"نواصب" و"روافض": ملاحظات عامّة في السياسة

 

 الطرح السجالي الدائر اليوم بين السنة والشيعة لا يدنو للعقل بل للمهاترة، وشاهد ذلك ما دار بين الشيخ المصريّ يوسف القرضاوي وعدد من المشايخ الشيعة والإيرانيّين مؤخرا، إذ نشرت إحدى الصحف خبراً عنونتْه بـ "حرب الكترونية بين السنّة والشيعة ساحتها مواقع الشبكة العنكبوتيّة"، بدأته على النحو التالي: "شهدت المواقع الالكترونية الاسلاميّة السنيّة والشيعيّة في الآونة الاخيرة هجمات متعدّدة من الطرفين، وتواصل مسلسل الصراع السنيّ - الشيعيّ في اختراق مواقع الإنترنت وتدميرها وتوجيه رسائل سياسيّة ودينيّة من كلّ طرف للآخر. واشتدّت الهجمات ما بين السنّة والشيعة على مواقع الإنترنت وعلى علماء من الطرفين، وهاجم قراصنة كمبيوتر، بدا أنهم شيعة، عدداً من المواقع التي تُعنى بالعلوم الشرعيّة السنيّة..".

اضافة اعلان

هذه اللغة الحربيّة في "ساحة" الشكل الاتّصاليّ الأكثر تقدّماً يكمّلها أن أوساطاً كثيرة ممن يُسمّون بـ"المعتدلين" العرب، وهم سنّة، وجدوا أنفسهم يتضامنون، قبَـليّاً وعصبيّاً، مع الشيخ "الراديكاليّ" يوسف القرضاوي في مهاترته مع مشايخ الشيعة، فيردّدون بتبنٍّ لا يدانيه الشكّ تحذيراته الهذائيّة عن وجود "مخطّط شيعيّ لغزو البلاد السنّيّة". فكأنّما النزاع هذا، وقد عاش طويلاً ضامراً أو مُحوّراً، عابر للأزمنة ومضامينها التقنيّة والثقافيّة، مُنبثّ في جوهر الأشياء، حياله تتقلّص النزاعات الأخرى: لا يمين ولا يسار، ولا تطرّف ولا اعتدال، ولا موالاة للغرب ومعارضة له. فكلّ تلك التصانيف الحداثيّة وشبه الحداثيّة، الاستراتيجيّة الطابع وشبه الاستراتيجيّة، تنكمش لصالح "الأصليّ" و"الخام" الذي نرتدّ إليه في اللحظات الحاسمة: سنّة وشيعة.

ولربّما جاز القول، من قبيل التنبيه إلى فداحة المشكلة وجدّيّتها، إن جذرها البعيد يضرب في مرحلة ما قبل الإسلام، وما قبل السُّنيّة والشيعيّة بالتالي. أي أن الخلفيّة التاريخيّة النائية تتّصل بنزاع بني هاشم وبني أميّة الذي جدّد نفسه لاحقاً في صور شتّى أخذت في اعتبارها تحوّلات المراحل والحقب أشكالاً وعناوين، إلاّ أنّها أيضاً وشت، في الأساسيّ، بحجم الركود التاريخيّ المتجاوز المراحل والحقب تلك.

