جريمة غسل الأموال وقانون الجرائم الإلكترونية

د. أشرف الراعي
د. أشرف الراعي
في ظل ما نشهده اليوم من تطور وتقدم تقني وعلمي تكنولوجي هائل، يثور التساؤل حول مدى إمكانية معالجة بعض الجرائم من خلال الأنظمة التقنية، ومن أبرز هذه الجرائم هي جريمة غسل الأموال، التي تعد واحدة من الجرائم الخطيرة التي كان لا بد من التشدد في معاقبة مرتكبيها، لا سيما وأن التطرق قانونياً لمخاطرها يعد قليلاً بالمقارنة مع الجرائم الأخرى التي تنطبق عليها نصوص قانون الجرائم الإلكترونية الأردني، والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة؛ ومن هنا وجدت لزاماً علي أن أبحث في هذه الجريمة؛ فأعددت بحثاً محكماً قبل للنشر في المجلة الأردنية في القانون والعلوم السياسية التي تصدر عن جامعة مؤتة / السيف والقلم التي نعتز بها.اضافة اعلان
إن أبرز ما تناولته الورقة البحثية في هذا الإطار هو أن عمليات غسل الأموال تُعرف منذ القِدَم، وتزايدت ممارستها بشكل كبير مؤخراً مع ما يشهده العالم من تطور، وتقدم تقني أسهم في جعل العالم قرية واحدة بسبب العولمة (Globalization)، لا بل ظهرت العديد من العصابات المُنظمة (Organized gangs) كقوات متخصصة في الاتجار غير المشروع في الأسلحة، والمُخدرات، والرشوة، والاتجار بالبشر، ما دفع المجتمع الدولي إلى التنبه لأهمية مكافحة جريمة غسل الأموال، بسبب تأثيرها السلبي على الاقتصاد العالمي، وإمكانية ارتكابها من قبل المنظمات الإرهابية في تمويل الإرهاب الدولي، وغيرها من الجرائم ذات الخطورة المُحدقة على المجتمعات.
إن هذه المخاطر أسهمت - بصورة جلية- في دفع المُجتمع الدولي إلى إقرارِ العديد من الاتفاقيات التي تسهم في التصدي لآفة غسل الأموال؛ ومنها الاتفاقية الدولية لمكافحة الإتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية للعام 1988، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية التي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 25 - الدورة 55 المؤرخ في 15 تشرين الثاني / نوفمبر عام 2000، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تقررت عام 2005، ضمن جُهد دولي اشتركت به العديد من الدول، فيما بقيت التشريعات الوطنية للعديد من الدول العربية تُراوح مكانها إزاء هذه الجريمة، ما يتطلب بيان أوجه القصور فيها، ومن بين هذه الدول التي يتوجب دراسة هذه الجريمة فيها بصورة مستفيضة هي الأردن كونه يقع في موقع جغرافي حساس؛ حيث يربط العديد من الدول ومنها سورية والعراق ولبنان التي تعاني نزاعات مسلحة بدول الخليج التي تشهد عمليات اقتصادية ضخمة وتطوراً تجارياً هائلاً، مع مقارنتها بعدد من التشريعات.
لقد أظهرت دراسات تنامي آفة غسل الأموال لا سيما في خلال الأعوام الخمسة الأخيرة؛ حيث تشير الأرقام إلى أن إجمالي الأموال التي يتم غسلها سنوياً يصل إلى 3 ترليون دولار؛ بما يعادل 5 % من الناتج القومي العالمي، ما يؤثر بصورة سلبية في الاقتصاد العالمي ويضع العالم أمام خطر مُحدق وحقيقي حول ضرورة التعامل مع هذه الآفة، والتي تتزايد آثارها السلبية في ظل انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي والوسائط الذكية، والتي تتضمن أنظمة تشبه الأنظمة البشرية في التعامل مع الأشياء، وتقنيات «البلوك تشين»، والتي تعد نظاماً آمناً يمكن من خلاله إجراء العديد من العمليات المالية والمصرفية من دون اختراقه ما يعني إمكانية استخدامه في أنشطة جريمة غسل الأموال عبر استخدام العملات المشفرة التي انتشرت في السنوات الأخيرة بصورة لافتة.
وفي هذا السياق، يقول تقرير لبرنامج الأمم المتحدة العالمي إن «ما يتم كشفه فقط من حجم الأموال التي تتعرض لجريمة الغسل لا تزيد على 500 مليون دولار فقط»، وهو رقم متواضع جداً إذا ما قورن بمحل هذه الجريمة عالمياً، كما تشير التقارير التي أصدرتها الأجهزة الأمنية اليابانية إلى أن جرائم غسل الأموال ارتفعت بشكل لافت وهي ترتبط بالعديد من الجرائم الأخرى مثل الاحتيال، والسرقة، والمخدرات، وغيرها.
كما يرتبط حجم التطور في استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي بحجم التفاعل معها؛ فكلما زاد التعامل معها واستخدامها زاد الذكاء الاصطناعي قدرة على التعامل مع الأحداث والوقائع المحيطة به وتنفيذ العمليات التي تناسب هذه البيئة، وبالتالي يمكن ببساطة استخدامه في ارتكاب العديد من الجرائم، ومن بين هذه الجرائم جرائم غسل الأموال لا سيما من خلال فتح الحسابات البنكية، وتنفيذ العمليات المصرفية في القطاع المالي، والدخول في عمليات بيع وشراء مع الشركات التجارية، وشركات البناء، والنقل، وفتح الشركات في الخارج، وشراء العقارات، والمُقتنيات الثمينة، وهو ما بدأت الأنظمة التكنولوجية، والمواقع الإلكترونية الاستفادة منه، وذلك من خلال مَعرفةِ مُيولِ المُستخدمين، واتجاهاتهم، وتوجهاتهم أيا كانت، ومن ثم التحرك على أساسها.
ومن دون الإسهاب في التفاصيل، فلقد خلصنا من خلال هذه الورقة البحثية إلى أهمية النص بصورة واضحة على جريمة غسل الأموال في قانون الجرائم الإلكترونية بصورة إلكترونية كما هو الحال بالنسبة للجرائم الأخرى، واستحداث هذا النص يأتي لأهمية هذه الجريمة وخطورتها على الاقتصاد الوطني، والواقع الاجتماعي والسياسي في الدولة، فضلاً عن تشديد العقوبات على مرتكبي هذا الفعل المجرم مع التفرقة بالعقوبة بين المتدخل والمحرض والشريك ومن يشرع في الفعل، وفقاً للخطة الجنائية الواردة في قانون العقوبات الأردني.. والله من وراء القصد.