العدوان على غزة.. ندب غائرة ينتظرها اقتصاد الاحتلال

أحد كوادر الدفاع المدني التابع للاحتلال يقوم بإطفاء حريق في تل أبيب إثر قصف المقاومة الفلسطينية - (وكالات)
أحد كوادر الدفاع المدني التابع للاحتلال يقوم بإطفاء حريق في تل أبيب إثر قصف المقاومة الفلسطينية - (وكالات)
 يشي استمرار عدوان الاحتلال على غزة بآثار سلبية جمة على اقتصاد المحتل التي بدأت مظاهرها بتخفيض المؤسسات الائتمانية لتصنيفه وهبوط الشيكل وارتفاع كبير في أسعار السلع، إضافة إلى توقف الكثير من القطاعات الإنتاجية.اضافة اعلان
فمنذ اليوم الأول للعدوان الغاشم على قطاع غزة، ومع إعلان حكومة الاحتلال حالة الحرب، توقفت الوزارات والمؤسسات الحكومية عن تقديم خدماتها في الجوانب المدنية، وتم تعليق المدارس والتحول بعدها للتعلم عن بعد في بعض المناطق، وتأجيل افتتاح السنة الدراسية في الجامعات لأكثر من شهر قابل للتجديد.
وشهد اقتصاد الاحتلال، منذ بداية العدوان، تأثرا سلبيا واضحا؛ حيث سجلت بورصة "تل أبيب" انخفاضا تدريجيا في أسهمها، مع تراجع واضح للشيكل مقابل الدولار.
ومن أسباب هذا التراجع الحاد؛ توقف الشركات والمصانع والورشات كافة في جنوب إسرائيل، إضافة لانخفاض معدل استيراد البضائع والمواد الخام من الخارج، وخصوصا أن الميناء التجاري الرئيسي في البلاد هو ميناء حيفا الواقع في الشمال، ولا يبعد أكثر من 40 كيلومترا عن الحدود الشمالية مع لبنان، التي تشهد توترا متصاعدا منذ بداية العدوان.
وكان صندوق التعويضات في إسرائيل، قد كشف أن إجمالي الخسائر التي لحقت بالممتلكات خلال الأسبوع الأول منذ بداية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، يبلغ نحو 373 مليون دولار، ما يضاهي خسائر تل أبيب في الحرب التي شنتها على لبنان العام 2006، وهو ما يدفع للتساؤل عن كيفية تأثر الاقتصاد في حال اشتعال جبهات أخرى غير قطاع غزة.
وينعكس هذا الضرر الاقتصادي بشكل مباشر على الأسعار داخل إسرائيل، وخصوصا السلع الأساسية والمواد الغذائية التي ارتفع سعرها بشكل ملحوظ منذ بداية العدوان.
وفي هذا السياق، قال محمود طاهر -صاحب ملحمة في مدينة أم الفحم- إن الأسعار ارتفعت بشكل جنوني وغير مسبوق في مجال عمله، وهذا بسبب توقف الاستيراد بفعل الحرب الحالية، مضيفا "على سبيل المثال، كان سعر طن العلف قبل الحرب 1500 شيكل واليوم يتراوح بين 2800-2700 شيكل، يعني نتحدث عن زيادة الضعف، ومثال آخر، سعر كيلو لحم العجل قبل الحرب كان 17 شيكلا واليوم 25 شيكلا".
وفي حديثه لـ"الجزيرة نت"، تابع طاهر قائلا "مع إعلان حالة الحرب والتحذيرات الأمنية، اندفع المواطنون بشكل عشوائي لشراء كميات كبيرة من المواد التموينية، مما خلق نقصا حادا بمواد أساسية مثل الطحين والسكر".
ويعود هذا الارتفاع في الأسعار لأسباب أخرى، مثل استدعاء نحو 360 ألفا في احتياط جيش الاحتلال، وتم تسخير كافة جهود المؤسسات ذات الشأن والشركات الكبرى في إسرائيل لتوفير المواد الغذائية اللازمة لجنود الاحتياط كأولوية على الجميع.
وهذا ما أكده الشاب أيهم إغبارية، أثناء تسوقه في مدينة أم الفحم، حيث قال "لم أشهد ارتفاعا في الأسعار كهذا من قبل، إضافة لنفاد المواد التموينية من المحلات التجارية، حيث واجهت صعوبة في أن أجد طحينا في المدينة، وعندما وجدته كان سعره مرتفعا بأكثر من %50، وهذا الارتفاع يمكن أن نلاحظه في السلع الأساسية كافة".