الصحيح أن القرآن كتاب مشترك بين السُّنّة والشيعة، لذا فإن أجداد مَن صاروا سُنةً وشيعةً لم يعيشوا تحت خيمة إسلام واحد إلا لسنوات قليلة في عهد الرسول والخليفتين الراشدين الأوّلين أبي بكر الصدّيق وعمر بن الخطّاب. ثم إن الطرفين ينقلان سيرة الرسول بطرق مختلفة، ويعتمدان لنقلها رواةً ومؤوّلين مختلفين متعارضين. وهما، في داخل الرواية الدينيّة ذاتها، ومن داخلها، تفصل بينهما مواقف جذريّة حيال بعض الأشخاص التاريخيّين في السرد النبويّ، لا سيّما عائشة، كما حيال بعض المفاهيم المحوريّة كالإمامة والمعصوميّة. أمّا الطقوس الأهمّ عند الشيعة، أي عاشوراء، فمسرحيّة شعبيّة تدور حول تنكيل السلطات السُّنيّة بكبار أئمتهم، وتقضي التقاليدُ إعادة التذكير بهذه الأحقاد واستحضارها سَنةً بعد سنة بما يبني الوعي الشيعيّ بالتضادّ مع السُّنّة. والحال ان الشيعيّة إنما تأسّست فوق مقتل عليّ بن أبي طالب وابنه الحسين على أيدي الذين صاروا مذّاك سنّة، تماماً كما تأسّست المسيحيّة قبلها على أسطورة صلب اليهود للمسيح حتّى غدت جزءاً منها لا يتجزّأ.

وعلى العموم، كان السُّنة أهل البيئة التي انبثقت منها السلطة السياسيّة في معظم البلدان الإسلاميّة، بينما كان الشيعة المحيط الذي انبثقت منه المعارضات، المعتدل منها والمتطرّف. وهو ما استمرّ في العصر الحديث حيث عجّت الحركات الشيوعيّة والراديكاليّة في العراق ولبنان والبحرين، في الستينات والسبعينات، بالشبّان الناشطين والحركيّين من الشيعة. ولا يخالف هذه القاعدة الممتدّة في الزمن إلاّ حكم البويهيّين في العراق وغرب إيران في القرنين العاشر والحادي عشر، والفاطميّين في مصر وغيرها ما بين القرنين العاشر والثاني عشر. غير أنّها مخالفة جزئيّة مصدر جزئيّتها أنّ التجربتين المذكورتين صعبٌ إدراجهما في الشيعيّة الكلاسيكيّة، كي لا نقول الشيعيّة الصافية.

ثم إن معظم المدن التجاريّة في العالم الإسلاميّ يعود أغلب سكّانها تقليديّاً إلى السُّنّة، أقلّه منذ العهد العثمانيّ، ومن هؤلاء خرجت طبقة التجّار وطبقة البيروقراطيّين والكتّاب، مما شاركت في إنتاجه الأقليّات الدينيّة، المسيحيّة واليهوديّة، بكثافة. ومن السُّنّة أيضاً كان، ولا يزال، حِرَفيّو المدن الفقراء وما نجم عنهم من عادات ومن طقوس وفنون مهنيّة وسلكيّة. لكنّ الشيعة، في المقابل، عاشوا تقليديّاً في الأرياف، بعيداً عن أنظار السلطات المركزيّة السُّنيّة وعن مطال يدها، فارتبطوا، تالياً، في صورة إجماليّة وإن لم يكن حصريّة، بالعمل الزراعيّ، كما توارثوا تقاليد ثقافيّة ودينيّة طغى عليها الوسيط الشفويّ والتناقُل الآليّ. ولقد تقاطعت الشيعيّة، في لبنان والعراق، مع عمليّات النزوح الريفيّ الواسع إلى المدن، مع ما أضفاه ذلك من مواصفات اجتماعيّة وديموغرافيّة وسوسيولوجيّة تندرج في عداد التعريف الذاتيّ بالشيعة.

كذلك اهتمّ الفقهاء السُّنة تاريخيّاً بالسلطة وكيفيّة تسييرها والحفاظ عليها، وكانت الفتوى الأشدّ رواجاً والأفعل أثراً في أوساطهم تلك التي ارتبطت بابن تيميّة وقضت بتفضيل الحاكم المستبدّ على الفتنة والفوضى حيث "إمام جائر خير من فتنة تدوم". أما بعض الأفكار التي طوّرها مثقّفون مبكرون من الشيعة فتدور حول طلب العدالة وصيغ المجتمع البديل ومدى الخلاصيّة التي تتجسّد في الإمام الغائب. وهذا الإمام "المعصوم" في الشيعيّة، وهي عصمة مدّها آية الله الخمينيّ لاحقاً إلى نائبه "الوليّ الفقيه"، لا أثر لها في التقليد السنّيّ.

