زيارة أردوغان: تقارب وتمايز

تكشف زيارة الرئيس التركي أردوغان إلى عمّان، والتي تزامنت مع الاحتفالات بمرور 70 عاماً على تأسيس العلاقات بين الأردن وتركيا، عن حجم الاستدارات التي أصابت العلاقات الإقليمية في السنوات الأخيرة على خلفية الأزمات المشتعلة في المنطقة. وفيض التحولات تتجلى في تضاعيف السياقات الإقليمية التالية:اضافة اعلان
أولاً، ربما ما كان لهذه الزيارة أن تتمّ، وبطلبٍ أردني، قبل سنوات؛ حين كان توتر العلاقات التركية مع حلفاء الأردن الخليجيين، وبالذات السعودية والإمارات، في درجات عالية، وكانت العلاقات التركية-المصرية في أسوأ لحظاتها، على خلفية دعم أنقرة لـ"الإخوان المسلمين". اليوم ثمة إدراك من قبل هذه الأطراف جميعها بأن معادلة رابح-خاسر لا تشتغل بشكل صحيح في إدارة ملفات الخلاف بينها وبين أنقرة، وأن إحداث تعديلات على تلك المعادلة صار مستحقاً، ويستوجب مقاربات أكثر مرونة لاستجلاب مزيد من المصالح وتقليل أكلاف المواقف والسياسات الحادّة.
ثانياً، كان ثمة رهان مع بداية الأزمة السورية على معادلة جديدة للحكم في سورية تضع المعارضة في مكانة مركزية في هذه المعادلة، لكن الأمور، لأسباب باتت معروفة على رأسها انقسامات المعارضة والتدخل الروسي، لم تسرْ في صالح ذاك الرهان، ووصلنا إلى حالة تقبل بالرئيس بشار الأسد ضمن "سورية الجديدة". اليوم أنقرة وعمّان منخرطتان بفعالية في مناطق خفض التوتر، والأولى ضامن في محادثات أستانة والثانية مراقب فيها، والبلدان معنيان بإعادة ترسيم العلاقة بما تبقى من فصائل المعارضة استعداداً لترتيبات المرحلة المقبلة والمعقدة في الملف السوري.
ثالثاً، كان هناك توجس طيلة السنوات الأخيرة من سياسة أنقرة نحو "داعش". اضطرت أنقرة لتحويل رؤيتها نحو التنظيم، وهو ما أزال حاجزاً أمام الأردن باتجاه مزيد من التعاون والتنسيق مع أنقرة، التي التزمت مع أواخر 2015 قواعد لعبة فرضها التدخل الروسي، واقتضتْ محاربة "داعش" و"النصرة".
رابعاً، احتفظ الأردن حيال النشاط السياسي لـ"الإخوان" بمقاربة خاصة، لا تتماهى مع تلك التي تبنتها السعودية والإمارات. وشهد الأردن انتخابات بلدية ولا مركزية، شارك فيها "الإخوان"، وفازوا بـ 25 مقعداً من مجالس المحافظات "اللامركزية" من أصل 48 مقعداً تقدموا لها. هذا معطىً إضافي لخطوط التواصل بيننا وبين أنقرة.
خامساً، في أثناء أزمة المسجد الأقصى الأخيرة نظرتْ المملكة بارتياح لموقف أنقرة الداعم للأردن في ولايته على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والدور الخاص الذي يضطلع به الأردن في تحمل هذه المسؤولية، وقد شدد أردوغان في لقائه الملك عبدالله الثاني على "حل الدولتين" وعلى استمرار بلاده في دعم الدور الهاشمي في حماية المقدسات في القدس، و"العمل معاً لمنع تكرار الاعتداءات والخروق (الإسرائيلية) التي حصلت في الأقصى الشهر الماضي".
يبقى القول إن هذه المعطيات (وغيرها بالطبع، بخاصة في الملف العراقي)، لم تَعنِ انقلابات في مواقف البلدين وفي نمط علاقاتهما وتحالفاتهما الإقليمية، ومنها انحياز أنقرة إلى قطر في الأزمة الخليجية، ولعل ذلك ما عكسه التعاطي الرسمي الأردني الهادئ مع الزيارة.