منظمات المجتمع المدني في الأردن.. هل تؤدي الدور المنشود بنصرة غزة؟

جانب من الدمار جراء القصف الهمجي على غزة امس-(وكالات)
جانب من آثار القصف الهمجي على غزة أمس-(وكالات)

فيما يؤكد نشطاء ومدافعون عن حقوق الإنسان في منظمات مجتمع مدني أردنية، رفض ازدواجية معايير الدول الغربية في مواقفها المعلنة حيال حرب الإبادة على أهالي قطاع غزة، وما أسموه "الانحياز الأعمى للاحتلال الإسرائيلي"، وجه العديد منهم رسائل احتجاج إلى هيئات دبلوماسية وغربية وأممية داخل المملكة وخارجها للتعبير عن ذلك. 

اضافة اعلان


وفي أثناء ذلك، تعرض عاملون أردنيون في منظمات أجنبية عاملة في الأردن، إلى تهديدات بالفصل وإنهاء الخدمات في حال التعبير عن مواقف تضامنية مع الفلسطينيين وحقهم المشروع في الدفاع عن أنفسهم، ووقف العديد من المنظمات الأردنية موقفا صلبا، عندما أعلنت عن استعدادها للتصدي لهذه التهديدات بالقانون. 


ويرفض نشطاء وممثلو منظمات مجتمع مدني أردنية تعنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان، محاولات التلميح بالتقصير من جانبهم في الدفاع عن المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، وعن شرعية الحق الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، "بزعم" وجود شراكات مع هيئات أجنبية وسفارات غربية تتعلق بتنفيذ برامج حقوقية في عدة مجالات. 


وفي الوقت الذي تتبنى فيه دول غربية وتدعم مشاريع وبرامج حقوقية في المملكة، فإن هذه الشراكات لا تقتصر على المجتمع المدني، بل تشمل أيضا شراكات مع وزارات ومؤسسات وطنية تعنى بقضايا الطفولة وحقوق الإنسان والمرأة والديمقراطية وتعزيز المشاركة السياسية. 


وأصدر نشطاء وناشطات عرب، منهم أردنيون حازوا على "الجائزة الألمانية الفرنسية لحقوق الإنسان" يوم 29 تشرين الأول (أكتوبر) المنصرم، بيان إدانة لمواقف الحكومتين الفرنسية والألمانية، لتعارض مواقفهما مع مبادئ الجائزة. 


وصدرت الرسالة التي نشرتها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، حائزين وحائزات الجائزة منذ العام 2017-2022 من كل من الأردن وفلسطين ومصر ولبنان والكويت. 


من جهتها، قالت الرئيسة التنفيذية لمركز العدل للمساعدة القانونية هديل عبدالعزيز، ومنسقة تحالف "همم" لحقوق الإنسان، بأن المجتمع المدني الأردني تحرك منذ اليوم الأول في رفض الانحياز الغربي في الحرب على غزة، وتم إرسال 22 رسالة "احتجاج" إلى سفراء وممثلي هيئات دولية، عدا عقد لقاءات لنقل المواقف الرافضة، مشيرة إلى أن المجتمع المدني يوظف كل أدواته المتاحة للتضامن الفعلي، وليس فقط الشفهي. 


وبينت عبدالعزيز، وهي إحدى الحاصلات على "الجائزة الألمانية الفرنسية لحقوق الإنسان 2022"، بأن هناك أيضا مشاركات في التظاهرات والفعاليات الشعبية، سواء أكان على المستوى الفردي أم الجماعي. 


وقالت عبدالعزيز: "هناك ضغوطات على العديد من المنظمات مورست لسحب مواقفها وتواقيعها التي دانت الاحتلال والمواقف الغربية، وهناك من اتخذت قرارات بحقه بإنهاء منح لمشاريع بسبب رفض سحب التواقيع المؤيدة لحق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه".


وفي السياق ذاته، قالت عبدالعزيز إن منظمات المجتمع المدني في تحالف همم وغيرها من التحالفات، شاركت في حملات التضامن مع الفلسطينيين والانحياز الغربي، وليس على المستوى المحلي فقط بل على المستوى الإقليمي.