وأضاف إغبارية أسباب عدة لهذا الارتفاع الحاد في الأسعار، ومن أهمها أن كميات كبيرة من المواد التموينية يتم إرسالها لقوات الجيش على الجبهات.
وحسب موقع "والا" الإسرائيلي، فقد أظهر استطلاع أجراه معهد أبحاث "البيع بالتجزئة" ارتفاع الأسعار في جميع الشبكات التجارية، ووجد الاستطلاع -الذي شمل فحص ما يقرب من 300 منتج- أن الشبكة التجارية التي شهدت السعر الأعلى كانت "يوهانوف"، إذ زادت الأسعار بنسبة 10.25 %، تليها شبكة "رامي ليفي" بزيادة 9.72 %، وشبكة "كارفور" بارتفاع 7.49 % في المتوسط، في حين شهدت شبكة "شوفرسال" قفزة بنسبة 6.48 %.
وتشمل الزيادة في الأسعار مجموعة واسعة من المنتجات، بينها منتجات التنظيف والغسيل، والقهوة، والمنتجات الغذائية بأنواعها، والحفاضات، والمشروبات الغازية والكحولية، إضافة إلى الخضراوات المجمدة، والملح، والسكر البني، والأرز وعدد من المنتجات الأساسية.
ومن جهتها، أوضحت الاقتصادية شيرا سبير -في تقرير لها بصحيفة "غلوبس" الإسرائيلية- أن قفزة بنسبة 44 % سجلت في حجم المعاملات في تجارة الجملة وصناعة المواد الغذائية، ويرجع ذلك إلى التبرعات والمساعدات المقدمة لسكان الجنوب -الذين تم إجلاؤهم- ولجنود الجيش الإسرائيلي.
وقبل أيام، رجح مسؤول كبير في وزارة المالية الإسرائيلية، أن بلاده ستضطر لإنفاق مبالغ كبرى لتمويل الحرب ضد المقاومة الفلسطينية عما قدره بنك إسرائيل، مشيرا إلى أن التكلفة تقترب من 50 مليار دولار.
وكان البنك المركزي الإسرائيلي توقع أن يبلغ عجز الموازنة في 2023 مستوى 2.3 % من الناتج المحلي الإجمالي و3.5 % في 2024، في حال بقيت الحرب مقصورة على قطاع غزة ولم تمتد لجبهات أخرى، ما سيؤدي إلى تفاقم الوضع الاقتصادي.
وبجانب الأسباب السابقة لارتفاع الأسعار، يعاني السوق الإسرائيلي من نقص كبير بالأيدي العاملة في مصانع المواد الغذائية ومجال الزراعة، حيث إن أغلب العمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر لا يذهبون للعمل خلال فترة الحرب، بسبب الوضع الأمني السيئ في الجنوب والمركز وبالمناطق القريبة مع الحدود اللبنانية، وأيضا بعد تصاعد وتيرة العنصرية والاعتداءات تجاه العمال الفلسطينيين في البلاد، وإعلان بعض البلديات منع دخول العمال العرب للعمل في مناطق نفوذها، مثل بلدية "روش هعاين" في مركز إسرائيل.
إضافة إلى منع العمل داخل إسرائيل خلال فترة العدوان لقرابة 130 ألف عامل من الضفة الغربية، ومعظمهم يعملون في مجالي الزراعة والبناء، ما دفع وزير الاقتصاد الإسرائيلي نير بركات إلى السعي لتمرير قرار حكومي بجلب 160 ألف عامل أجنبي -خاصة من الهند- ليحلوا مكان العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية.
وقال أحمد محاميد -أحد المتسوقين- إن ارتفاع الأسعار شمل المواد التموينية كافة، من طحين وأرز وزيت وخضار وفواكه ولحوم ودجاج، مضيفا "بلغ الارتفاع حوالي 70-60 %، صراحة لا أعرف كم من الوقت سنصبر على هذه الارتفاعات، خصوصا وأن معاشي الشهري بالكاد يكفي لسد الاحتياجات قبل هذا الارتفاع، وأنا ما أزال على رأس عملي، ولكن ماذا يفعل الذي توقف عن العمل؟ إن كان بسبب الوضع الأمني أو العنصرية الزائدة".
وعزا محاميد السبب في ارتفاع الأسعار -إضافة للأوضاع الأمنية- إلى نقص الأيدي العاملة.
وحذر من أن "هناك أيضا من يحتكر المواد التموينية ويرفع السعر حسب مصلحته، إن كان من التجار أو الموزعين، ومعروف أنه خلال الحروب يسعى الكثير من الناس للاستفادة بالأشكال كافة".-(وكالات)