انتخابات مبكرة حان أوانها

بدهية ومفهومة ومتوقعة ومشروعة جدا، هذه الفرحة التي اكتسحت الشارع الأردني من جهاته الأربع وفي كل زاوية من حاراته وزواريبه وبيوته ومقاهيه ومنتدياته ودواوينه وجمعياته ونقاباته وأحزابه ومناطقه القريبة وتلك النائية البعيدة عن مرمى العناية والانتباه، إثر ورود الأنباء عن حل مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات مبكرة حان أوانها وباتت ضرورة قصوى، كانت تلك الأنباء بمنزلة البشارة بالخلاص من حالة نيابية مؤسفة متردية بائسة، خلفت جمهور الناخبين في حنق وقهر وغضب وندم وغصة، نبأ عظيم أنعش قلوب الجميع من دون استثناء وبث في أوصالها حماسة واندفاعا، وحرض على الأمل بتغيير جذري مطلوب كأولوية كبرى في المشهد النيابي الراهن الذي اعتراه الوهن والترهل، وصار عنوانا لخيبة أمل شعبية شاملة لا جدوى من الخوض في تفاصيل أسبابها، من باب أن الضرب في الميت حرام ولا تجوز عليه سوى الرحمة في جميع الأحوال!، وكما لاحظ كثيرون فإن موضوع الانتخابات سيطر على المجالس وطغى على سائر العناوين وكان مدار الحديث في كل المواقع طوال أيام العيد الذي كان عيدا كبيرا وسعيدا بحق وليس على سبيل المجاز اللفظي.

اضافة اعلان

 ثمة كثير من البسطاء الطيبين المنتسبين إلى غالبية الحب الصامت المترفع كانت فرحتهم بيضاء بريئة منزهة عن الهوى وخالصة لعيون الأردن، هؤلاء صار عيدهم ألف عيد كحد أدنى! وصار لرائحة قهوتهم رحيق أكثر نفاذا ولكعك عيدهم مذاق أكثر حلاوة، رغم أنهم لم يبتاعوه من أشهر المحلات، بل أعدته أمهات متعبات في بيوت شحيحة إلا من الحلم بوطن أكثر حنوا ورأفة، حيوية وألق وعنفوان دبت في النفوس المتراجعة، واستيقظ الأمل بعد أن لبث طويلا في كهف السبات.

 غير أن الخشية سوف تظل قائمة على تلك الفرحة لأنها لن تكون سوى لحظية وخاطفة، طالما أن قانون الصوت الواحد ما يزال جاثما فوق الصدور من دون أن يعتريه أي تعديل بعد، مقيدا خيارات الناخب الأردني التواق إلى تمثيل نيابي أكثر عدالة وانسجاما مع الواقع، الراغب فعلا في ممارسة حرة لحقه الديمقراطي في الانعتاق من اعتبارات العشائرية والمناطقية والإقليمية والطائفية التي كبلتنا طويلا، تقع على الحكومة مسؤولية كبرى في إجراءات رقابية لا ضير من أن تكون مشددة، من شأنها الحيلولة دون شبهة التزوير والحد كذلك من تلك الألاعيب الانتخابية المألوفة وهي مكشوفة تماما بالمناسبة، وليس بمستحيل على الحكومة ضبطها إن أرادت.

وتظل المسؤولية الأخلاقية الأولى على عاتق الناخب الأردني، الذي ينبغي أن يتذكر جدا، لأن الذكرى لا بد أن تنفع، عليه أن لا ينسى درس الانتخابات السابق، وهو درس شديد القسوة والمرارة، وعليه أن يستفتي عقله أولا وقبل كل شيء، لأنه المنطقة المخولة حصريا كما ينبغي في الشأن العام على الأقل، علينا تحييد مشاعرنا الشخصية في هذا السياق لأنها سوف تضللنا وتشوش مناطق الإدراك لدينا، فنقع فريسة ابتزاز عاطفي له صلة بالعصبة، فنرسب للمرة الألف في امتحان النزاهة الوطنية بمعناها الشمولي، وليتذكر كل من يهم بالتفريط بصوته بيعا، أو اختيارا عاطفيا قبليا قاصرا، إنه إنما يفرط بشرفه ليس بأقل!

[email protected]