ما تبقى منا

أثبتت الإعلامية العربية قوة حضور وتمكن وقدرة شرسة على التنافس وإثبات الذات في هذا الحقل الذي لا يخلو من الأشواك. كما نجحت كثير من الإعلاميات العربيات في تحقيق شهرة لافتة على اتساع فضاء الوطن العربي، من خلال إقناع المتلقي بمدى ثقافتهن وجديتهن وسعة اطلاعهن ، وقدرتهن على إعداد وتقديم البرامج الجادة الرصينة وإدارة الحوارات  مهما كانت صعوبة عناوينها.

اضافة اعلان

  إضافة إلى تمتعهن بالجمال وخفة الروح وجاذبية الحضور، ناسفت المذيعات بجدارة الفكرة السائدة لدى كثيرين حول التناسب العكسي بين ذكاء المرأة وجمالها!  إذ ثمة اعتقاد شائع بأن الجميلات فاشلات مهنيا وغير قادرات على إثبات مهارات خاصة ويعتمدن حصريا على جمالهن الكفيل بفتح كل الأبواب المغلقة، على اعتبار أن الذكاء والثقافة يتعارضان مع جماليات الأنوثة وجاذبيتها. وبفضل نماذج مضيئة في الوسط الإعلامي تبددت الفكرة التي يعتنقها الكثيرون بأن المرأة الجميلة بلهاء بالضرورة!

نجحت الإعلاميات اللائي أفنين أرواحهن كمبدعات في هذه المهنة المرتبطة بشكل وثيق بالمتاعب في تقديم صور شديدة الايجابية انتزعت الاحترام والتقدير والإعجاب، وشكلت نماذج مشرقة جديرة بالاحتذاء بما ينسجم مع التطلعات إلى النهوض بواقع المرأة التي تكتفي بالجلوس  كمتفرجة في المقاعد الخلفية منزوية بالظل الذي يغتال الروح ويغيبها  ويعطل طاقاتها وأشواقها نحو خطوات نوعية باتجاه الإمام.

هذه النماذج لسيدات جميلات ينتمين لشلالات الضوء كفيلة بترسيخ صورة لائقة للمرأة كند حقيقي في شتى مناحي الحياة. من إطلالتهن عبر شاشات ليس أمامنا سوى الاعتراف بأنهن يحتللن غرف معيشتنا على مدار الساعة ويعملن من دون شك على إعادة صياغة المدارك والتحكم ببوصلة الوجدان والذائقة.

وفي سياق متصل، لا بد من التطرق إلى الخراب في الفضائيات المتخصصة في ما يسمى مجازا فنا وإبداعا وهي في الواقع ليست أكثر من عروض "جنسية" في فضاءات نواد ليلية نخشى على أبنائنا المراهقين الاستدلال عليها ثم نفسح لها صدر الدار. هذه المحطات الهابطة أصبحت واقعا يوميا معاشا أتحدى أن يفلح أي رب أسرة في كبح أبنائه المراهقين عن متابعتها والاستلاب لها وهم القادرون على فك تشفير محطات اشد وأدهى!

 المؤسف أن ثمة محطات المفترض أنها رصينة أخذت على عاتقها، ولأغراض تجارية بحتة، مهمة ابتذال المرأة وامتهان إنسانيتها وتجاهل كل مزاياها معتمدة معياراً أوحد لا شريك له: درجة الإثارة التي توحي .. سواء كان المطلوب منها تقديم حالة الطقس أو طبق اليوم وأحياناً نشرة الأخبار!

وتجلت هذه الظاهرة في معظم البرامج الحوارية ذات الصبغة الفنية، حيث ظهرت أسماء دخيلة مغرقة في سطحيتها وابتذالها لتصبح بدورها نجوماً تشكل مثلاً أعلى للأجيال القادمة.

وإذا سلمنا أن الفضائيات أصبحت المرجعية المعرفية الوحيدة لهذه الأجيال، لأدركنا حجم المسؤولية الملقاة على الإعلامية العربية المثقفة الجادة المعتدة بنفسها. وعلى مثلها فقط نعول لحماية ما تبقى منا والارتقاء بالذائقة الجمعية نحو آفاق أكثر سموا.

[email protected]