تسارع مرعب في مرتبة الغلاء!

لم يكفنا أن عاصمتنا، عمان، كانت في المرتبة الثامنة والأربعين على مستوى العالم من حيث غلاء المعيشة في العام 2014، إذ تعزز هذا الغلاء العام الماضي لتستمر عمان بوصفها أغلى المدن معيشة في الشرق الأوسط، كما احتلت المرتبة الثالثة والعشرين عالميا على هذا الصعيد، وفقا لوحدة الاستخبارات الاقتصادية في مجلة "الإيكونوميست". وهو تقدم متسارع ينطوي على تداعيات خطيرة؛ إذ قفزت عمان 25 مرتبة في غضون عام.اضافة اعلان
ومن الضروري القول إن النتائج التي تقدمها "الإيكونوميست" على درجة عالية من المهنية والدقة والمرجعية على صعيدي المعلومات والتحليل حول العالم. وقد شملت دراسة المجلة الأخيرة 133 مدينة في العالم، تم خلالها مقارنة تكاليف الحصول على أكثر من 60 منتجا وخدمة، بما في الغذاء والملابس.
كنّا ضمن قائمة أغلى خمسين مدينة في العالم، وأصبحنا اليوم ضمن قائمة أغلى 25 مدينة. والخوف هو من أن نصل إلى المرتبة الأولى عالميا إن بقينا على المنوال ذاته. ولتحقيق ذلك، ربما يستوجب الأمر بقاء الحكومة الحالية في "الدوار الرابع" لتسعة أشهر إضافية!
معلومات وتحليلات دراسة المؤسسة البريطانية لها ما يدعمها محلياً. إذ ثمة دراسات أردنية تشير إلى توزيع الدخل بشكل غير عادل، وغياب العدالة الاقتصادية بهذا المعنى، وذلك عندما نعرف أن أغنى 30 % من السكان يحصلون على 60 % من إجمالي الدخل، ما أدى إلى تلاشي الطبقة الوسطى لصالح انضمام الكثير من شرائحها إلى طبقة الفقراء التي تتسع يوما بعد يوم.
أساس الغلاء في الأردن أن كل أسعار السلع والخدمات تتجه إلى ارتفاع بينما الرواتب ضئيلة لا تكاد تكفي في كثير من الحالات للأسبوع الأول من الشهر. فنحو 86 % من الأردنيين يتقاضون رواتب تقل عن 500 دينار شهرياً، بما يعني أن القدرة الشرائية لدى هؤلاء غير موجودة.
والتشوه الأكبر في هذا المجال أن الحكومة توظف ربع مليون شخص، كما يؤكد نائب رئيس الوزراء الأسبق د. محمد الحلايقة، بينما لا تغطي كامل إيرادات الدولة من الرسوم والضرائب سوى 82 % من الرواتب والتقاعدات. ويزداد الأمر تعقيدا عندما نعلم أن إنتاجية بعض الموظفين لا تتجاوز ساعة واحدة في اليوم بسبب البطالة المقنعة وتورم القطاع العام.
وحتى تدفع الحكومة رواتب لموظفين بعضهم لا يعمل، تتوسع في فرض الضرائب، حتى بات العبء الضريبي في الأردن هو الأعلى عربيا؛ فهناك أشكال متعددة من الضرائب المباشرة وغير المباشرة التي تتسبب في تفشي الغلاء.
الأزمة الأخيرة التي وقف على تفاصيلها نسبة لا بأس بها من الأردنيين، وتتصل برفع رسوم برنامجي الموازي والدراسات العليا في الجامعة الأردنية، قد تكون مقدمة لتغييرات مؤثرة في أنماط التعايش الاقتصادي في العاصمة. وقد تؤدي هذه التغييرات إلى إعادة هندسة الطبقات في الأردن، وفرز حاد بين من يملك ومن لا يملك، ومن لديه فرصة الحياة المترفة ومن تذوي فرصته في أبسط حقوق المعيشة خلف شبح الغلاء.
بهذه الوتيرة، ستصبح عمان للأثرياء فقط. ومع قطاع عام متورم، سيزيد الأمر تعقيدا. والصادم في كل هذا أن مثل هذه الأوضاع تؤسس لطرد الفقير والمستثمر على حد سواء، لتبقى الحكومة وحدها على مسرح الغلاء، تتغنى بإنجازاتها وقراراتها الحكيمة!