن تسأل عن ابنها الذي كان بجانبها قبل قليل.اضافة اعلان
هبة حسين والدة محمود، كان يلازمها طوال الوقت، ثم انشغلت عنه بملابس إخوته التي تشتريها من أجل العيد، ولم تنتبه لغياب الطفل ذي الأعوام الثلاثة، لتبدأ رحلة البحث عنه، وتجده بعد نحو ساعتين في مكتب الأمن التابع للمجمع التجاري الذي كانت فيه.
ما عاشته أم محمود، جعلها تسترجع كل ذكريات الأفلام السينمائية الدرامية، التي تجسد خطف أحد الأطفال، ومنها فيلم صدر باسم Changeling أو "استبدال"، العام 2008، وهو مستوحى من قصة حقيقية حدثت العام 1928 في لوس أنجلوس، قدمته النجمة الأميركية أنجلينا جولي، بالتعبير عن مكنونات أي أم قد تفقد طفلها ومشاعرها وأوجاع قلبها من مصير غير معلوم.
اختصاصي علم النفس د. موسى مطارنة، يؤكد أهمية دور الأهالي في حماية أطفالهم، وإدراك أن الحياة خارج المنزل ليست آمنة كما هي في المنزل أو تحت رعايتهم. كذلك الحرص على تعليم الأطفال كيفية التعامل والسيطرة على ذاتهم خارج المنزل قدر المستطاع، وعدم تركهم بلا مراقبة أو من غير رفيق أمين كبير السن.
ويؤكد أهمية مراقبة الأطفال وتحذيرهم، وخصوصا في الحدائق العامة أو المولات أو أي مكان للعب، فأي طفل يتعرف على رفيق خلال اللعب عليه أن يأتي به لذويه وبعد ذلك يلعبان بالقرب منهما، كما على الأهل الحزم في موضوع عدم الابتعاد، فالأطفال يخافون من التهديد الحازم بترك اللعب والعودة إلى المنزل على سبيل المثال.
مستشار أول الطب الشرعي الخبير في حقوق الطفل ومواجهة العنف والإصابات الدكتور هاني جهشان، يؤكد أن المراجع البحثية في حماية الطفل تشير إلى أنه من غير المتوقع مطلقا أن يسمح لطفل عمره أقل من خمسة أعوام أن يلعب وحده خارج المنزل بأي حال من الأحوال إن كان فناء المنزل بسياج أو بدون سياج.
ويكمل أنه يسمح للأطفال بعمر 5 إلى 6 أعوام باللعب وحدهم لبضع دقائق فقط، في المرة الواحدة، في فناء منزل له سياج.
ومن ناحيته، يشير التربوي د. محمد أبو السعود، إلى أن التعامل مع الأطفال يحتاج إلى حذر كبير، فالطفل ذكي ومهما كان عمره صغيرا يمكن إيصال الفكرة الصحيحة له بطرق مختلفة.
وينصح بأن تدرب الأمهات أطفالهن على الصراخ، وخصوصا عندما يحدث أمر غريب لا يعجبهن، حتى عند إعطاء الغريب الحلويات عليهم أن لا يقبلوها وأن يكونوا حريصين في تعاملهم معهم حتى وإن كانوا ظريفين.
المطارنة يتفق مع السعود، مؤكدا أن زرع الحرص الزائد في نفوس الأهالي والأطفال يعود بالنفع لجميع الأطراف، خيرا من أن تتم الندامة في حال حدوث السوء مهما كان نوعه، لافتا إلى أن الكثير من الأهالي يلتهون بأجهزة الهاتف والسوشال ميديا تقطيعا للوقت أثناء لعب أطفالهم، والأصل أن يكون التركيز بكل الحواس.
ويقول جهشان "بعمر 8 أعوام يمكن السماح للأطفال اللعب وحدهم خارج المنزل بفناء بدون سياج لبضع دقائق بشرط التحقق من البيئة حول المنزل والمخاطر المحتملة في المجتمع المحلي، وأيضا يجب ضمان بعد الفناء عن الطرق وأماكن اصطفاف سيارات الغرباء".
ويجيب جهشان أن الكثير من الأهالي يرسلون الأولاد إلى المدرسة وحدهم مشيا على الأقدام، مضيفا أن الأوراق البحثية توضح أنه من غير المتوقع لأي طفل عمره أقل من 12-13 عاما أن يذهب للمدرسة مشيا على الأقدام وحده أو برفقة آخرين، ومهما اعتقد الأهل أن موقع المدرسة قريب، وبغض النظر عن عمر الطفل يجب التحقق من سلامته بتكرار منتظم أثناء وجوده بالخارج.
