"العنف" بحق قلوب الآخرين.. إيذاء معنوي لا قوانين تردعه

00
00
ربى الرياحي عمان- ليس العنف فقط ذلك الذي يندرج تحت بند الإيذاء البدني، بل هناك عنف آخر يرتكب دون رحمة أو شفقة ويؤذي بصمت قلوبا لا ذنب لها سوى أنها طيبة ومحبة تقدر الآخر وتحترمه وتثق به. هذه القلوب تحديدا تخشى أن تؤذي أحدا أو تجرح، لذا يكون جزاؤها الخذلان والقسوة. جرائم المجتمع من سرقة ونصب وقتل يحاسب عليها القانون، وهناك عقوبات مغلظة تؤخذ بحق الجناة كفيلة بأن تقتص للمجني عليه وتخففألمه وخسارته وتشعره نوعا ما بالتعويض أيا كان. لكن ماذا عن جرائم القلوب؟ كأن تسرق ضحكة أحدهم أو تطفئه بكلمة أو تتنمر عليه، وتجعله يكره نفسه هذا ما يسمى بالقتل المعنوي عندما يغيب الضمير والإنسانية بكل ما فيها من مشاعر يصبح الأمان النفسي مفقود، والقسوة تتجلى بأسوأ صورها. هناء لا تخفي شعورها بأنها بدأت تفقد الرغبة بالحياة، رغم أنها ما تزال في الثلاثين من عمرها، فقبل أكثر من تسع سنوات تزوجت من شخص كانت تعتقد بأنه سيكون فرحة أيامها ونصفها الآخر الذي ستتقاسم معه الحياة بحلوها ومرها وستعيش معه بتفاهم وانسجام. لكن ما حدث كان على عكس توقعاتها تماما، فقد تغير زوجها كثيرا لم يعد يكترث لمشاعرها ويبادلها الحب كما كان يفعل أيام الخطبة، وكأنه أصبح شخصا آخرا لا تعرفه. وتبين أنها باتت تشعر بغربة تجاهه، لم يعد هناك ما يجمعهما سوى طفليهما. استخفافه بمشاعرها وبحاجتها لاحتوائه وحنانه كل ذلك، جعلها تقف بالمنتصف مجردة من أنوثتها وعاطفتها. في كل مرة تحاول فيها أن تصلح العلاقة بينهما وتطالبه بأن يكون أكثر تقديرا واحتراما لها يسخر من كلامها ويبدأ بالتنمر على أفكارها حتى أصبحت اليوم صامتة طوال الوقت شاردة غارقة بالهموم والأحزان، وأيضا باتت منقطعة عن العالم الخارجي مجبرة على الوحدة بقرار منه. وتتساءل بحرقة؛ إلى متى ستبقى هناك أرواح تؤذى بدم بارد دون أدنى إحساس بالذنب. وإلى متى سيبقى الضمير الإنساني غائبا عن أكثر أنواع الايذاء بشاعة وقسوة؟. مبينة أن الكلمة السيئة جريمة، الخذلان جريمة، حرقة القلب جريمة، الانطفاء والظلم والإهمال كلها جرائم، لا تخضع لقوانين المجتمع بل تخضع للضمير. الأربعيني جهاد صالح، وهو موظف في إحدى الشركات لم يعد يشعر بالراحة والأمان بين زملائه. هو وبالرغم إخلاصه في العمل ومحبته الواضحة للجميع، إلا أنه يعاني من التهميش بينهم لا يحترمونه، كما يجب يحاولون التقليل منه دائما وإشعاره بأنه لا يشبههم. كلمات قاسية وأخرى مبطنة بالسخرية والاستهزاء، يلقونها على مسامعه يوميا دون أن يفكروا بحجم الضرر الذي يسببونه له، وتلك الجروح التي تحدثها مواقفهم المؤلمة في روحه وتأبى أن تندمل. جهاد ظل يراهن على أنهم قد يتغيرون معه يوما ما ويتنبهون لقسوة تصرفاتهم التي بدأت تسرق منه ضحكته وتتركه باهتا حزينا لا يعرف ما الذي عليه أن يفعله ليأمن شرهم وبأنه شخص يستحق الاحترام والثقة وأن الإنسان عبارة عن مشاعر وعواطف يتأثر وينجرح وينطفئ ويفقد أمانه إذا تم الاستخفاف بمشاعره. الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة يبين أن الجرائم ليست فقط تلك التي يحاسب عليها القانون، بل هناك ما هو أخطر وأقسى وتختلف وتتنوع، لكنها كلها تفتك بنفسية الإنسان وتؤذيه بصمت، وبشكل بطيء، لكونها تتعلق بالمشاعر. ووفق مطارنة، فإن الانسان في أصله منظومة من المشاعر والأحاسيس، الكلمة قد تؤذيه وتقهره وتحزنه وتدخله في نوبات من الاكتئاب، وأيضا هناك مواقف من شأنها أن تسلبه أمانه وتفقده الثقة بمن حوله وتشعره بالألم لوقت طويل. والأمثلة كثيرة على ذلك كظلم الزوج لزوجته واستقواء الإخوة على الاخوات واستغلالهن ماديا والاعتداء على حقوقهن وإجبارهن على الزواج. وعن هذا النوع من الايذاء يقول مطارنة، إن له آثارا كبيرة جدا على الإنسان، لأنها تمس عمق المشاعر وتؤذيه معنويا، وتتسبب في كثير من الأحيان في غربته عن نفسه وإحساسه بالقلق والمرارة باستمرار. فالإساءة والتنمر واستغلال ضعف الآخر وانتهاك حقوقه هي كلها أمور تحدث في نفسية الإنسان ندوبا من الصعب التخلص منها قد ترافقه مدى العمر وتوقعه فريسة للأمراض النفسية. ويرى الاختصاصي التربوي الأسري الدكتور عايش نوايسة، أن الضمير الإنساني هو الرادع الأول لاجتناب الجرائم المتعلقة بالمشاعر والحكم هنا يكون للوازع الدين والأخلاقي الذي يتم بموجبه حماية الآخر من أي انتهاك لفظي أو معنوي قد يسيء له ويقهره ويشعره بالظلم والحزن. ويعلل، لذا لا بد من مراعاة مشاعر الآخرين ووضع أنفسنا مكانهم حتى لا نتمادى في الإيذاء ونكون سببا في انطفاء روح أو كسرها وتحطيمها. ويوضح أن الجرائم التي ترتكب بحق القلوب هي بالتأكيد ذنب كبير وتشويه فعلي للإنسانية أيا كان السبب. وهنا ينوه نوايسة إلى ضرورة تربية الأجيال منذ الصغر على احترام مشاعر من حولهم وعدم الإساءة لهم بالقول أو الفعل وإيصالهم إلى مرحلة صعبة يكرهون فيها أنفسهم، ويكون ذلك من خلال مساعدة الآخر ودعمه والوقوف إلى جانبه وعدم استغلال ضعفه والابتعاد تماما عن إهانته والتقليل منه وإشعاره بالشفقة على نفسه. اقرأ المزيد: اضافة اعلان