وفيما يتعلق بنشاط "همم"، فقد قدمت أيضا، وفقا لعبدالعزيز، رسالة إلى رئيس المحكمة الجنائية الدولية للمطالبة بإصدار بيان استباقي ويسرع عملية التحقيق في "جرائم الحرب" في فلسطين، وذلك قبيل إعلانه قرار المحكمة التحقيق في جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة." 


وفيما يتعلق بالرسائل للبعثات الدبلوماسية، أوضحت أنها لم تتضمن مواقف رفض بل طالبتها بالالتزام بمعايير حقوق الإنسان التي "يدعون أنهم يدافعون عنها" خاصة من عبروا عن مواقف مزدوجة." 


وأضافت: "يتماهى موقف منظمات المجتمع المدني الأردني، مع الموقفين الرسمي والشعبي، قائلة: "أيضا طلب ممثلو البعثات الدبلوماسية اجتماعات معنا، وعبرنا عن مواقفنا بوضوح كنوع من أنواع الضغط، وبكل ما يتاح لنا من أدوات."


وأشارت عبدالعزيز إلى أن هناك منظمات مجتمع منضوية في تحالفات إقليمية ودولية، أجرت أيضا لقاءات موسعة مع عدة أطراف وبالتنسيق مع مؤسسات فلسطينية وعربية لتسجيل وتصعيد مواقفها، ومخاطبة هيئات أممية مثل المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة. 


ويجري التحضير لحملة واسعة تضامنية على مواقع التواصل الاجتماعي من المجتمع المدني الأردني وفقا لعبدالعزيز، مبينة أن العمل مستمر على كل المستويات والضغوط مستمر والمساءلة كذلك. 


وأصدر تحالف همم عدة بيانات إدانة للانتهاكات الصهيونية، وتأكيد حق الشعب الفلسطيني في المقاومة، كما بعث بمذكرة احتجاج قوية إلى سفير الاتحاد الأوروبي في عمان عنوانها "الانحياز الأوروبي الرسمي للاحتلال الصهيوني جلب العار للدول الغربية".


وفي السياق ذاته، أعلنت منظمة النهضة العربية "أرض" عن سلسلة ندوات رقمية ضمن برنامج "القضية الفلسطينية" تبدأ الأسبوع المقبل، وتتناول سبل توثيق أدلة حالات جرائم القتل الجماعي وجرائم الحرب في فلسطين باستضافة مجموعة من الخبراء الدوليين. 


كما كانت أعلنت "أرض" في 22 تشرين الأول الماضي، عن خط للطوارئ لتقديم المساعدة القانونية لكل من يتعرض إلى إجراءات مقيدة لحرية الرأي والتعبير والتضامن أو أي نوع من المضايقات داخل المؤسسات في الأردن، على خلفية مناصرة القضية الفلسطينية. 


من جهته، قال المدير التنفيذي لمركز الفينيق للدراسات والمعلومات أحمد عوض، إن مواقف منظمات المجتمع المدني الأردني اتخذت عدة مستويات احتجاجية على الانحياز الغربي، بدأت بالمشاركة في تظاهرات الجامع الحسيني وتظاهرات منطقة الرابية، وكلها مشاركات طبيعية في ظل العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، منوها بأن هذه المنظمات التي تعنى بحقوق الإنسان، هي جزء لا يتجزأ من المجتمع والشعب الأردني.


وأوضح عوض لـ"الغد"، بأن كل الأدوات المتاحة قد تم اللجوء لها تباعا، في التواصل مع الأطراف الغربية كافة من أكبر دول غربية كالولايات المتحدة الأميركية وحتى أصغر دولة أوروبية لديها بعثة دبلوماسية في المملكة، لإيصال رسائل الاحتجاج بأشكال مختلفة.


وقال: "تم توجيه رسالة إلى السفيرة الأميركية  في عمان وسفير الاتحاد الأوروبي، وأوردنا في هذه الرسائل خطابا حاسما لا يقبل الشك في رفض قمع حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه، كما تضمنت دعوة مباشرة لعدم تطبيق معايير مزدوجة  لحقوق الإنسان." 