حتّى في ما خصّ المعجزات، وهي من لوازم الأديان عموماً، إن لم يكن في أصولها ففي مسارها، غاير الفهم السنّيّ للمعجزة الفهم الشيعيّ لها، مثلما اختلفت المعجزة السنّيّة نفسها عن تلك الشيعيّة الأغزر كمّاً ونوعاً والأشدّ انبثاثاً في الخوارق واستدخالاً لها.

فهما، إذاً، دينان لا مذهبان، تمدّد خلافهما إلى خارج حاضنتهما التاريخيّة الأولى. وقبل قرون عدّة على تحوّل باكستان ساحة أخرى من ساحات المواجهة بينهما، لم يكن قليل الدلالة ما حصل في إيران واندرج في عناصر تأسيسها ذاته: فالإيرانيّون الصفويّون حين أرادوا، في القرن السادس عشر، أن يفصلوا أنفسهم عن العرب اعتنقوا الشيعيّة الإثني عشريّة، فكأنّهم يترجمون خلافهم الأقواميّ - الإمبراطوري من خلال الدين الذي أرادوه عازلاً يحول من دون جمعهم بالسُّنّة العرب.

وانفصال شبه كامل كهذا بين الطرفين يحمل على استبعاد ما حصل في التاريخ الأوروبيّ وتطبيقه حَرفيّاً على التاريخ الإسلاميّ: ذاك أن الحروب الكاثوليكيّة - البروتستانتيّة اتّصلت بالإصلاح الدينيّ، وأدّت إليه، فيما كانت تشقّ الطريق، من ضمن صعود الحداثة الأوروبيّة، إلى الدولة- الأمّة واقعاً ومفهوماً. لكنْ سيكون من الصعب أن تقود المنازعات والنزاعات بين السُّنة والشيعة، مصحوبةً بضعف تقليدَي الدولة- الأمّة ووحدة المجتمع، إلى ما هو أكثر من خراب متواصل ودمار أهليّ ينزلان بالطرفين في البلدان التي يقيمون فيها ويتقاتلون. فإذا كانت الحروب الدينيّة الأوروبيّة عبارة عن أزمة نموّ، فإن المنازعات السنّيّة – الشيعيّة إشارة إلى تفتّت مفتوح متواصل يوسّع المسافة التي تفصل الجماعتين عن الحداثة ويعزّز تعريف كلّ منهما لذاتها بالقطيعة عن الأخرى. فإذا ما توافق السردان السائدان السنّيّ والشيعيّ على أولويّة الوطنيّة العراقيّة، مثلاً لا حصراً، أنتج كلّ منهما عراقيّة هي امتداد لهذا السرد أو ذاك. 

وغنيّ عن القول إن تحايل بعض الأنظمة والإيديولوجيّات على المشكلة لا يعدو كونه تحايلاً. من هذا القبيل ما سبق أن رأيناه من محاولات لـ"توحيد" الطرفين استناداً إلى اعتبارات سياسيّة وأيديولوجيّة، ثبت أنها عابرة، أُريد لها الوقوف فوق التاريخ والثقافة والصراعات الضارية في المصالح والأفكار: فقد طرأ عام 1959 انفتاح فقهيّ تبادلته السُّنية المصريّة والمرجع الشيعيّ الأعلى في العراق السيّد محسن الحكيم، حين كان الرئيس المصريّ جمال عبد الناصر والمؤسّسة الدينيّة الشيعيّة في النجف يخوضان معركة مشتركة ضدّ حكم عبد الكريم قاسم المتحالف مع الشيوعيّين. حينذاك أفتى الأزهر، عبر شيخه محمود شلتوت، بجواز الاعتراف بالمذهب الجعفريّ (الشيعيّ) مذهباً خامساً في الإسلام.

