غيوم إيرانية تلبد سماء المصالحة الفلسطينية

ليس من قبيل المصادفة البحتة ان تكون طهران اول وجهة، وربما المحطة الوحيدة، في الزيارة التي قام بها وفد من قيادة "حماس" الخارج، بعد توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية، ولا ريب في ان توقيت هذه الزيارة، قبل المضي قدماً على طريق انهاء الانقسام، كان مثقلاً بالرسائل التوضيحية والتبريرية، التي ارادت حركة المقاومة الاسلامية ايصالها للحليف الاقليمي، الذي وصفه قائد حماس في غزة، على انه اكبر داعم بالمال والسلاح، رغم انقطاع ذلك الدعم الحاصل منذ امتناع "حماس" عن التنديد بالتحالف العربي ضد انقلاب الحوثي في اليمن.اضافة اعلان
    لم تثر هذه الزيارة اي ردود فعل سلبية لافتة لدى الطرف الآخر من معادلة المصالحة بعد، ولم تحظ بأي تعليق في رام الله، الا انها قرعت جرس انذار مبكرا، وبعثت مزيداً من الشك ازاء النوايا الحمساوية الكامنة وراء القبول المفاجئ لسلطة الامر الواقع في غزة بإنهاء الانقسام، بدليل الدهشة والاستغراب والحيرة، التي فاضت عن ألسنة بعض قادة السلطة الوطنية، وهم يتابعون هذه الزيارة، وما تخللها من تصريحات تشير الى ان الشريك في المصالحة يسعى الى تمثل تجربة حزب الله في لبنان، وهو ما يسمى في عرف "حماس" التخلي عن الحكومة والاحتفاظ بالحكم.
    ومع ان رئيس الوفد الحمساوي في طهران اوضح أن هذه الزيارة تأتي رداً على احد مطالب اسرائيل الابتزازية، بقطع العلاقة مع ايران، كشرط للمصالحة، الا انه تجاهل كل ردود الفعل السلبية المؤكدة من جانب الاكثرية الساحقة من الدول العربية، بما في ذلك دول الخليج، ناهيك عن الدول الغربية المانحة للمساعدات، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي وضعت نظام الملالي، لتوها، في مقدمة اهدافها الاستراتيجية، وصنفته كراعٍ اول للإرهاب في العالم، الامر الذي من شأنه ان يثقل على اتمام عملية استعادة الوحدة الوطنية، ان لم يبددها فيما بعد.
    ليس معلوماً ما إذا كانت هذه الزيارة، التي تلهفت "حماس" على القيام بها منذ مدة، قد اعادت المياه الى مجاريها مع الجمهورية الاسلامية، الراغبة في مد يدها الطويلة في كل رقعة متاحة لها، بهدف زعزعة النظام العربي وتقويضه من الداخل، وفق ما تنطق به تدخلاتها العدوانية، وهيمنتها على اربع عواصم في هذه البلاد المستباحة، الا اننا نعلم سلفاً ان للدعم الايراني ثمناً فادحاً ينبغي دفعه بصورة مقدمة، وليس هناك شيء على الحساب المؤجل، الامر الذي يطرح سؤالاً ملحاً عن المقابل الذي ستدفعه الحركة الاسلامية، بعيداً عن شعار محاربة العدو الصهيوني.
    نعلم ان هناك جبلاً من المصاعب القائمة اصلاً على طريق استكمال عملية المصالحة الفلسطينية، وان اكثر المتفائلين بما بدا انه تحول في مقاربات "حماس" وخياراتها وتحالفاتها، لم يتخلوا عن حذرهم ازاء ما قد يواجه به تطبيق الاتفاق من عراقيل حقيقية، صنعتها في الواقع الموضوعي عشر سنوات من الانقسام المرير، ولا احسب ان من يتطلعون الى رؤية نهاية لهذا الانقسام، سرهم اقدام "حماس" على هذه الخطوة الاشكالية، مع الدولة التي لن تتورع عن تقديم خدماتها التخريبية لأصحاب الاجندات الصغيرة، المستفيدة من بقاء واقع الانقسام على حاله.
     ولعل الهاجس الاكبر الذي بعثته في النفوس هذه الزيارة، المثيرة حقاً لكل التوقعات المتشائمة، انها زادت الوضع  الصعب لدى الناس في قطاع غزة المحاصر صعوبة اضافية، وقد ترجئ الاسراع في رفع العقوبات الاخيرة، فوق انها منحت المتشككين بنوايا الحركة الاسلامية التصالحية ذرائع ومسوغات وجيهة، حتى يتمكن الراعي المصري، ويتحقق العرب، ويثق المجتمع الدولي، وتطمئن قيادة السلطة الوطنية، الى جدية "حماس" في تسليم مفاتيح الادارة الحكومية، والعودة الى بيت الوطنية الفلسطينية، وقطع صلاتها القديمة مع جماعات الاسلام السياسي.
    على اي حال، ليس من المتوقع ان تقوض هذه الزيارة المريبة جهود المصالحة، التي استقبلت بحفاوة شديدة في قطاع غزة، واكتسبت قوة دفع ذاتية لا يمكن كبحها في هذه المرحلة المبكرة من عملية طويلة بحسب اغلب التوقعات، الا ان ادخال الذئب الايراني الى حظيرة الاغنام، عن سابق قصد وترصد، امر قد يؤدي الى اثارة جملة جديدة من المتاعب، ويفتح على تدخلات خارجية، كان من الاجدر تلافيها بكل ثمن.