ويضيف "أنه مهما كانت ثقة الأهل بمهارات الطفل وقدراته على حماية نفسه، يجب التحقق من سلامة البيئة ودراسة المخاطر في المجتمع المحلي". يقول "يتوقع أن يكون هناك في جميع الأحياء، مساحات مخصصة للعب الأطفال آمنة وذات مواصفات تضمن السلامة".
ويشير إلى ضرورة استغلال ذكاء وذاكرة الطفل بحفظه عنوان المنزل وأرقام هواتف الكبار، وأن يعلموهم الانتباه يوميا على المشاوير التي يذهبوا كي يحفظوا الطرقات الخاصة بهم.
وبحديث الجهشان عن مراحل نمو الطفل وقدراته، يلفت إلى ضرورة أن يقيم الوالدان مستوى نضج الطفل بالتعامل مع الآخرين، ومستوى حماية نفسه من أي مخاطر بالاستغلال أو الخطف بعدم التحدث للغرباء أو الذهاب معهم تحت أي ظرف من الظروف؛ إذ يجب تقييم تصرفاته المتوقعة المتعلقة بمغادرة المكان بدون إعلام أهله، وهل يفقد السيطرة بأن يركض في الشوارع بدون إدراك مخاطر ذلك.
ويوضح جهشان، أهمية دراسة جميع هذه الأمور قبل السماح لأي طفل من مغادرة المنزل للخارج وحده، بما في ذلك تقييم خاص للأطفال ذوي الإعاقات الحركية والبصرية والسمعية والأطفال الذين يعانون من فرط الحركة أو التوحد أو صعوبات التعلم أو صعوبات النطق.
ويشير أبو السعود، إلى أن الطفل بغريزته مقاتل شرس، كل ولي أمر يدرك ذلك، فهو يدافع عما يريد بروح قتالية عالية، وقد تكون تلك الروح الشرسة مصدر إزعاج للأهل، غير أنها في الحقيقة مصدر لدفع الأذى عن الطفل، وحماية له من مشاكل كثيرة قد يواجهها، منها التحرش والخطف.
لذا يجب ترويض تلك الغزيرة فيه وليس قتلها، ويجب أن يفهم الطفل أنه قوي، وأنه في حالة التعدي عليه يجب أن يستخدم تلك القوة، فيصرخ ويرفس ويستغيث بالمارة ويركل ويعض إن أمكن.
ويبين جهشان "في جميع الأحوال يفضل أن يكون مع الطفل أثناء لعبه خارج المنزل، رفقاء كأشقائه أو أقاربه أو أصدقائه أو زملائه في المدرسة، وعادة ما يكون الأطفال أقل عرضة للمخاطر وأكثر أمانا عندما يلعبون في مجموعات".
ويلفت إلى مخاطر عدة يمكن أن يتعرض لها الطفل خارج المنزل، بحسب مرحلة تطوره ونموه، وقدراته الشخصية والمعرفية، قد يتوه الطفل في الطرق والأزقة ويضل الطريق إلى منزله، وقد يتعرض لحوادث المرور ولمخاطر الإصابات بسبب ضعف مواصفات السلامة في الطرق والمرافق العامة.
وفي مرحلة أكبر من 12 عاما قد يتعرض الطفل لمخاطر من رفقاء السوء كالتعود على التدخين أو الكحول أو المواد الطيارة، وقد يتعرض للعنف الجسدي والتنمر من أطفال آخرين في الطرقات، كذلك مخاطر العنف الجنسي من المراهقين والبالغين إن كانوا من المجتمع المحلي أو غرباء.
وعلى الرغم من عدم شيوعها في مجتمعنا، قد يتعرض الطفل لمخاطر الخطف المباشر وبالتالي الاتجار بالبشر وبالأعضاء البشرية أو الانضمام لعصابات تهريب المخدرات، أو الانخراط في العصابات المسلحة والتكفيرية.
هذه المخاطر ليست محصورة بوجود الطفل خارج المنزل أثناء اللعب، بل أيضا قد تحدث خلال فترة ذهاب الطفل وحدة للمدرسة وعودته منها، وأيضا قد تحدث بالأماكن الأخرى التي قد يتواجد بها الطفل وحيدا إن كان برضا والديه أو رغما عنهما أو بغفلة منهما، مثل مجمعات التسوق أو المتنزهات العامة أو صالات الألعاب والسينما.