وهو ما تكرّر، على نطاق أضيق وأقلّ رسميّة، حينما شرعت الشيعيّة تصير سلطة سياسيّة ثوريّة، وقبل أن تستتبّ بصفتها هذه: ففي فجر الثورة الخمينيّة في إيران، ظهرت دعوات راديكاليّة إلى "وحدة إسلاميّة" عابرة للمذاهب، مناهضة للإمبرياليّة و"الشيطان الأكبر".

والى هذا وذاك التقى رافدا ثقافتنا التقليديّة (تلفيقيّة "كلّنا إخوان" وانخداعنا بالحداثة، أو انخداعها بنا) على اعتبار الطائفيّة عيباً أو قصوراً في الوعي، ليعمّقا إنكار المشكلة أو التحايل عليها بالأيديولوجيات والتنظيمات السياسيّة. ومن هذا القبيل عبّرت عن نفسها النُوى الشيعيّة الرافضة أنظمةَ الاستبداد بالانتساب إلى اليسار وأحزابه، أو، لاحقاً، التأكيد على الديمقراطيّة. أمّا على الصعيد الثقافيّ البحت، فكان الجري وراء أنماط وأجناس في الكتابة تغاير المألوف والموروث، كالتجرّؤ على شعر التفعيلة الكلاسيكيّ وتجاوزه، في العراق وبين أدباء الأقليّات في سورية ولبنان.

لكنّنا يمكن أن نرسم خطّاً فاصلاً هو الذي تولّى نقلنا إلى الجدّ والصراحة مع استتباب الثورة الخمينيّة نظاماً رافقه صعود الهويّات على عمومها، ومن ثمّ اندلاع الحرب العراقيّة – الإيرانيّة في الثمانينات التي كلّفت زهاء مليون قتيل. إذّاك، وبالاستفادة من ضمور اليسار في موازاة بلوغ الاتّحاد السوفياتيّ طور تخشّبه البريجنيفيّ، صارت المبادرة السياسيّة الشيعيّة أشدّ إحساساً بشيعيّتها وأكثر جهراً بها. وإذ طوّرت الثورة الإيرانيّة وجهها المناهض للولايات المتّحدة، في مقابل القوى السنيّة المحافظة الداعمة لـ"الجهاد" الأفغانيّ ضدّ الشيوعيّة، غدت الراديكاليّة الشيعيّة متماهية مع العداء للولايات المتّحدة، ناطقة بلسانه.

يقابل هذا ما ألمّ بالسنّيّة السياسيّة كما الشعوريّة، الشعبيّ منها والشعبويّ: فهي التي حفظت تقليد الاستبداد الأكثريّ طويلاً، مماهيةً ذاتها بـ"الأمّة"، راعها حصول حرب العراق في 2003 بعد أقلّ من عامين على جريمة 11/9 في نيويورك، وقبل أقلّ من عامين على اغتيال الزعيم السنّيّ اللبنانيّ رفيق الحريري، وذلك في ظلّ استمرار الصراع في فلسطين/ إسرائيل واحتدامه. هكذا اصطبغ الخوف من تغيّر العالم المعطى، بسلطاته وتراتُبه وتوازناته المألوفة، بيقظة نضاليّة، إرهابيّة في بعض الحالات سياسيّة في بعضها الآخر. وبدا "طبيعيّاً" أن يصطدم الانبعاث الجريح المذكور بانبعاث ظافر للنضاليّة الشيعيّة في العراق، وجزئيّاً في لبنان.

فالسلطويّة السّنيّة المصابة بالترهّل، وابنتها الإرهابيّة المتمرّدة عليها، المنشقّة عنها، باتتا وجهاً لوجه مع معارضة شيعيّة تتعدّد صيغها وتعابيرها، إلاّ أن المزاودة تبقى قاسمها المشترك: من المزاودة على الفلسطينيّين السنّة وقضيّتهم بتوجّهات ومواقف سوريّة يحرّك دفّتها شيعة علويّون أو بمقاومة شيعيّة لبنانيّة مرفوعة لفظاً إلى مرتبة من التمثيل "الإسلاميّ" المطلق، إلى المزاودة الإيرانيّة (الشيعيّة) على الحكومات العربيّة (السنّيّة) في ما خصّ فلسطين وتطوير سلاح نوويّ وسائر قضايا الاحتكاك بالغرب.