وبين أنه في لقاءات عدة شارك فيها المركز ومنظمات مجتمع مدني أخرى مع بعثات دبلوماسية أوروبية، تم التأكيد على رفض "إدانة حماس" حيث يسعى الغرب إلى اعتبار أن الصراع في فلسطين هو صراع بين "حماس والكيان الصهيوني"، بينما نحن نرى أن حماس حركة مقاومة مشروعة ضد الاحتلال، وأن من حق الشعب الفلسطيني أن يختار طريقة دفاعه عن نفسه أسوة بكل شعوب العالم التي رفضت حركات الاستعمار تاريخيا، وانتفضت ضدها كحركات الاستعمار البريطاني والإيطالي والفرنسي والألماني. 


"وأكدنا خلال اللقاءات، وفقا لعوض، أن الغرب يتجاهل وجود قوة قائمة بالاحتلال في فلسطين وحصار منذ 16 عاما في غزة". 


وركزت اللقاءات أيضا، على المعايير المزدوجة لدى الغرب في قضايا حقوق الإنسان، قائلا: "أخبرنا الهيئات الدبلوماسية الأوروبية بأن الانحياز الأعمى للاحتلال يشجع على ارتكاب مزيد من المجازر، ويضر بالمنظومة الدولية الحقوقية، كما ذكرناهم بالموقف الرسمي الأردني الذي عبر عنه جلالة الملك عبدالله الثاني وجلالة الملكة رانيا العبدالله، وكذلك وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي." 


وأضاف: "يتم التواصل بشكل شبه يومي ورسائل الاحتجاج تصل يوميا، وأخبرنا ممثلي العديد من البعثات الدبلوماسية الغربية في المملكة بأن انحيازهم يهدد الشراكات مع المجتمع المحلي، وخاطبنا شركاءنا بشكل جمعي، وطلبنا منهم إجراء مراجعة سريعة لمواقفهم، خاصة بعض ممثلي الدول الغربية الذين أعلنوا عن مواقف متطرفة من حق الناس في التعبير عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية." 


ويحقق المجتمع المدني ككل، مزيدا من "الاستقرار والسلام والأمن" كتنظيم اجتماعي في البلدان، يضم مؤسسات دينية وثقافية وحقوقية وتعليمية وعمالية وجمعيات أهلية، بحسب تعريف وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية للمجتمع المدني على موقعها الإلكتروني. 


وفي هذا السياق، يرى الخبير الحقوقي كمال المشرقي وجوب أن ينظر إلى المجتمع المدني من عدة جوانب، أهمها الاعتراف بدور مؤسسات المجتمع كسلطة موازية تعبر عن كيانها ضمن احتياجات المجتمع  وخدمة "النفع العام"، وهي ليست بديلا من مؤسسات أخرى، إضافة إلى ضرورة "وجود حيز عام متاح دائما" لعمل هذه المنظمات.


ويقول المشرقي إن الإطار الناظم لعمل المجتمع المدني في المملكة بحاجة إلى مراجعة ودعم أكبر تشريعيا، ليكون على غرار حركات ومؤسسات المجتمع المدني في الخارج، وذلك باتجاه المزيد من "التنظيم والدعم للمجتمع المدني وليس التقييد كما هو حاصل في قانون الجمعيات." 


وشدد على "أهمية دعم المجتمع المدني من خلال تعزيز أدواته، وتطبيق معايير أكثر مرونة وعدالة في تمويل أعمال المجتمع المدني، من خلال توفير بند في الموازنة العامة للحكومة، مخصص لدعم مؤسسات المجتمع المدني ودعم أنشطتها ضمن معيار المساواة بين المؤسسات المحلية العاملة على أرض المملكة." 


وقال: "بحسب رأيي أيضا، لا بد أن يكون هناك تنوع في مصادر التمويل لعمل مؤسسات المجتمع المدني، وأن يكون هناك دور مثلا لمؤسسات الأعمال والشركات في إطار مفهوم المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص في دعم مؤسسات المجتمع المدني، وأن يكون هناك قانون للمسؤولية الاجتماعية وتعزيز دور المجتمع المدني وإشاعة ثقافة المجتمع المدني". 

 

اقرأ المزيد: 

متلازمة الحرب والحصار على غزة "تجهض" فرص الولادات الآمنة للنساء