مطالعة في قانون حماية البيانات الشخصية الجديد

د. أشرف الراعي
د. أشرف الراعي

يُعتبر الحق بالحياة الخاصة للإنسان من أقدس الحقوق التي نصت عليها النظم القانونية المُعاصرة من دساتير وتشريعاتٍ داخلية، ومواثيق وعُهودٍ دولية، كما حرمت الاعتداء عليها مُختلف الشرائع الدينية، وفرضت على انتهاكها، وخرقها حُرماتٍ دينيةٍ، وأخلاقيةٍ باعتبار أن هذا الحق يُعد من أبرز الحقوق اللصيقة بشخص الإنسان، وشخصيته، وحياته عموماً، ومن أهم الركائز الأساسية لحريته الشخصية، وآدميته، وأمنه، وأمانه، وعيشه في مُجتمعه بصورة تكفل عدم التدخل في خصوصياته، فيعيش آمناً، مُستقراً.اضافة اعلان
كما تُعد الحياة الخاصة سنداً ترتكز إليه الحرية الشخصية، لذا فإن حمايتها ضرورة والتدخل فيها مُجَرَم، فضلاً عن أن حمايتها مرآة لتطور المجتمع وتقدمه واستقراره، لا سيما في ظل التنافس المحموم اليوم بين وسائل الاتصال والمنصات الرقمية والانتشار الكبير لحسابات مواقع التواصل الاجتماعي المُختلفة وغيرها من المنصات الإخبارية، وأنظمة الذكاء الاصطناعي، وذلك لاجتذاب أكبر عدد من المُتابعين والمُعجبين  عبر استخدام بعض أساليب التشهير سواء بالأشخاص الطبيعيين، أو المعنويين، وكشف أسرارهم الشخصية، والاعتداء على معلوماتهم الشخصية الخاصة بحجة «حُرية الرأي والتعبير» المكفولة دستوراً وقانوناً، والمكفولة كذلك بموجب العهود والمواثيق الدولية، سواء أكان ذلك في الدول المتقدمة أو النامية، والتي تعد مقياساً لديمقراطية الدولة، وتطورها، وتقدمها من عدمه، أو للحصول على منافع شخصية.
لكن تشريعاتنا الوطنية للأسف ما تزال تعاني من قصور في تحقيق هذه الحماية على الرغم من أهميتها؛ لا سيما مع عدم وجود تعريف قانوني جامع مانع لتحديد مفهوم حرمة الحياة الخاصة خصوصاً في ظل اختلاف المدارس الفقهية التي ناقشت هذا الحق، ومرونة معناه واختلافه من زمان إلى زمان ومن مكان إلى آخر، وهو ما دعا إلى تعديل قانون الجرائم الإلكترونية أواخر العام الماضي في ظل الانتهاكات الكبيرة للحرمات، واختراق الحياة الخاصة، وأدى كذلك إلى سن قانون حماية البيانات الشخصية رقم 24 لسنة 2023 الذي بدأ العمل به أمس الأول، وذلك بعد عدة سنوات بقيت فيها مسودة القانون حبيسة الأدراج منذ العام 2014؛ حيث قدّمت وزارة الاقتصاد الرقمي (وزارة الاتصالات حينها) أوّل مسودة مشروع لحماية البيانات الشخصية، والذي يأتي في الأساس للتعامل مع شركات تقوم بجمع البيانات الشخصية للأفراد، وبيعها إلى بنوك، ومؤسسات بما يشكل مخالفة صريحة وواضحة لحقوق الأفراد وحرياتهم وخصوصياتهم.
إن هذا القانون وإن كان يتضمن نصوصاً بحاجة إلى مراجعة واختبار إلى أنه كرس قواعد مهمة في حماية البيانات الشخصية لا سيما عندما عرف المعالجة في المادة الثانية منه بقوله بأنها عملية واحدة أو أكثر يتم إجراؤها بأي شكل أو وسيلة بهدف جمع البيانات أو تسجيلها أو تنظيمها أو تنقيحها أو تخزينها أو استغلالها أو استعمالها أو إرسالها أو توزيعها أو نشرها أو ربطها ببيانات أخرى أو إتاحتها أو نقلها أو عرضها أو إخفاء هويتها أو ترميزها أو تقييدها أو محوها أو تعديلها أو توصيفها أو الإفصاح عنها بأي وسيلة كانت، وهو ما جرمه القانون ومنعه بموجب نص المادة 4 منه.
المادة الرابعة طبعاً منعت المعالجة بكل أشكالها؛ حيث نصت في الفقرة (أ) على أن «لكل شخص طبيعي الحق في حماية بياناته، ولا يجوز معالجتها إلا بعد الحصول على الموافقة المسبقة للشخص المهني أو في الأحوال المصرح بها قانوناً»، وبالتالي فإن المنع الذي قررته هذه المادة جاءت منعاً مطلقاً إلا في حالتين هما موافقة الشخص الطبيعي من جهة، على معالجة البيانات ولا أعلم لماذا لم تضف عبارة «معلومات الشخص المعنوي»، وثانياً الأحوال المصرح فيها قانوناً وفقاً لنص المادة 6 من القانون، وهي التي تكون من جهة عامة مختصة (بالقدر اللازم) أو كانت بموجب تشريع أو لمنع جريمة أو ملاحقة الجرائم المرتكبة أو إذا كانت لأغراض قيام الجهات الخاضعة لرقابة وإشراف البنك المركزي بأعمالها (وفي هذا توسع في الحصول على هذه المعلومات من قبل البنوك)، وإذا ما كانت ضرورية لغايات البحث العلمي أو لغايات إحصائية أو إذا كان محل المعالجة بيانات متاحة للجمهور من الشخص المعني، (وهو استثناء أعتقد بأنه بحاجة إلى إعادة صياغة، حيث لم يحدد من هو الشخص المعني، هل المقصود به شخص معنوي خاص له صلاحية الكشف عن هذه المعلومات أم الشخص الطبيعي صاحب المعلومات ذاتها).
على أي حال، القانون اليوم تحت الاختبار وحاله حال أي نص قانوني يتعرض لانتقادات لما فيه من سلبيات وله مؤيدوه لما فيه من إيجابيات والقادم من الأيام سيكشف إن كان بحاجة إلى تعديل على غرار قانون الجرائم الإلكترونية الذي أقر أخيراً وأثار لغطاً أم سيستمر العمل به لمدة سنوات، علماً بأن العقوبات الواردة فيه «غير مبالغ فيها وتتناسب مع الأفعال، ولا أعتقد بأنها ستثير لغطاً في الشارع الأردني كما هو الحال بالنسبة لقانون الجرائم الإلكترونية».