بطبيعة الحال يُستحسن تجنّب التعميم والحذر من النظر الجوهرانيّ إلى التاريخ. لكنْ ما العمل حين يكون التاريخ، تاريخنا، جوهرانيّاً، هو نفسه، إلى حدّ بعيد، راكداً على ما هو عليه؟ هكذا نجدنا أمام العنف العراقيّ المتمادي، فيما العراق أرض الصراعين التأسيسييّن، ذاك الذي نشب إبّان خلافة علي وتفجّرت بنتيجته وحدة الإسلام، وذاك الصفويّ- القاجاريّ (الشيعيّ) مع العثمانيّين (السنّة). وما العمل حين يكون العراق إيّاه هو الذي تعرّض لنظام بعثيّ سُنّيّ نجح، بطاقة النفط وبحداثة تنظيميّة مركزيّة ومتشدّدة، وعلى مدى 35 عاماً، في بناء سلطة تستبعد المجتمع وتفاقم تصدّعه المسكوت عن تسميته الفعليّة.

لقد تُرك للصمت والكتمان أن يصفا المشكلات الفعليّة. والشيء نفسه، على اختلاف في التفاصيل، حصل في لبنان. فالسيّد موسى الصدر أسّس، في 1967، "المجلس الإسلاميّ الشيعيّ الأعلى" بوصفه تحرّراً مؤسّسيّاً من تمثيل المفتي السنّّيّ للشيعة بصفتهم مسلمين مُلحَقين. ومع الثورة الإيرانيّة والاجتياح الإسرائيليّ للبنان، وكان الشيعة قد خاضوا معارك شرسة في الجنوب ضدّ المقاومة الفلسطينيّة (السنّيّة)، جاءت المقاومة الشيعيّة كأنّها تكسر الاحتكار الفلسطينيّ - السنّيّ للمقاومة كمبدأ وكواقع. وتولّت هذه المقاومة، وبالقوّة، منع أحزاب اليسار المتحالفة مع الفلسطينيّين من المشاركة في قتال إسرائيل، فيما كانت تُخاض، أواسط الثمانينات، "حرب المخيّمات"، وهي إحدى أشرس حروب لبنان، بين "الأخوة" الفلسطينيّين والشيعة. أمّا رفيق الحريري، فتمثّل فيه كلّ ما يناقض مشروع  "حزب الله" الشيعيّ، تماماً كما جسّد الحزب المذكور كلّ ما يناقض الحريري، وإن أمكن الحفاظ على تعايشهما بفعل الحضور العسكريّ السوريّ في لبنان.

وواقع الحال أنه تعايش لا يدوم، لا في لبنان ولا في غيره، في ظلّ الإنكار والتجهيل والتجاهل. وهذا بعض ما نرث اليوم نتائجه البائسة في غير بلد يعيش فيه سنّة وشيعة.

وسيبقى الوضع البائس هذا مستمرّاً ما دام من المستبعد حصول استدارة تقطع مع مفهوم "الأمّة" السنّيّ ومع تطبيقاته الاستبداديّة والاستبعاديّة نحو مفهوم المواطنة وتساوي المواطنين، أو حصول انكفاء عن سياسة المزاودة الأقليّة التي لا يحدّها حدّ أو رادع، وهي، هنا، مزاودة بـ"المقاومة لإسرائيل".

لقد تأخّر عرب كثيرون، بعد الحرب العالميّة الأولى، عن إدراك حقيقة انهيار العالم الإمبراطوريّ القديم، متمسّكين بخلافة تخلّى عنها الأتراك أنفسهم. ويُخشى أن تتكرّر التجربة مقلوبةً مع الإيرانيّين، فيغادرون زعم الإسلام الجامع الذي يلوذ به بعض الشيعة العرب ليجد اللائذون أنفسهم متروكين أمام حطام أوطانهم وتصدّع جماعاتهم.