هل "خفت" صوت نواب عن مساءلة الحكومة؟

واحدة من جلسات النواب السابقة-(أرشيفية)
واحدة من جلسات النواب السابقة-(أرشيفية)

كشف التقرير الأخير الذي أصدره مركز "راصد" لمراقبة الانتخابات، والذي تناول أداء البرلمان التاسع عشر خلال العام الثالث من عمره، عن حالة من الترهل في الأداء النيابي في ممارسة مهامه وواجباته الدستورية المتعلقة بالمساءلة والمراقبة.

اضافة اعلان


وأثبتت الأرقام التي طرحها "راصد" في تقريره صحة الحديث عن خفوت وتراجع نيابي في ممارسة المجلس لدوره الرقابي، أيدته آراء متخصصين بالشأن النيابي تحدثوا لـ"الغد"، واعتبروا أن هذا الخفوت أمر أصبح "شبه طبيعي" على مدار مجالس سابقة، موجهين أصابع اللوم للنواب أنفسهم.


 ووفق تقرير "راصد" هناك 18 استجوابا فقط قدمها مجلس النواب للحكومة خلال الثلاثة أعوام من عمره أجيب على 55 % منها، وقدم مجلس النواب في عامه الثالث 406 أسئلة نيابيا قدمها 68 برلمانيا وبرلمانية، وأجيب على 80 % منها، فيما لم يتقدم ما مجموعه 55 نائبا بأسئلة خلال العام الثالث، وتبين التحليلات أنه تم إدراج 51 سؤالا على جداول أعمال الجلسات الرقابية، منها سؤالا أدرج لمرتين وسؤالا أدرج لثلاث مرات.


 وخلال مناقشات الأسئلة النيابية بحسب تقرير "راصد" تم طلب تحويل 12 سؤالا إلى استجواب من قبل البرلمانيين والبرلمانيات مقدمي الأسئلة، إلا أنه وعند مراجعة ما تم تسجيله لدى الأمانة العامة تبين تسجيل سؤالين من أصل 12 سؤالا، وتم الاكتفاء بالإجابة على 21 سؤالا.


 وبحسب تحليل الخبير في الشؤون البرلمانية وليد حسني، فإنه من المهمات الأساسية للنائب الرقابة والتشريع، والمشرع في الدستور ساوى بين المهمتين بحيث جعلهما في مرتبة واحدة، لذا فمن حق النائب ومن واجبه الدستوري أن يسائل الحكومة إما عن طريق السؤال أو الاستجواب.


 لكن ما يجري على الأرض كما يضيف حسني، ومنذ مجالس عديدة مضت فإن النواب هم من تنازلوا عن مهمة وواجب المساءلة والاستجواب، الأمر الذي أدى إلى تقوية الصوت الحكومي في مواجهة الصوت النيابي الخافت، مشيرا إلى أنه إذا أجرينا مقارنة بين هذا المجلس والمجالس النيابية السابقة سنجد تراجعا واضحا ومثيرا للتساؤل لمهمة الرقابة على السلطة التنفيذية.


هذا سببه، كما يرى حسني تخلي النواب وعدم استخدامهم للسلطة الرقابية المتاحة لهم، وأضاف "أقول وبكل اطمئنان إن ما كشفه تقرير "راصد" يعتبر من أقل المستويات الرقابية التي سجلتها المجالس النيابية السابقة، بمعنى أننا نعايش تراجعا مخيفا للدور الرقابي للنواب".


وأضاف أن أرقام "راصد" توضح أن أكثر من 16 استجوابا لم يتم مناقشتها، هذا سببه زهد وتراخي النواب أصحاب الاستجواب، الأمر الذي يبعث الشكوك ويجعلنا نطرح تساؤلات عدة مثل هل حصل النائب على أجوبة لا يجوز للرأي العام الاطلاع عليها؟ هذا إن حدث فإن النائب في هذه الحالة يعتبر شريكا مع الحكومة في حجب المعلومات عن الرأي العام.


"لا جديد" هكذا علق الخبير في الشؤون البرلمانية والمحلل السياسي عريب الرنتاوي، على أرقام مركز "راصد" التي كشفت عن ضعف نيابي في ممارسة دورهم في المسائلة، واعتبر أن هذا الأمر ظاهرة متكررة على مدار المجالس النيابية السابقة، ناهيك عن أن هناك نوابا يدخلون ويخرجون من المجلس دون تقديم أسئلة للحكومة أو استجواب.


وبحسب رأيه، فإنه إضافة إلى غياب الاستجواب، فهناك أيضا تلميح بالاستجواب يمارسه بعض النواب، لكن حينما تأتي اللحظة يختفي الاستجواب.


واعتبر الرنتاوي أن ما يحدث مشكلة حقيقية في مجلس النواب الحالي فيما يتعلق بضعف دوره الرقابي والسياسي والتشريعي، الأمر الذي يفسر سبب تآكل مكانة مجالس النواب لدى الرأي العام.


ومن وجهة نظر المدير التنفيذي لمركز "راصد" الدكتور عامر بني عامر كما جاء لـ"الغد"، تراجع عدد أسئلة النواب وانخفاض الجلسات الرقابية بشكل عام، يمكن أن ينظر إليه من زوايا مختلفة، لعل الزاوية الأهم هي أن حجم التفاهمات ما بين الحكومة والنواب ارتفع وقد تكون أحيانا إشارة لمستوى رضا النواب عن الحكومة، فقد يكون هذا الرضا قد ارتفع خاصة وأن الحكومة أنهت ثلاثة أعوام من عمرها ما يعني أن العلاقة قد تطورت بين الطرفين.


وأضاف "لكن بالمجمل العام فإن تراجع المستوى الرقابي في هذا البرلمان والبرلمانات السابقة، للأسف الشديد، له علاقة ببنية البرلمان وبنية الكتل، فعندما تكون الكتل ضعيفة لا بد أن ينتج تراجع في العمل الرقابي، لأن العمل الرقابي والاستجوابات تحتاج إلى حشد النواب وحشد كتل تسانده، وهناك كثير من النواب تراجعوا عن أداء دورهم الرقابي أو توجيه أسئلة للحكومة لأنهم يعلمون أنه لن يكون لديهم عدد كاف من النواب لمساندتهم.


ناهيك أيضا موضوع الإطار الإعلامي والرغبة في الظهور للإعلام وهو ما سجلناه في "راصد" كما يستكمل بني عامر، هناك نواب يظهرون أمام الإعلام ويعلنون أنهم يريدون تسجيل استجواباتهم للحكومة لدى الأمانة العامة، لكنهم لا يقومون بذلك وهو بحسب اعتقادي فأنهم يريدون أن يظهروا أمام الإعلام والجماهير لكن في إطار الغرف غير المعلنة يريدون أن يبقوا على علاقة طيبة مع الحكومة ولا يريدون أن يحدثوا شرخا معها.

 

اقرأ المزيد : 

شهوات النواب في الحكومة