الأردن الأخضر.. والانتظار الطويل

د.ابراهيم بدران
د.ابراهيم بدران
هذا الأسبوع، ودون أن ننسى للحظة جرائم التدمير والإبادة الجماعية المتواصلة في غزة، وجرائم القتل والاعتقال والمصادرة في الضفة الغربية التي يصر عليها الكيان الصهيوني العنصري وسط هلامية الموقف الأميركي وغياب الفعل العربي، هذا الأسبوع ودعنا فصل الشتاء ليدخل الربيع في 21/3. ونعود بالذاكرة الى حوالي 30 سنة مضت، حين أعلن الراحل الملك الحسين رحمه الله ان عام 2000 سيكون عام الأردن الأخضر، وبكل وضوح ورؤية وطنية راح الملك عبدالله الثاني ليؤكد مرارا الاهتمام  المتواصل بتخضير الأردن وزرع الاشجارعلى أوسع نطاق وتوسيع رقعة الغابات، والتي لا تتجاوز لدينا أكثر من 1 % من مساحة الأردن مقابل المتوسط العالمي 31 %، ومقابل العراق 1.9 % وسورية 2.5 % من مساحتها، وحين ننظر الى السهول والجبال والوديان في هذا الوقت من العام اي اوائل الربيع وقد اكتست كلها باللون الأخضر، ندرك كم من الامكانات الكامنة التي يمكن استثمارها لتخفيف وطأة التغيرات المناخية، وخاصة ارتفاع درجات الحرارة والجفاف والتي تشتد تأثيراتها في الأردن بسبب غياب المساحات الخضراء الكافية في مختلف المناطق والمحافظات، والزيادة السكانية الطارئة بسبب اللاجئين والوافدين، والملاحظ ان معظم القرى والبلدان والمدن لدينا تفتقر الى المساحات الخضراء، في حين تؤكد منظمة الصحة العالمية أن الحد الأدنى للمساحات الخضراء في المدن من أجل حياة صحية جيدة 9(متر مربع) لكل فرد من السكان. ان الكثير من المرافق العامة وخاصة المدارس والجامعات تفتقر الى المساحات الخضراء التي تتناسب مع اعداد الطلبة في المدارس والتي تتجاوز 2.25 مليون والأعداد في الجامعات والتي تزيد على 370 الف طالب.اضافة اعلان
وتتصاعد موجة التغيرات المناخية يوما بعد يوم بسرعة كبيرة، لتدفع دول العالم الى مزيد من الاهتمام بالمناطق الخضراء والاستثمار فيها، ابتداء من الغابات مروراً بالمتنزهات في المدن وقريبا منها، وانتهاء بالحدائق الصغيرة والمنزلية، ذلك ان هذه المساحات من شأنها ان تخفف أولا من التلوث والانبعاثات الحرارية والغازية، وأن تخفض ثانيا من ارتفاعات درجات الحرارة و تزيد الرطوبة صيفا والأمطار شتاء، وان تحسّن ثالثا من مزاج المواطنين وحالتهم النفسية لينعكس ذلك ايجابيا على الإنتاج والإنتاجية، وأن  تجنب رابعا المواطنين الأضرار الصحية المرافقة للتلوث والتغيرات الأخرى. وقد ساعد التقدم العلمي على تطوير سلالات نباتية وحيوانية قادرة على تحمل الجفاف والحرارة بحيث يمكنها البقاء في أقسى الظروف، كما وتطورت تكنولوجيات جديدة في الزراعة في المناطق الجافة بل وفي المباني المرتفعة. ولكن الإشكال الرئيسي لدينا هو «غياب استراتيجية وطنية للتخضير محددة الاهداف والفترات الزمنية تلتزم بها الحكومات المتعاقبة»، وإن وجدت على الورق، لم يكن لها حظ من التنفيذ ولا التشبيك الفعال بين الشركاء.
وهنا يمكن الاشارة الى عدد من النقاط وعلى النحو التالي.
 اولاً:  وضع استراتيجية وطنية وبرامج تنفيذية لزيادة مساحات الغابات في الأردن الى 4 % من مساحات الأردن خلال السنوات السبع القادمة كأولوية وطنية. 
 ثانياً: الإفادة من تجارب الدول التي نجحت في زراعة الاماكن القاحلة بل الصحراوية وخاصة التجربة الصينية والمكسيكية التي حولت اراضي صحراوية رملية الى غابات خضراء. 
ثالثا: وضع دليل للنباتات والحيوانات عالية التحمل للجفاف والحرارة حتى يمكن الافادة منها من الأفراد والمؤسسات عند اختيار متطلبات التخضير على نطاق واسع.
 رابعاً: الافادة من التكنولوجيات الزراعية الجديدة والملائمة للمناطق الجافة مثل الصناديق المائية، وتكنولوجيا الشرنقة وتجميع الندى وغيرها. 
 خامساً: إعادة الفاعلية ليوم الشجرة والتزام جميع المؤسسات وخاصة المدارس والجامعات بالمشاركة الفاعلة وفق خطة مشتركة مع وزارتي الزراعة والبيئة.
 سادساً: ان تلتزم كل مدرسة وكل جامعة بالتحول الى مدرسة وجامعة خضراء وكذلك دور العبادة بزراعة الاشجار في كل مكان يمكن ان تزرع به وخاصة حول الأسوار، وأطراف الساحات، وتربية الطلبة للمحافظة على الاشجار والعناية بها.
 سابعاً: التزام البلديات في المدن والقرى بإنشاء مساحات خضراء ركنها الأساسي الاشجار التي تحتاج الحد الادنى من المياه بما في ذلك الاشجار الحرجية.
 ثامناً: أن يركز تنظيم المدن والأحياء الجديدة على توفير مساحات كافية لأن تكون حدائق ومتنزهات صغيرة ومتوسطة وتوفير الحماية القانونية لها لكي لا تباع أو يستولي عليها اصحاب الاراضي المجاورة كما هو الحال الآن. 
تاسعاً: الافادة من تجربة الصين في انشاء الحدائق العامة قليلة التكاليف قليلة الاحتياج للمياه.
عاشرا: التوسع في إنشاء الحفائر والسدود الترابية على أوسع نطاق. 
حادي عشر: الدخول الجاد في  تطبيق تكنولوجيا الاستمطار والمستعملة في أكثر من 100 دولة وتكنولوجيا توليد الماء من الهواء وتكنولوجيا اصطياد الضباب والتي غدت جميعها اليوم مقبولة الكلفة بفضل الطاقة الشمسية.
 ثاني عشر: التعاون مع القطاع الخاص في إنشاء غابات جديدة وخاصة في المناطق الصعبة أو البعيدة.
واخيراً، فإن اقتصاديات التخضير مجدية تماما وتنعكس إيجابيا على الناتج المحلي الإجمالي بنسبة لا تقل عن 2 %، ولكن مثل هذه الاستراتيجية تتطلب عملاً جاداً من الشركاء وهم بالدرجة الأولى وزارات الزراعة والمياه والبيئة، والتربية والتعليم والشباب والثقافة والإعلام والقطاع الخاص،  بالتشارك العملي مع طلبة المدارس والجامعات ونوادي الشباب. إن تخضير الأردن بكل الوسائل والتكنولوجيات الحديثة والمشاركة الطلابية والشبابية والمجتمعية بشكل عام، يمثل خطوة صحيحة وأساسية باتجاه المستقبل الأفضل.