عهد التميمي وجان دارك

    كان أول من عقد مقارنة تبعث على الفخر والاعتزاز لدى كل عربي وفلسطيني، بين عهد التميمي التي طبق اسمها الآفاق، كمناضلة بات يشار اليها بالبنان، وبين ايقونة الكفاح الفرنسي ضد الاحتلال البريطاني في حرب المائة عام، اوائل القرن الخامس عشر، كاتبين اسرائيليين بارزين؛ الاول جدعون ليفي المعروف كأشجع كاتب في صحيفة هاآرتس، واكثر كتاب هذه الصحيفة تصدياً للاحتلال والاستيطان، والثاني اوري افنيري، الذي قابل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في بيروت اثناء اجتياح العاصمة اللبنانية عام 1982، وهو اقدم الكتاب اليساريين تعريضاً بسياسات الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة ازاء القضية الفلسطينية.اضافة اعلان
    اذ يبدو ان شجاعة عهد التميمي لم تبهر ابناء شعبها فقط، وتأسر لب عقل امتها العربية فحسب، وانما استولت على خيال اعداء قومها ايضاً، بل وتعدت ذلك كله الى نطاق اوسع مما يخطر على البال، حيث ارتفعت صور عهد ومجسماتها الشخصية في العديد من الشوارع الاوروبية، ناهيك عن تصدر صورها صدر صفحات كبريات الجرائد في الغرب وفي الشرق، وتحولت هذه الفتاة الصغيرة، بشعرها الاشقر، وعينيها الزرقاوين الطافحتين بالتحدي، الى رمز باذخ للبطولة الملهمة لجيل فلسطيني جديد، ونموذج للمقاومة الشعبية الباسلة في وجه قوة غاشمة، خصوصاً منذ تلك الصفعة التي هوت بها يد عهد على وجه جندي مدجج بالسلاح.
    الجديد في هذه المواجهة غير المتكافئة بين الاسيرة عهد، التي ظهرت في آخر صورة لها وهي مكبلة بالأصفاد، امام محكمة عسكرية هي في الواقع جزء من منظومة الاحتلال، تبتسم منتصبة القامة وغير عابئة بما ينتظرها من احكام تشبه الاحتلال ذاته، قيام شاعر اسرائيلي، اسمه  يونيثان غيفين (يبدو انه معروف على نطاق واسع بين النخبة الثقافية في المجتمع الاسرائيلي) بكتابة قصيدة اذاعها من محطة خاصة، كما قام ايضاً بنشر صورة لهذه الشقراء اليافعة على حسابه في الإنستغرام، ارفقها بتعليق شبّه فيه عهد بجان دارك، وبغيرها من نساء يهوديات، يفتخر بهن الاسرائيليون كمقاومات للنازية في زمن الهولوكوست.
    لم يؤد تشبيه عهد التميمي بجان دراك، من جانب الكاتبين المذكورين، رغم علو كعبهما في الصحافة الاسرائيلية، الى ردة فعل تذكر من قبل المؤسسة الاسرائيلية المسكونة بمشاعر الاستعلاء العرقي، غير انه عندما وضع الشاعر اليهودي غيفين المناضلة عهد في مرتبة بعض اليهوديات المقاومات للنازية، ممن تبوأن مكانة خاصة في الذاكرة الاسرائيلية، ويجري تقديمهن كبطلات، قام بعض اركان هذه المؤسسة المهووسة بكراهية العرب بشن حملة على الشاعر الذي اقترف، بعرفهم، جريمة سياسية اخلاقية منكرة، عندما قال؛ ان خمسين سنة من الاحتلال كانت كافية، لتقوم هذه الفتاة الجميلة بصفع جندي على وجهه.
    في قصيدته التي اثارت حفيظة وزير الحرب افيغدور ليبرمان، وغيره من الكتاب الاسرائيليين اليمينيين، الذين عافت نفوسهم المريضة رفع منزلة عهد العربية الفلسطينية الى مرتبة يهوديات ذوات سيرة كفاحية ضد النازية، كتب غيفين؛ "فتاة جميلة عمرها 17 عاماً فعلت شيئاً فظيعاً. عندما غزا ضابط اسرائيلي فخور بنفسه، منزلها مرة اخرى، صفعته، وكانت تلك لحظة ميلادها. كانت هذه الصفعة معادلاً موضوعياً لخمسين سنة من الاحتلال والاذلال. في اليوم الذي ستعاد فيه كتابة قصة هذا الصراع، ستبرز فيه عهد التميمي، حمراء الشعر، مثل داوود الذي صفع جوليات، وستكون في مرتبة واحدة مع جان دارك، وغيرها من اليهوديات المحاربات".
    اكثر ما يلفت المرء في هذه الغضبة الهستيرية على شاعر خرق
"المقدس" في الاعتقاد الاسرائيلي المتعالي على الآخر، حتى وان كان في روعة عهد التميمي، وكان اشد  ما في هذه النظرة الدونية وضاعة، ان احدهم زعم ان جان دارك، العذراء من اورليان، تم احراقها بأمر من الكنيسة المهيمنة على مقاليد الحياة السياسية آنذاك، فيما لن يحدث هذا الامر لعهد، التي ستقبع في السجن دون تعذيب اضافي، وفيما يشبه الاقرار الضمني بعظمة عهد وتميزها، ادعى هذا الكاتب العنصري، ويا للسخرية؛ ان اسرة التميمي كانت يهودية الاصل، وانها اعتنقت الاسلام في زمن ما، الامر الذي يفسر من وجهة نظره الفاشية، ما تمتعت به عهد من بسالة وعنفوان، لا يخص الجنس العربي بالضرورة.