"العرب" والعراق اليوم

 

الزيارة التي قام بها مؤخّراً أحمد أبو الغيط إلى بغداد خطوة في الاتّجاه الصحيح. ويؤمل أن يكون وزير الخارجيّة المصريّ أوّل، لا آخر، مسؤول عربيّ يتوجّه إلى العراق.

اضافة اعلان

فمطلوبٌ اليوم أكثر من أيّ وقت مضى حضن العراق وطمأنته وتعبيد الطريق أمام عودته الفاعلة إلى العالم العربيّ وأمام عودة العالم العربيّ إليه. فكيف وأن "العرب" (والمزدوجان تمليهما تعميميّة المصطلح) تأخّروا وتلكّأوا في استقبال عراق ما بعد صدّام. لا بل ذهب بعضهم، في السرّ أو في العلن، إلى اعتماد موقف التفرّج على المأساة المتمادية هناك خوفاً من أن "يتحقّق نجاح أميركيّ" في بلاد الرافدين!

على أيّة حال، فما مضى مضى، وهو ما يمكن تعويض خسائره وإخفاقاته باتّخاذ مواقف راهنة تكون، في وقت واحد، كريمة ومبادرة ومتقدّمة وشجاعة.

فالانسحاب العسكريّ الأميركيّ من المدن العراقيّة، تمهيداً للانسحاب الكامل من البلد، قلّص الأكلاف الأميركيّة وحرّر واشنطن من الوقوع في ابتزاز إيرانيّ أو غير إيرانيّ. غير أنّه، في المقابل، ضاعف مسؤوليّة العراقيّين عن بلدهم ومستقبله. وهو أمر يستطيع الاحتضان العربيّ أن يقدّم فيه مساهمات إيجابيّة جدّيّة تساعد العراقيّين على مواجهة التحدّي هذا، الذي لا نبالغ إن وصفناه بأنّه تحدّي الوجود والفناء السياسيّين.

لكنّ المسألة لا تقتصر على انسحاب أميركيّ جزئيّ أو كامل. ذاك أن هذا الأخير يحصل في ظلّ احتدام العلاقة الأميركيّة – الإيرانيّة انطلاقاً من "الملفّ النوويّ"، وأيضاً بُعيد انتفاضة طهران التي كشفت حجم التمزّق في جسم السلطة الإيرانيّة، فضلاً عن المجتمع. وما يعنيه هذا أن سلطة خامنئي – أحمدي نجاد قد تجد نفسها مدفوعة إلى تحويل الأنظار عن همومها الداخليّة باتّجاه العراق وتعكير أمنه وصفوه. فإذا ما استحال ابتزاز الولايات المتّحدة مباشرة بسبب الانسحاب العسكريّ، فإن ابتزاز العراق نفسه قد يكون اليوم أسهل من ذي قبل. وهذا ما يرقى إلى ابتزاز مداور لأميركا يُستعمل فيه العراق ساحةً، كما يُستعمل أهله وقوداً.

بيد أن الانفتاح على العراق واحتضانه للأسباب المذكورة أعلاه ولغيرها، يستدعيان من "العرب" التفكير في العراق والانتباه إلى خصوصيّاته، لا التعاطي مع المسألة كتحصيل حاصل. فالبلد هذا، وكما هو معروف جدّاً، بالغ التعدّديّة، السياسيّ منها والمجتمعيّ سواء بسواء. وهو منذ 2003 مارس هذه التعدّديّة على أوسع نطاق، وصولاً إلى نهاياتها الفوضويّة والعنفيّة المفتوحة. وما يرتّبه هذا التذكير بحقيقة لا تُنسى، حقيقةٍ تذكّرنا بها الأحداث الدراميّة كلّ يوم، أن دور "العرب" عليه، كيما ينجح، أن يأخذ هذه المسألة في حسبانه، مكيّفاً فكره السياسيّ الأحاديّ مع الخصوصيّات تلك. فالعراق عربيّ لكنّه أيضاً كرديّ وتركمانيّ وأشوريّ. وهو سنّيّ وشيعيّ في الوقت عينه إلخ... ومن دون مجاراة هذه الحقائق، ينتهي "الدور العربيّ" (وهو بالكاد بدأ) دوراً فئويّاً وتحزّبيّاً يرفد النار العراقيّة بمزيد من الحطب بدل أن يسهم في إطفائها. وهذا، والحقّ يقال، أكبر هديّة يمكن أن تُقدّم لسياسات إيران الخمينيّة ومصالحها، هي التي يوفّر لها النزاع الطائفيّ أعرض الأبواب إلى بلاد الرافدين.